عبدالله الكبير

رغم كل المقترحات البديلة، وكل التحذيرات الوجيهة، من اقتصاديين على دراية كافية بالتداعيات والتبعات، أصر محافظ البنك المركزي الصديق الكبير على تنفيذ قراره، بخفض قيمة الدينار الليبي مقابل العملات الأجنبية، بعد أخذ الإذن من رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، الذي لم يتأخر بإصدار قراره بالموافقة،

ومن ثم فهذه الخطوة لم تأت كموقف جماعي لا من مجلس إدارة البنك المركزي، ولا من مجلس النواب، وإنما اتفق عليها اثنان لأسباب سياسية، من دون تجاهل الأزمة الاقتصادية، والتي تعد أبرز نتائج طبيعي الأزمة السياسية والتشريعية المستمرة بالبلاد.

 الاحتجاج بالمخالفات القانونية لهذه الخطوة لن يكون له تأثير، مادامت السلطة القضائية غير فعالة كما ينبغي، فضلا عن ما تنوء بحمله مكاتبها وأدراجها من قضايا، تحتاج إلى جهد كبير، والكثير من الوقت، حتى يتسنى النظر والفصل فيها. ومع ذلك ثمة أمل في مسارعة القضاء إلى إيقاف القرار وإبطاله.

الدوافع السياسية للقرار ليست خافية على أحد، فالكبير ليس على وفاق مع مجلس النواب ورئيسه منذ نحو عشر سنوات، بل تمت إقالته وتكليف البديل أكثر من مرة، ولكن موقف المجلس الأعلى للدولة، المؤسس على بنود الاتفاق السياسي، برفض أي تغيير في المناصب السيادية إلا بالتوافق بين المجلسين، حمى المحافظ من هذه الإقالة.

 الخلاف المتصاعد بين رئيس حكومة الوحدة الوطنية ومحافظ البنك المركزي، هو السبب الرئيس في التحالف الطارئ الجديد بين المحافظ ورئيس مجلس النواب، فاتهام المحافظ للحكومة بالتوسع في الانفاق من دون دراسة، هو السبب في الخلل المالي والاقتصادي الذي أصاب الدولة، يثير التساؤل عن صمت المحافظ طوال العامين عن هذا الانفاق، لأن المحافظ كان ملازما لرئيس الحكومة في أغلب جولاته الداخلية والخارجية، وعلى دراية بكل العقود التي ابرمتها الحكومة، وكل العهود والوعود التي أطلقها رئيس الحكومة!

من الأسباب التي ساقها المحافظ لفرض رسم على مبيعات النقد الأجنبي، غياب أية إجراءات إصلاحية من قبل الحكومة، والحقيقة أن مثل هذه الإجراءات تحتاج إلى شفافية وتعاون بين البنك المركزي والحكومة، مع تقديرنا أنه لن تجدي أي إصلاحات مع استمرار حالة الانسداد السياسي، والانقسام المؤسساتي، وفي ظل ما هو أكثر خطورة على استقرار الدولة النقدي، وهو العملة المزورة التي تطرحها العصابة المجرمة الحاكمة في شرق البلاد، وتستنزف بها الملايين من الدولارات في السوق الموازية.

 الجانب الأكثر خطورة في بيانات المحافظ الاخيرة هو ما ذكره عن العملة المزورة، وعن الانفاق الموازي، وكلاهما أحالهما المحافظ إلى المجهول، كأنه لا يعلم أن عبث رئيس مجلس النواب هو المسؤول الأول عن الانفاق الموازي، بإصراره على تأسيس حكومة جديدة، تسهل للعصابة الحاكمة في شرق البلاد الاستمرار في نهب الأموال. يتعين على المحافظ الإجابة على هذا السؤال. هل قام بتسييل أموال لهذه الحكومة؟ وإذا كانت الإجابة لا. فمن أين تحصل على الأموال إذا؟ وحينها سينتهي المجهول، وسنعرف كل شيء عن هذا الانفاق الموازي.

 الإجراء المعروف لمكافحة التزوير في فئات العملة المعرضة للتزوير، هو فرض الرقابة عليها وعدم قبولها للتداول في المصارف، وتنبيه الناس إلى ضرورة التأكد من سلامتها قبل قبولها، وبهذا الإجراء يتم إبطالها، ويمكن للمركزي أن يوقف التعامل بالفئة المعرضة للتزوير، ويسحبها من السوق مؤقتا. مع باقي الإجراءات القانونية المعتادة التي يتولاها النائب العام. فماهي القرارات والإجراءات التي اتخذها البنك المركزي للتصدي للعملة المزورة؟ والتي نرى أنها الأولى بالاهتمام والتركيز من مناكفات لا طائل من ورائها مع الحكومة.

_________________

مقالات مشابهة

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *