أدان المداخلة ما أسيموه غزوا ثقافياللأدب غير الاسلامي، وادّعوا بأن الكتب تحتوي موادا إباحية ومعلومات عن الشيعة، والمسيحية والسحر. أصدرت هيئة الشرقية بيانا مطولا بخصوص الحادث ، متهمة العلمانيينبمحاولة تشجيع الفساد الأخلاقي“.

رد أكثر من 130 كاتبا ومفكرا ليبيا في رسالة مفتوحة ينتقدون عملية مصادرة الكتب بأنها إرهاب فكريو محاولة لإسكات الأصوات ومصادرة الرأي والفكر“. وأشارت الرسالة إلى عقيدة معينة ـ دون أن تذكر السلفية الجهادية مباشرة ـ وحذرت:

إن افعال اتباع هذه العقيدة، بما في ذلك في المساجد، والمدارس، ووسائل الإعلام والمؤسسات الاجتماعية الأخرى في العديد من المناطق الليبية، تهدد الانسجام الاجتماعي، وتزيد من التهديد للسلم المدني وتسهم في تعقيد الأزمة التي تواجهها البلاد.

في الشهر التالي أصدر عبدالرزاق الناظوري، رئيس أركان قوات حفتر والذي كان حينذاك الحاكم العسكري للمنطقة الشرقية، أمرا يحظر على النساء تحت سن الستين السفر إلى الخارج دون محرم.

وجادل بأن الحظر كان ضروريا لمقتضيات المصلحة العامةو للحد من النواحي السلبية لسفر النساء الليبيات إلى الخارج“. اتهم عدة مراقبين عناصر مدخلية داخل قوات حفتر بالدفع لإصدار هذا الأمر.

ألغى حفتر الحظر بعد أيام ـ بسبب السخط الشعبي ـ واستبدله بأمر جديد يفرض قيودا على سفر جميع الليبيين، ذكورا وإناثا، بعمر 18 إلى 45 عاما، بحيث يتوجب عليهم الحصول على إذن أمني قبل السفر إلى الخارج.

فسّر نشطاء المجتمع المدني، وخصوصا النساء اللاتي كنّ قد حشدن الدعم ضد الأمر الاصلي، القرار الجديد، الذي أشار إلى الحاجة لوضع إجراءات لمواجه المخاطر الخارجية التي تهدد الأمن الوطني، بوصفه محاولة لتقييد نشاط المجتمع المدني، الذي ينتقد بشكل منتظم من قبل المداخلة في المساجد التي يسيطرون عليها.

في مارس 2017، أوقف مداخلة مرتبطين بقوات حفتر مسيرة في بنغازي احتفالا بـ ساعة الأرض، وهي حدث دولى نظمه صندوق صندوق الحياة البرية العالمي للتوعية البيئية، واعتقلوا عددا من المشاركين في المسيرة، بمن فيهم مصور لوكالة الصحافة الفرنسية وكان قد التقط صورا للفعالية.

أصدرت هيئة الأوقاف في المنطقة الشرقية بيانا تقول فيه إن المسيرة كانت آثمةلأنها ضمت رجالا ونساء بشكل مختلط واتهمت المشاركين فيها بـ الشيطنة“.

شخصية مدخلية محورية شاركت في وقف فعالية ساعة الأرض، هو عبدالفتاح بن غلبون، الذي يقود ميليشيا متحالفة مع قوات الصاعقة التابعة لقوات حفتر، كان قد انتقد علنا اختلاط الطلاب الذكور والإناث في جامعات بنغازي.

في ديسمبر 2017، اعتقلت كتيبة بن غلبون مطربا شابا بعد انتشار فيديوهات وهو يغني في مدرسة ثانوية للبنات على وسائط التواصل الاجتماعي. اتهم بن غلبون المطرب بتشجيع الرذيلة، كما اعتقل مدير المدرسة. لكن ليس هناك علامة تفيد الفصل بين الجنسين في جامعات، حيث يختلط الطلاب الذكور والإناث علنا.

منذ أواخر العام 2014، تعرض عدد من النشطاء في شرق ليبيا ممن حذروا علنا من القوة المتنامية للمداخلة في تحالف حفتر أو نشروا تعليقات على وسائط التواصل الاجتماعي تنتقد ممارستهم ثقيلة الوطأة، وفي بعض الأحيان تم اعتقالهم.

ناشط من بنغازي قال: إنهم يستخدمون نفوذهم داخل الجهاز الأمني لتطبيق أجندتهم. إنهم مخيفون. كل من يتكلم ضدهم يتم استهدافه. والناشطون منا في المجتمع المدني أصبحوا قلقين جدا، لأننا نعرف أنهم يشكّون بنا. إن الفضاء المتاح لأنشطتنا يتقلص.

ثمة ديناميكيات مشابهة تجري في طرابلس وأجزاء أخرى من غرب ليبيا حيث للمداخلة وجود مسلح. في نوفمبر 2017، أغلقت الردع فعالية للكتب المصورة في طرابلس واعتقلت المنظمين وبعض الحاضرين لانتهاكهم الأخلاق والحشمة“.

في بيان لها، أضافت الردع أن مثل هذه الفعاليات مدفوعة من الخارج وتستغل ضعف الإيمان الديني والإعجاب بالثقافات الأجنبية“. في مايو 2018، اعتقلت الردع رجلين كانا قد نظما جوائز ستبموس، وهو حدث إعلامي سنوي. أحد أقارب المعتقلين أخبر هيومان رايتس ووتش أن الرجلين ربما استهدفا لأن صور الاحتفال أظهرت اختلاطا للنساء والرجال، وأن بعض النساء كنّ يرتدين ثيابا تعتبرها غير مقبولة.

المداخلة ليسوا وحدهم في السعي لتحقيق أجندة محافظة متشددة معادية للمجتمع المدني، لكن النشطاء يقولون إنهم أسهموا في تعزيز هذه الأجندة وفرضوا على خصومهم الإسلاميين (خصوصا الشيخ الصادق الغرياني) اتخاذ موقف دفاعي.

إضافة إلى الهجمات المحددة على المجتمع المدني وسيطرتهم المتنامية على المساجد، فإن المداخلة نشروا نفوذهم أيضا عبر الأنشطة الاجتماعية والإنسانسة التي تجري في المساجد والجمعيات الخيرية الدينية، التي يزداد الطلب على خدماتها مع تردي القوة الشرائية للناس منذ عام 2014.

كما أنهم أنشأوا شبكة واسعة من محطات الإذاعة التي تبث خطب المدخلي، وينشطون على الانترنت حيث انشأوا عددا من المواقع، والمنتديات وصفحات التواصل الاجتماعي التي تحظى بالشعبية لنشر أيديولوجيتهم ولفرض رقابة مشددة على وسائط التواصل الاجتماعي فيما يتعلق بأي انتقادات للمدخلي، أو أفكاره أو التيار المدخلي بشكل عام.

وأخيرا تحركوا نحو قطاع التعليم الخاص، فافتتحوا مدارس في طرابلس وبنغازي ومناطق أخرى. لقد أثار المربّون مخاوف حول عدد المدارس التي تعمل دون ترخيص من وزارة التربية، وكيف يتم تمويلها وحول محتويات مناهجها خصوصا في ضوء المنظور العام بأنها

تشجع عدم التسامح. أكاديمي من بنغازي حذر قائلا: إن نفوذهم هائل وعلى الناس أن يشعروا بالقلق. هذا يهدد أقليات مثل الصوفيين، والإباضيين وبرأيي، يهدد هويتنا الوطنية بشكل عام، لأن هذه الأيديولوجيا المستوردة تتعارض معنا. إن عدم اعتبار نفوذهم المتنامي مشكلة هو مشكلة بحد ذاته.

في مطلع العام 2019، وافقت الحكومة الشرقية على طلب لتأسيس بعض مراكز التدريب الديني للسلفية. حتى في طرابلس، طلب المداخلة تفويضا بفتح مراكز تدريب ديني، لكن هذه ما تزال قضية مثار جدل تتم مناقشتها داخل وزارة التربية في حكومة الوفاق الوطني.

حتى الآن، لم يحاول المداخلة تعديل النظام القانوني والقضائي، الذي يستند إلى القانون الوضعي على النمط الأوروبي. المجموعات الإسلامية المحافظة المتشددة الأخرى التي سعت إلى فرض اجندتها في الماضي (مثل المجموعات التي تعمل بوحي من القاعدة أو تنظيم الدولة الاسلامية) بدأت باضطهاد القضاة والمحامين ومحاولة تفكيك المحاكم التي أدانوها بوصفها لا تلتزم بالشريعة.

في حين أن المداخلة لم ينخرطوا في مثل هذه الممارسات، فإن منتقديهم يخشون أن المسألة مسألة وقت وحسب. لكن بالنسبة للمدافعين عنهم، فإن مثل هذه المخاوف لا أساس لها.

ما الذي يريده المداخلة في النهاية؟

في الوقت الراهن، يبدو أن المداخلة أكثر اهتماما بعقد تحالفات تكتيكية على المستوى المحلي، ربما كرد فعل على مراكز القوى المتعددة في ليبيا وفي غياب أي سلطة مركزة حقيقية.

رغم فتوى المدخلي التي تحث اتباعه على التوحد خلف حفتر وقواته، فإن من المنطقي عمليا بالنسبة للفصائل المدخلية أن تتحالف مع كل من يعتبر سلطة في المناطق التي يعملون فيها.

لقد أشار بعض الناس إلى أن موقفهم السياسي الذي يبدو متناقضا قد يكون نتيجة التعليمات التي تصدرها السلطات في السعودية، التي تعترف رسميا بحكومة الوفاق الوطني في طرابلس لكنها تدعم حفتر عمليا. لكن ثمة تفسير آخر محتمل.

عارف النايض، السفير السابق في الإمارات العربية المتحدة والباحث الصوفي، قال: في أي خطاب حول السلفية ينبغي أن تعي المستويات المتعددة التي يعملون عليها: المستوى العقائدي، والاستراتيجي والتكتيكي. فقط عند التفكير في المستوى الاستراتيجي يمكنك أن تفسر الظاهرة الغريبة المتمثلة في قتال المداخلة على الجانبين المتعارضين للإنقسام السياسي.

لو أنهم اجتمعوا في تحالف رسمي يتجاوز ما يوجد بشكل غير مترابط اليوم، فإنهم سيشكلون كتلة قوية للغاية. يبدو أن عددا من أتباع التيار ينظرون إلى البلد بوصفه فضاء تجريبيا محتملا لطموحات أكبر، رغم أن الطبيعة المحددة لهذه الطموحات تبقى غامضة ـ جزئيا لأن المداخلة سريون ومبهمون في طريقة تنظيم أنفسهم.

إن النفوذ الذي يمارسه المداخلة اليوم يطرح أسئلة (ويثير درجة من الرعب في أوساط منتقديهم) حول أثرهم على المسار السياسي، والاجتماعي والأمني طويل المدى لليبيا. لقد أثار وجود مثل هذا التيار المحافظ المتشدد داخل البنية التحتية الأمنية للبلاد أصلا توترات مجتمعية وتسبب في أحداث عنف.

ويضاعف العداء الأيديولوجي الصريح الذي يحمله المداخلة للإسلاميين الوسطيين مثل الإخوان المسلمين التوترات ويجعل من تسوية الصراع الراهن أمرا صعبا. هذه العداوة تعكس بشكل خاص خطوط الصدع الإقليمية بين قطر وتركيا من هة، اللتان دعمتا الإخوان وغيرهم من المجموعات الإسلامية، ومصر والسعودية والإمارات من جهة أخرى، التي دعمت حفتر وحلفاءه.

علاوة على ذلك، فإن النزعة المحورية للمداخلة في تقديم الدعم غير المشروع للحكام من شأنه أم يعزّز أي شخصية أو فصيل يسعى لفرض نفسه بطريقة غير ديمقراطية في الوقت الذي يدعي فيه امتلاكه للشرعية الدينية بالتحالف معهم.

إن كيفية تطور التيار المدخلي في ليبيا سيكون جزئيا انعكاسا لتطور علاقته بالقوى الخارجية، خصوصا السعودية، لكن أيضا التيار المدخلي في مصرظ المجاورة. بصرف النظر عن العلاقة الأيديولوجية مع المدخلي، فإن منتقدي التيار في ليبيا يعبرون عن هواجسهم حيال وجود صلات محتملة بالحكومة السعودية أو أجهزتها الأمنية.

البعض يصف المداخلة بأنهم حصان طروادةللنفوذ السعودي في ليبيا، رغم عدم وجود دليل على هذا حتى الآن. إن الشكوك الدائرة حول الدعم السعودي تنبع عادة من التصور القائل بأن العديد من المجموعات المسلحة المدخلية تنزع عادة لأن تكون أفضل تمويلا وتجهيزا من المجموعات الأخرى.

ثمة مؤشرات على أن الحكومة المصرية متخوفة من القوة والنفوذ المتناميين للمداخلة على الحدود مع شرق ليبيا وكيف يمكن لذلك أن يؤثر على مداخلة مصر، والذين يتركز معظمهم في الاسكندرية، التي تشكل مركزا لليبيين الذين يعيشون في المنفى.

ــــــــــــ

المصدر: ‫ﻟﻴﺒﻴﺎ‬ ‫ﻓﻲ‬ ‫ﺍﻟﻤﺪﺧﻠﻴﺔ‬ ‫ﺍﻟﺴﻠﻔﻴﺔ‬ ‫ﺻﻌﻮﺩ‬ ‫ﻣﻌﺎﻟﺠﺔ ـ أبريل 2019 (مترجم عن الأنجليزية)

مقالات مشابهة

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *