محمود شعبان
المشري : “الانتخابات باطلة”
عادت أزمة المجلس الأعلى للدولة في ليبيا للواجهة من جديد، بعد اتخاذ المجلس خطوة جديدة تتعلق بإجراء الانتخابات مرة أخرى على مقعد الرئيس، وقد ترشح في هذه المرة كل من محمد تكالة، وتنافس أمامه كل من نعيمة الحامي وإدريس بوفايد.
فاز محمد تكالة برئاسة المجلس الأعلى للدولة، بعد أن خسر في أغسطس / آب 2024 أمام خالد المشري، ثم رفض تكالة الاعتراف بالنتيجة وذهب إلى القضاء الليبي الذي أصدر حكما لصالح تكالة بإعادة الانتخابات على مقعد رئيس المجلس الأعلى للدولة في ليبيا مرة أخرى.
في هذا التقرير نرصد تطورات أزمة المجلس الأعلى للدولة بعد فوز تكالة، وماذا حدث في جلسة الانتخابات الجديدة وتأثير ذلك على الوضع السياسي المتأزم في غرب ليبيا وما إذا كان خالد المشري الرئيس الحالي للمجلس الأعلى للدولة سوف يعترف بالنتيجة الجديدة ويسلم إدارة المجلس الأعلى للدولة، لرئيسه الجديد محمد تكالة أم لا؟
بداية القصة .. تكالة يخسر بفارق صوت
بالعودة للوراء لفهم طبيعة ما حدث يقول موسى فرج عضو المجلس الأعلى للدولة عن غرب ليبيا لعربي بوست إن مشكلة كبيرة حدثت في الجلسة الأولى للانتخابات الخاصة بالمجلس الأعلى للدولة في أغسطس/ آب 2024، بسبب خلاف حول أحد الأصوات وقد تسبب الخلاف حول هذا الصوت في خسارة محمد تكالة، أمام خالد المشري، ولكن لم يعترف محمد تكالة بالنتيجة، وقد بذل كثيرون مسارات الحل الودي للأزمة لكن الجميع رفضوا الانصياع لأي حل ودي، فذهبوا جميعا إلى القضاء والاحتكام له والوصول لحل نهائي.
أضاف موسى فرج: بعد ذهاب محمد تكالة إلى القضاء من أجل إلغاء نتيجة انتخابات المجلس الأعلى للدولة، حصل على حكم من المحكمة في اغسطس/ آب 2024 بإلغاء النتيجة، لخلاف حول ورقة لأحد الناخبين أثارت لغطا قانونياً في وقتها، لكن خالد المشري قام بالطعن على قرار المحكمة في ذلك الوقت ولكن كان حكم المحكمة في نوفمبر/ تشرين الثاني 2024 لصالح تكالة أيضاً.
الورقة محل الخلاف في الانتخابات السابقة
كانت المشكلة الأساسية في الانتخابات السابقة للمجلس الأعلى للدولة، هو اكتشاف ورقة لأحد الناخبين مكتوب على ظهرها اسم محمد تكالة وقد اعتبرتها اللجنة المشرفة على الانتخابات أنها ورقة مميزة، وهو ما يخالف لائحة المجلس، وبالتالي أثارت هذه الورقة الجدل وتم استبعادها من الأصوات ما تسبب في هزيمة محمد تكالة أمام خالد المشري بصوت واحد.
هذه النتيجة رفضها محمد تكالة وقرر الذهاب إلى القضاء لكن خالد المشري فضل وقال إن اللجنة القانونية الخاصة بالمجلس الأعلى للدولة هي المنوط بها البت في المشاكل القانونية للانتخابات وليس المحاكم الليبية لجنة التواصل التي شكلها المجلس الأعلى للدولة، لمتابعة الانتخابات تدخلت واقترحت 3 مقترحات تقدم إلى الطرفين.
حيث قالت في بيانها أن المقترحات تتلخص في عقد جولة ثالثة بين المرشحين لرئاسة المجلس محمد تكالة وخالد المشري، والاتجاه إلى القضاء للفصل في الورقة محل الخلاف، واستكمال انتخابات مناصب النائب الأول والنائب الثاني والمقرر.
وأوضحت اللجنة أن المشري رفض عقد جولة ثالثة لانتخاب رئيس المجلس الأعلى للدولة، واشترط لعقد جولة ثالثة موافقة اللجنة القانونية بالمجلس الأعلى للدولة أو موافقة إدارة القضايا بوزارة العدل أو موافقة المحكمة العليا، وفق اللجنة.
وتابعت اللجنة أن المشري وافق على استكمال انتخاب مكتب الرئاسة المكون من النائب الأول والنائب الثاني والمقرر، مشترطًا أن تكون إدارة جلسة الانتخاب برئاسة النائب الأول وإحالة ملف النزاع على الورقة محل الخلاف إلى القضاء، حسب اللجنة.
أما المرشح محمد تكالة، فأفاد بموافقته على الجولة الثالثة لانتخاب رئيس المجلس الأعلى للدولة، مقترحًا إحالة الخلاف بشأن الورقة محل الخلاف إلى المحكمة العليا دون غيرها.
كما أشارت اللجنة إلى طلب تكالة برئاسة جلسة استكمال انتخاب أعضاء مكتب الرئاسة كونه رئيس المجلس، وبعد الانتخابات يعتبر منصب رئيس المجلس الأعلى للدولة شاغرًا إلى حين صدور قرار المحكمة العليا بشأن الورقة محل الخلاف.
تواصل النواب فيما بينهم للبحث عن آلية للخروج من الأزمة الحالية، وبعد حصول محمد تكالة على حكم من المحكمة بإلغاء نتيجة الانتخابات، قرر النواب الذهاب إلى انتخابات جديدة وهو ما حدث، وقد فاز محمد تكالة بالانتخابات في حين رفض خالد المشري الاعتراف بها.
كان من المتوقع أن يحضر أكبر عدد من النواب في المجلس الأعلى للدولة للتصويت في الانتخابات الجديدة في المجلس، لكن لم يحضر العدد المتوقع، إلا إن الحضور قد وصلوا للنسبة القانونية.
عدم الاعتراف بالنتيجة
بعد إعلان اللجنة المشرفة على النسخة الثانية من انتخابات المجلس الأعلى للدولة، فوز محمد تكالة بمنصب الرئيس، رفض خالد المشري نتيجة الانتخابات الجديدة وأكد في تصريحات صحفية، تمسكه بنتائج انتخابات جلسة 6 أغسطس / آب 2024 التي فاز فيها برئاسة المجلس، وذكر أن صحة الجلسة تم تأكيدها في جلسة أخرى عقدت يوم 28 أغسطس/ آب 2024، حيث صوت الأعضاء على تأكيد فوزه ورفض الورقة محل النزاع. وأوضح أنه لولا تدخل الجهات الأمنية لكانت إجراءات انتخاب مكتب الرئاسة قد اكتملت.
أشار المشري إلى أن الحكومة، التي وصفها بأنها أصبحت طرفًا خارج المجلس، أمّنت جلسة التصويت الثانية بشكل غير مسبوق عبر حضور عشرات السيارات الأمنية ومئات من رجال الأمن، وكأنها ساحة معركة، حسب تعبيره.
وأضاف أن 77 عضوًا تم منعهم من عقد جلسة قانونية، بينما عقدت جلسة ناقصة النصاب بحضور 69 عضوًا فقط عند انتهاء الوقت المحدد.
وأوضح أن الدعوة لجلسة الانتخابات الثانية التي ترشح فيها محمد تكالة صدرت من مكتب رئاسة الحكومة منتهية الولاية، مشيرًا إلى أن مدة مكتب الرئاسة سنة واحدة غير قابلة للتمديد، مشيرًا إلى أن المدة قد انتهت.
وأشار إلى أن الدعوة للجلسة وجهت باسم مكتب الرئاسة غير الشرعي، في إشارة إلى مجموعة الأعضاء في المجلس الأعلى للدولة الذين دعوا للانتخابات، وبدعم من الأجهزة الحكومية ومحمد تكالة الذي وصفه بـ “مغتصب السلطة“. وشدد المشري على أن الجلسة خالفت النظام الداخلي للمجلس، حيث افتتحت بعد 27 دقيقة من الموعد المحدد، رغم عدم اكتمال النصاب المطلوب حتى الساعة 1 ظهرًا.
