د. منصف البوري

كثير من كثير من الناس يعيشون أحلام اليقظة” أو يراهنون على تغيير يحصل من تلقاء نفسه، في ظروفهم ومشاكلهم وحياتهم سواء طالت بهم السنوات ام قصرت، فلا ينطلقون من التفكير أو محاولة تغيير الواقع بل هم يأملون بالتغيير نحو الأفضل، ولا يفعّلون إرادتهم لتغيير هذا الواقع البائس والظالم لكي يصلوا لتحقيق أهدافهم في حياة كريمة وحرة، بل يعتمدون على رغباتٍ وأمنيات غير قابلة للتنفيذ طالما أنّها تفتقد الإرادة الإنسانية لتحقيقها، والانطلاق من ضرورة تغييرالواقع الظالم والمأزوم هو أمرٌ في غاية الأهمّية، اما الاستسلام له واعتبار أنّ تغييره مسألة مستحيلة، هو الذي يزيد من مأساة الأفراد والجماعات والشعوب.

في ليبيا هناك حالة من الاستسلام للواقع بدأت بسبب ما انتجه انقلاب القذافي رغم عدة محاولات عسكرية وطلابية وفردية في السنوات الأولى للانقلاب ولكن كانت جميعها تفتقر إلى التحرك الشعبي العام كما حدث بعد ذلك بأربعة عقود في ثورة فبراير، ولكن للأسف المؤامرات بعد فبراير وبروز الاطماع الجهوية والقبلية والشخصية للبعض والتدخلات الإقليمية والأجنبية أدت إلى ظواهر انقسامية خطيرة بدات تنخر في المجتمع الليبي وتمزّق في مكوناته.

وفُتح الباب على مصراعيه للفساد السياسي والاقتصادي والاجتماعي بصور يمكن القول أنها وصلت إلى حد التعفّن مع الشعور بأن من يعيشون في الوطن وكأنهم غير مبالين وأنهم اعتادوا على الروائح الكريهة التي تهدّد حياتهم وحياة الأجيال القادمة.

فهل المشكلة هى في عدم توفر عناصر الإرادة الحرة عند الكثيرين ؟

أم أن السلبية المفرطة لدى الجميع سواء عند المواطن أو المسؤول المدني أو العسكري هى السمت السائد مما منع حدوث تقدم أي تطور ايجابي في الاتّجاه الصحيح، هذا الواقع مع الأسف الشديد لامبرر له وهو يدفع ببعض الناس لليأس والإحباط والسلبية والابتعاد عن أيِّ عمل عام لتغيير الواقع البائس والظالم،  كما أنّه قد يكون مبرّراً لخوف البعض من أجل استخدام العنف المسلح ضدّ الأخرين في الوطن الواحد .

واقعيا كأنه جرى تكريس واقع مفروض يعيش فيه الليبيون في وطن مأزوم سياسياً واقتصادياً واجتماعياً والأخطر والأهم دينياً واخلاقياً وحتى إنسانياً، حيث تُطالعنا ألاخبار يومياً عن التسيّب والفساد بكل أشكاله وأنواعه وعن التفسّخ الاجتماعي مثل وباء أو  مثل فيروس متحوّر ضرب البلاد والعباد وحصد الأرواح في ظل إدعاءات كاذبة للتشويه، وإعلام مموّل من الخارج استمر بتزييف الحقائق لصالح دمى واشخاص لاهمّ لهم إلا بقائهم في السيطرة والتحكم أو محاولة الوصول للسلطة والحكم من مدنيين وعسكريين دون مراعاة لمعاناة ولمتطلبات الشعب الليبي في حياة كريمة وحرة في نظام ديقراطي.

لقد نُهبت وماتزال تُنهب في الوطن المأزوم بغير وجه حق عشرات المليارات من الاموال التي انتجت بدورها فساداً في السلطات وتسلّط ماكر يضغط بيديه على رقاب الشعب ويتحكّم فيه من يديرون شؤونه، ثروات يضعونها في جيوب الظالمين الذين رهنوا مستقبل البلاد واهلها بينما الشعب الليبي يعيش فى انتظار ما تتفضل خزينة الدولة من مرتبات بعد شهور وبدون أمن حقيقي وبلا استقرار وتحت وهم انتظارالفرج من الله في   ظل سماسرة السياسة والدولار.

اليوم في الوطن المأزوم يسود نظام التفاهة الذي فتح الأبواب مشرّعة في ليبيا أمام سيطرة الترويج للتافهين والفاسدين والعملاء من تجار السياسة والدين والمليشيات المسلحة شرقاً وغرباً وجنوباً ًومن اصحاب المواقف المتقلبة بل وايضا من لصوص المال العام وتجار المخدرات والخردة الذين يحملون من الأسماء والالقاب والمناصب ما يغطي سحب التفاهة عنهم، ويحققون – على تفاهتهم شهرة وتأييد من المنافقين والجهلة بعد أن أصابتهم تحولات لحظوية في ظل تحولات السياسة الخاطئة والمصالح الذاتية أو القبلية والجهوية والعنصرية.

إن حالة الاستسلام للأمر الواقع هذه في الوطن المأزوم مستمرة لأنها لم تخرج بعد من البنية الاستبدادية التي صنعها الدكتاتورالقذافي والتي هيمنت على البلاد طيلة أربعة عقود كاملة افسدت فيها كل شئ وشكّلت البنية العميقة التي نجمت منها كل الأعراض المختلّة في المشهد السياسي الليبي حتى اليوم، واستمر الحال كذلك بعد أن عجزت ثورة فبراير في تجاوز المعوّقات والصعاب والعراقيل لبناء بيئة سياسية ديمقراطية مناسبة  تضمن خلق أساس لوضع آمن ومستقر وحر وديمقراطي،  فإلى متى يستمر اغماء الإرادة الشعبية الليبية عن هذه الحالة المرضية ؟

______________

المصدر: صفحات وسائل التواصل الاجتماعي

مقالات مشابهة

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *