دامييان ماك إيلروي
يُساهم الأمريكيون بنسبة تصل إلى ربع التمويل الذي يدعم الأمم المتحدة كمنظمة عالمية. هذا الدعم ضروري في جميع المجالات، ليس فقط في المجال الإنساني الذي يحظى باهتمام كبير، بل أيضًا في أنشطتها السياسية والدبلوماسية.

سيتم بحث مستقبل الأمم المتحدة على نطاق واسع خلال الأسابيع القادمة مع افتتاح الدورة الـ 80 للجمعية العامة يوم الثلاثاء. انظر إلى أهمية بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، المكلفة بتحديد مسار وطني جديد، وتعزيز وحدة البلاد، وبناء مؤسسات سياسية فعالة.

حظي خط السير الذي قدمته الممثلة الخاصة للأمم المتحدة في ليبيا، هانا تيتيه، بدعم من مجلس الأمن الأسبوع الماضي. لم تقابل تيتيه حكومة طرابلس فحسب، بل التقت أيضًا بقيادة الجيش في شرق ليبيا برئاسة خليفة حفتر. إن التواصل بين الأطراف أمر بالغ الأهمية بالنسبة لليبيا، التي تعيش حالة من عدم الاستقرار منذ اندلاع الاحتجاجات ضد معمر القذافي في عام 2011.

مع أن فعالية جهود الأمم المتحدة محل نقاش، إلا أنها وضعت الآن إطارًا عمليًا يمكن تطبيقه في ليبيا. من المتوقع أن تشهد الأشهر الـ 12 إلى 18 القادمة تغييرات جذرية في المؤسسات المعنية بإدارة الانتخابات، لتمكين إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية.

تتسم جهود تيتيه بالجدية، حيث تسعى لبناء الثقة في عملية شاملة ذات مراحل محددةويشمل ذلك إعادة هيكلة الهيئة الوطنية العليا للانتخابات، التي ستضع قواعد الانتخابات على مستوى البلاد.

لكن الحصول على دعم شرق ليبيا سيكون حاسمًا لنجاح جهود الممثلة الخاصة. صيف هذا العام، نشأ خلاف بين بنغازي والاتحاد الأوروبي بعد رفضها استقبال وفد أوروبي بسبب خلاف حول المساواة في المعاملة مع طرابلس.

وبجميع المقاييس، يبدو أن شرق ليبيا يتعامل بجدية مع تيتيه في مبادرتها الجديدة.
بالنسبة للسياسيين الليبيين، مثل علي بن يونس، فإن البلاد تمر بمرحلة تحول.
قال بن يونس مؤخرًا: “ما يميز هذه المبادرة، ويؤكد جدية مهمة الأمم المتحدة، هو التتابع الواضح للمراحل والأهداف الزمنية“.

تحدد المرحلة الأولى مهلة شهرين لإتمام إعادة هيكلة المفوضية العليا للانتخابات، وذلك من خلال تشكيل مجلس إدارتها بشكل نهائي، وضمان استقلاليتها المالية، وتعزيز قدراتها التشغيلية.

وفي الوقت نفسه، سيتم تعديل الإطار القانوني الذي يحكم الانتخابات بما يتماشى مع توصيات اللجنة الاستشارية.

وهذه الخطوة توضع الهيئات التشريعية الحالية أمام خيارين: إما إثبات قدرتها على أداء واجباتها بحيادية والمساهمة الإيجابية في بناء الدولة، أو مواجهة استبعادها من أي عملية سياسية مستقبلية. هنا تكمن الصعوبة.

يجب إقناع الأطراف المتنافسة باتخاذ خطوة لم تكن القوى المتحكمة في السلاح مستعدة لها حتى الآن. وفي الوقت نفسه، يتعين على الأمم المتحدة ضمان تنسيق جهود مؤسساتها المختلفة، وكذلك تنسيقها مع إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. وقد قامت الحكومة الأمريكية ببعض التحركات في ليبيا، ومنها إرسال مستشار ترامب الخاص، مصاد بولس، إلى طرابلس وبنغازي.

كما رست سفينة بحرية أمريكية في ليبيا بعد فترة وجيزة من تنصيب ترامب رئيساً. إلى جانب الدبلوماسية الأمريكية الفعالة مع تونس والجزائر ومصر، من المهم أن تدعم واشنطن محادثات تيتي مع السياسيين الليبيين.

من ناحية أخرى، لا يمكن إنكار أن الوضع في طرابلس هش للغاية. تتعرض فصائل غرب ليبيا المعارضة لرئيس الوزراء عبد الحميد الدبيبة لضغوط من قواته الموالية للاعتراف بسيطرة الحكومة على السلاح. وهذا قد يؤدي إلى اندلاع اشتباكات كما حدث منذ سقوط نظام القذافي.
ويصبح دور الأمم المتحدة في استعادة دعم جميع الأطراف الليبية أكثر أهمية من أي وقت مضى. مع وجود مرافق حساسة، بما في ذلك القواعد العسكرية ومطار ومسجد معسكر معيتقة، فإن أي تصعيد للعنف يشكل خطراً على أمن المنطقة.

لا يواجه الدبيبة تحديات من السلطات والقيادات العسكرية في شرق ليبيا فحسب، بل إن مجلس الرئاسة في طرابلس قد يعرقل التقدم أيضاً. في سياق المصالحة السياسية، لا يُساعد الصراع بين الفصائل. وبينما تربط حكومة الدبيبة علاقات وثيقة مع تركيا، فإن أنقرة تربطها علاقات مع أطراف أخرى. وبما أن هذه مرحلة حرجة، فقد تحاول قوى خارجية فرض مصالحها.

كل هذا يؤكد أهمية دور الأمم المتحدة في ليبيا. ويصبح دورها في استعادة دعم جميع الأطراف الليبية أكثر أهمية من أي وقت مضى.

إن ما هو على المحك ليس فقط إمكانات ليبيا الاقتصادية، التي ظلت إلى حد كبير سليمة رغم الإهمال الذي تعرضت له على مدى عقد ونصف من الزمن.

تتفاقم أزمة المهاجرين أيضاً، وهذا يعكس ليس فقط حالة عدم الاستقرار في البلاد، بل أيضاً الوضع المتردي في السودان ومنطقة القرن الأفريقي عموماً.

وكما يؤكد السيد بن يونس، تتمحور تطلعات الليبيين حول دولة مستقرة ومتماسكة وقوية. ولحسن الحظ، فإن الأمم المتحدة هي الجهة الأمثل لتحقيق هذا الهدف.

وعلى الرغم من الضغوط التي تواجهها المنظمة في ظل النظام العالمي الجديد، وعلى الرغم من سجل فشلها في ليبيا منذ عهد القذافي، إلا أن هناك خياراً واحداً فقط متاح أمام جميع الأطراف.

______________

مقالات مشابهة