يعمل رئيس الوزراء الليبي عبد الحميد الدبيبة على الاستفادة من قضية الهجرة لتشكيل تحالفات دولية جديدة، وسط تنافس وانقسام داخلي على السلطة.
وفي إطار ذلك، استضافت العاصمة الليبية طرابلس الواقعة على ضفاف البحر المتوسط، في 17 يوليو/ تموز 2024 وليوم واحد، “منتدى الهجرة” برعاية ومبادرة من الدبيبة.
وشارك في المنتدى كل من رئيس تشاد محمد إدريس ديبي، ورئيسة وزراء إيطاليا جورجيا ميلوني، ورئيس حكومة تونس أحمد الحشاني، ورئيس وزراء مالطا روبرت أبيلا.
وأعلن الدبيبة خلال المنتدى أنه يهدف للحد من ظاهرة الهجرة عبر طرق مختلفة منها التنمية في إفريقيا والملف الأمني ومراقبة الحدود، تحت شعار “حلول عملية بشراكات إستراتيجية”.
أهداف الدبيبة
وأشارت مجلة “أفريكا انتيليجنس” الفرنسية في 12 يوليو 2024، وقبل أيام من انعقاد المنتدى أن الغرض الرئيس للدبيبة من المنتدى هو تشكيل تحالفات جديدة.
وبينت أنه سيركز على إقناع قادة أوروبا بقدرته على وضع آلية لتنظيم تدفقات الهجرة بين إفريقيا وأوروبا وتأمين الحدود.
وعقبت المجلة الفرنسية بأن الأمر يمثل مهمة صعبة للدبيبة، بسبب اختلاف القوات المسلحة التي تسيطر على المناطق المعنية.
وأكملت: لا تزال ليبيا منقسمة بين قوات حكومة الوفاق الوطني في الغرب وقوات اللواء خليفة حفتر في الشرق (مليشيات انقلابية تمردت على الحكومة الشرعية).
وأضافت “أفريكا انتيليجنس” أنه في إطار الحوار الجاري بين إيطاليا وليبيا حول هذه المواضيع، وضع الدبيبة جل اهتمامه في حضور ميلوني المنتدى، بفرض أن روما من العواصم الأكثر تأثرا في أوروبا من عمليات الهجرة غير الشرعية.
وقد زارت ميلوني طرفي النزاع في ليبيا سواء طرابلس أو بنغازي في مايو/ أيار 2024 لمناقشة الهجرة التي تعد قضية رئيسة في المشهد السياسي الإيطالي.
ولم يكتف الدبيبة بإيطاليا ومالطا فقط بل فتح قناة اتصال مع النيجر ورئيس وزرائها علي محمد الأمين زين.
إذ يريد أن يصل معه إلى نقطة اتفاق بفرض أن المجلس العسكري النيجري أقرب إلى معسكر المنافس حفتر.
كما كانت مشاركة تشاد في المنتدى، نقطة إيجابية لصالح الدبيبة، لا سيما أن بعض مقاتلي “جبهة التغيير والوفاق” التشادية المتمردة بقيادة محمد مهدي علي، يتمركزون في جنوب ليبيا، وهو ما يفتح باب اتفاق وتعاون بين طرابلس وانجمينا.
عامل ضغط
وهناك عامل ضغط قوي يستند إليه الدبيبة في تدعيم موقفه داخليا وخارجيا، وهو تمركز عدد كبير من المهاجرين في طرابلس والشق الغربي من البلاد عموما.
وفي 13 يوليو 2024 كشف تقرير للإذاعة الفرنسية الحكومية “RFI” عن ممارسة حكومة الوحدة الوطنية برئاسة الدبيبة “لعبة مزدوجة” في تعاطيها مع ملف الهجرة.
وقال: “إن الدبيبة يعمل على تحقيق منافع مادية وسياسية، حيث يشتكي من توافد أعداد كبيرة من المهاجرين غير النظاميين وفي نفس الوقت يطلب من الاتحاد الأوروبي ضخ المزيد من المال للاحتفاظ بهم“.
وأشار التقرير إلى تصريحات وزير الداخلية المكلف بحكومة الوحدة الوطنية عماد الطرابلسي، التي ذكر فيها أن ليبيا، التي يبلغ عدد سكانها 7 ملايين نسمة، بها 2.5 مليون مهاجر، منهم 70 إلى 80 بالمئة في وضع غير شرعي ويستقرون في المنطقة الغربية“.
وتحدثت عن القلق من تهديد مبطن أطلقه الطرابلسي، عادة إياه دق ناقوس الخطر بتأكيده أن محاولة التوطين الدائم لهؤلاء المهاجرين في ليبيا أمر غير مقبول.
وأيضا تشديده مساعي طرابلس لإيجاد حلول جذرية لمشكلة الهجرة من أجل تنظيم وجودهم على أراضيها أو مغادرتهم.
وقال الباحث المتخصص في شؤون الهجرة، فرانسوا جيمين للإذاعة: “إن الجانب الأوروبي عليه أن يتخذ المزيد من التدابير لمراقبة الحدود ومواجهة ظاهرة توافد اللاجئين من ليبيا وتونس“.
طلب التمويل
وتحدث الدبيبة بشكل واضح عن الأموال وضرورة تلقي الدعم من الدول الأوروبية خلال كلمته الافتتاحية لأعمال “منتدى الهجرة” يوم 17 يوليو.
ودعا صراحة إلى توجيه الأموال التي تنفق من أجل إدارة تدفقات الهجرة غير النظامية لتمويل مشروعات تنموية في دول المصدر ومنها ليبيا.
وذكر أن المهاجر يقطع الصحراء من دول إفريقيا، وكثير من الأفارقة يموتون عطشا وجوعا، أما من يصلون إلى ليبيا يفكرون كيف يقطعون البحر الأبيض المتوسط. وأتبع: القليل منهم فقط من يجد نفسه في معسكر في أحد الدول الأوروبية .
وقال إن الأموال التي تصرفها أوروبا خلال آخر 50 عاما لم تحل هذه المشكلة، لأنها لا تذهب إلى الدول المصدرة (للاجئين مثل ليبيا).
وأوضح أن “أوروبا تستخدم الكثير من الطرق لمنع هؤلاء الذين تدفع بهم إفريقيا بحثا عن المعيشة الجيدة، بينما وجدنا أنفسنا وسط ضغط من الشمال والجنوب“.
وكما يقول الدبيبة، فإن لليبيا وضعها الخاص في عمليات الهجرة، وهو ما كشفه تقرير لـ “وكالة حرس الحدود الأوروبية” ومقرها العاصمة الألمانية برلين، في 9 يونيو/ حزيران 2024.
وذكر التقرير أن عمليات عبور المهاجرين غير النظاميين إلى أوروبا خلال عام 2023 كانت الأكبر من نوعها منذ 2016، بعبور 380 ألف مهاجر.
وهو ما يمثل زيادة 17 بالمئة عن الأرقام المسجلة عام 2022، مما يشير إلى اتجاه تصاعدي ثابت على مدى السنوات الثلاث الماضية.
وبرر هذا الارتفاع الكبير بازدياد عمليات تهريب المهاجرين عن طريق البحر المتوسط ومنطقته الوسطى تحديدا (غرب ليبيا – تونس).
إذ مثل الوافدون من هذه المنطقة وحدها نسبة 41 بالمئة بينما وفد 16 بالمئة من شرق البحر المتوسط.
ورقة رابحة
أما الأمر الذي يجعل من ورقة المهاجرين رابحة لدى الدبيبة، أن طرابلس تعد نقطة انطلاق رئيسة للمهاجرين غير النظاميين الفارين من الحرب والفقر في إفريقيا والشرق الأوسط، الراغبين في الانتقال إلى أوروبا.
ففي 18 يوليو خلال انعقاد جلسات منتدى الهجرة، أعلن عضو اللجنة العليا للمنتدى، ووزير الدولة للاتصال والشؤون السياسية بحكومة الوحدة وليد اللافي، أن “الأرقام الرسمية وغير الرسمية تقدر أعداد المهاجرين الذين يصلون إلى أوروبا عبر ليبيا بأكثر من 40 بالمئة من إجمالي الهجرة عبر المتوسط“.
وفي حديثه لـ“الاستقلال“، عقب الأكاديمي الليبي عمر الحاسي على فعاليات منتدى الهجرة الأخير، وسياسة حكومة الوحدة الوطنية لاستغلال هذه الأزمة لتحقيق مكاسب سياسية.
وقال: “إن خطوات الدبيبة أمر طبيعي خاصة في توقيتها، وهو يمتلك كثيرا من الأوراق التي يمكن أن يحقق بها مكاسب متقدمة على جميع الأصعدة”. وخاصة أن ليبيا مقبلة على مشاريع ضخمة لإعادة الإعمار في المنطقتين الشرقية والغربية.
وكذلك إطلاق مشاريع زراعية واسعة في الإقليم الجنوبي بدعم كبير من الاتحاد الأوروبي والمؤسسات النقدية الدولية. وبالتالي يرى الحاسي أن الدبيبة لن يتوانى عن الحصول على الجزء الأكبر والأهم من هذا الدعم.
وأكمل: “الجزء الآخر والأهم بالنسبة للدبيبة يتعلق بنفوذ اللواء خليفة حفتر وإسناده من قبل قوى دولية متعددة على رأسها الإمارات ومصر وفرنسا، وبالتالي هو يضغط لإيقاف تمدده وإضعاف مساعيه، من خلال التلويح بملف المهاجرين“.
وأتبع: “المنطقة الغربية وطرابلس تعد المحط الأكبر للمهاجرين داخل ليبيا لعدد من الأمور الجغرافية والأمنية”. فمن جهة يفد إليها القادمون من غرب ووسط إفريقيا، ومن جهة هي الأفضل للعبور نحو مالطا وأوروبا.
ومن ثم لا يمكن إغفال ذلك العامل لدعم حكومة الدبيبة وإثقالها على جميع الأصعدة، لأن البديل سيمثل فوضى تدفع ثمنها أوروبا، وهو ما يدركونه جيدا، ويلعب عليه رئيس الوزراء جيدا أيضا، وفق الحاسي.
_______________