عبد الله الكبير
بشكل مفاجئ وغير متوقع في هذا التوقيت، أعلن محمد المنفي رئيس المجلس الرئاسي عن إطلاق مراسيم خطة الإنقاذ الوطني، داعيا أعضاء المجلس الرئاسي إلى عدم الاعتراض على الاختصاصات التي تتطلب إجماع المجلس.
خطة الإنقاذ ترتكز على 12 مرسوما رئاسيا بدأت بمرسوم رئاسي رقم 1، القاضي بوقف آثار قانون إنشاء المحكمة الدستورية العليا، الذي أصدره مجلس النواب قبل عامين استنادا لحكم الدائرة الدستورية بعدم دستوريته.
يأتي تحرك المجلس الرئاسي متوازيا مع تحرك للبعثة الأممية تسنده الإدارة الأمريكية، حيث تنتظر البعثة تسلم المقترحات النهائية للجنة القانونية نهاية هذا الشهر، لتبدأ في تنفيذ مبادرة سياسية يتحدد فيها مصير هذه المقترحات من قبل ممثلي الأطراف السياسية والعسكرية وبقية المشاركين من الفئات والمكونات الأخرى.
التضارب بين المشروع الذي تقوده بعثة الأمم المتحدة ومشروع المجلس الرئاسي واضح، فلا تناغم بين المشروعين. البعثة ستوجه الدعوة لأطراف الصراع مع أطراف أخرى لحوار سياسي يأخذ بمقترحات اللجنة القانونية، ويختار منها ما يتم التوافق عليه للمضي إلى الانتخابات، بينما تقوض مراسيم المجلس الرئاسي من سلطات أطراف الصراع، وتذهب في طريق مختلف لا دور فيه لمجلسي النواب والدولة، ومن ثم فالصدام بين المشروعين قادم بدون شك.
الخطوات التالية للمجلس الرئاسي ستكون أكثر جرأة، وقد يصدر مرسوما بتجميد مجلسي النواب والدولة، وهي خطوة من شأنها أن تزيد من حدة الصراع، أما رفض هذه المراسيم والاستخفاف بها فقد انطلق فور نشرها، بإعلان رئيس مجلس النواب بطلانها وعدم شرعيتها، بينما تضمن بيان رئيس الحكومة الموازية إشارة إلى أسوأ التداعيات وهو تكريس حالة الانقسام، وربما تضع خطوات المجلس الرئاسي البلاد على حافة التقسيم الشامل.
السند القانوني لإجراءات المجلس الرئاسي سيكون محل جدل، ولن يكون بوسع أحد الفصل فيه، لأن أساس الأزمة والصراع سياسي وليس قانوني، كما أن مجلس النواب الجهة التشريعية لم تقدم النموذج الصحيح في احترام القوانين والاتفاقيات، لأنها انتهكت الإعلان الدستوري والاتفاقيات السياسية، بل حتى اللائحة الداخلية للمجلس، ولم يعد للنواب أي سلطة حقيقية لفرض المصلحة الوطنية عبر قوانين وقرارات المجلس، لذلك لا جدوى من رفضها أو تأييدها استنادا إلى الفتاوى القانونية، و أعتقد أن المجلس الرئاسي يراهن على التأييد الشعبي لهذا التحرك خاصة إذا اقترب من تفعيل مشروع الدستور المعطل، ووضع مسودة الدستور على طريق الاستفتاء.
ملاحم العملية السياسية المقبلة
أعلنت المبعوثة الأممية السيدة حنة تيتيه خلال احاطتها الأولى أمام مجلس الأمن، أن اللجنة القانونية المكلفة من الأمم المتحدة لوضع مقترحات وخيارات قانونية لحل الأزمة السياسية، ستكمل أعمالها قبل نهاية هذا الشهر، وستقوم البعثة بتقييم هذه الخيارات لتكون الأساس للعملية السياسية.
لم تكشف تيتيه أي تفاصيل عن هذه العملية السياسية ومراحلها وأطرافها، ربما لعرضها أولا على الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن، وانتظار ملاحظاتهم ومطالبهم لضمان دعمهم لها عند الشروع في تنفيذها. ورغم هذا التكتم، يمكن بعد الاستماع جيدا للإحاطة وتصريحات أعضاء المجلس، توقع الخطوات التي ستعمل عليها البعثة خلال الأسابيع والشهور المقبلة.
البداية ستكون بوضع مقاربة عاجلة توقف حالة التسارع نحو الانهيار الاقتصادي، بدفع أطراف الصراع إلى التوافق حول ميزانية موحدة، وإجراء حزمة من الإصلاحات الاقتصادية والمالية تقدم بها محافظ المصرف المركزي لايقاف هبوط قيمة العملة المحلية مقابل العملات الدولية، وتوفير السيولة في المصارف التجارية، ووقف السحب من احتياطي المصرف من العملات الدولية، لتغطية العجز في بنود الإنفاق الحكومي.
المستوى الخطير الذي بلغته الأزمة، وحالة السخط الشعبي، والإجماع في مجلس الأمن حول ضرورة توحيد الميزانية، كخطوة أساسية للحد من الإنفاق المتوسع.
وبالتوازي ستبدأ البعثة في دعوة أطراف الصراع لإرسال أسماء مندوبين عنهم للمشاركة في حوار سياسي يبحث في مقترحات اللجنة القانونية واختيار الملائم منها، لوضع الترتيبات والمواعيد النهائية للانتخابات، ولن تقتصر عضوية لجنة الحوار على أطراف الصراع وحدهم، بل ستشمل شخصيات تمثل كيانات ومناطق غير حاضرة بشكل فاعل في مكونات السلطات الحالية.
ومع الأخذ بعين الاعتبار قدرات وخبرة الطرف السياسي المتحكم في قرار مجلس النواب، في العرقلة والتمويه والمماطلة، واجهاض كل الحلول السياسية إذا لم تأت على هواه، وتمكنه من السيطرة التامة على كل السلطات، خاصة وأن بحوزته قوانين بوزنيقة التي قبلت بها بعض الأطراف ورفضتها أخري، فالمتوقع هو نسخة جديدة من حوار تونس جنيف، مع اختلافات طفيفة، وبحكم التجارب السابقة يجب أن نخشى اتفاق الجميع على تشكيل سلطة تنفيذية جديدة بنفس الذرائع السابقة.
توحيد المؤسسات المنقسمة، الإشراف على إجراء الانتخابات، وتسيير أعمال الدولة. ثم تجهض الانتخابات، ويعود رئيس مجلس النواب الأبدي إلى لعبته المفضلة. عرقلة أعمال الحكومة وعدم منحها الميزانية، ثم سحب الثقة منها وتشكيل حكومة موازية، لتبقى البلاد في نفس الدائرة، وتستمر المرحلة الانتقالية مع تجدد صراعاتها السابقة.
______________