انتخابات جديدة؟
في الوقت نفسه طرح البعض، سيناريو جديد يتعلق بالذهاب إلى انتخابات جديدة وفاصلة، لينتهي معها الجدل الحالي، ولكن موسى فرج قال إنه لا يتوقع حدوث ذلك، مشيراً إلى إن هناك مساعي من أطراف داخل ليبيا لحل هذه الأزمة متوقعا إن تنتهي المشكلة قريبا وأن يلتئم شمل المجلس الأعلى قريباً
في السياق، قال النائب الثاني لرئيس المجلس الأعلى للدولة، بنسخته التي يديرها خالد المشري، وأحد المقربين منه، عمر العبيدي، إن الجلسة التي عقدت الثلاثاء وشهدت انتخاب عدد من الأعضاء لمحمد تكالة رئيساً للمجلس هي جلسة غير توافقية وباطلة وفقاً للائحة الداخلية.
وأضاف في تصريح صحافي أن الجلسة قاطعها أكثر من 73 عضواً، هم أكثر من نصف أعضاء المجلس، متابعاً أن الجلسة محل طعن قانوني ودستوري، ولا نعتد بنتائجها، وهي مجرد قفزة في الهواء لا معنى لها.
وأكمل العبيدي أن بعثة الأمم المتحدة للدعم لدى ليبيا والبعثات الدبلوماسية لا تعترف بأي إجراء أحادي، ولن تؤيد أي موقف غير مبني على توافق حقيقي، مشيراً إلى عمل البعثة الأممية مع كل الأطراف للوصول إلى حل، وستعقد جلسة عامة حقيقية بتوافق قريباً.
وأشار إلى الحاجة لضمانات كثيرة حال أعيدت الانتخابات من جديد، والاشتراط الوحيد هو توافق الجميع عليها، وبإشراف أممي وحضور مراقبين، مؤكداً أن التواصل بين الأعضاء لم يتوقف لأجل لم شمل المجلس وإنهاء الانقسام.
دعم الدبيبة
وقد سألنا موسى فرج حول ما قيل على لسان بعض الساسة الليبيين، مثل صلاح البكوش، المستشار السياسي السابق للمجلس الأعلى للدولة، إن رئيس حكومة الوحدة الليبية عبدالحميد الدبيبة قد دعم محمد تكالة في مواجهة خالد المشري، ودعم إعادة الانتخابات من جديد، فقال، إنه في المرة الأولى للانتخابات قام الدبيبة بلقاء وفدين من الداعمين لخالد المشري ومحمد تكالة وتباحث معهم حول ضرورة إنجاز الانتخابات الحالية والعمل على تيسير الأمور للوصول إلى مسار لإنقاذ ليبيا مشيرا إلى إن هذا اللقاء هو الذي تسبب في بلبلة تخص انحياز عبدالحميد الدبيبة لصالح طرف على حساب طرف آخر.
في سياق متصل قال صلاح البكوش المحلل السياسي الليبي والمستشار السابق للمؤتمر الوطني العام في ليبيا في تصريحات خاصة لـ“عربي بوست“: “لمدة خمس سنوات، كان المجلس الأعلى للدولة بقيادة خالد المشري في علاقة أحادية الاتجاه مع البرلمان في الشرق.
وقد وافق المجلس الأعلى للدولة حينئذ بتقسيم المناصب السيادية، مثل رئيس المحكمة العليا ومحافظ البنك المركزي، على أسس إقليمية، وأعطى المجلس كل من البرلمان وحفتر ما أرادوه في قوانين الانتخابات، وعندما علق المجلس التواصل مع النواب بعد أن أصدر مجلس النواب في طبرق قرار بإنشاء محكمة دستورية، اضطر بعد ذلك المجلس الأعلى للدولة لإعادة التواصلات مع برلمان طبرق بسبب تمسك البرلمان بموقفه“.
مشيرا إلى أن:” مع فشل المشري في 2023 في الحفاظ على منصبه بدأ تحالف جديد يظهر على الساحة ويضم محمد تكالة مع مجلس الدولة والمجلس الرئاسي وحكومة الوحدة الوطنية في مواجهة مجلس النواب وحفتر وبعض الأطراف السياسية في غرب ليبيا كالمشري وحلفائه في مجلس الدولة والحزب الديمقراطي المنشق عن حزب العدالة والبناء“.
اضاف :” المعركة الساخنة حول مجلس الدولة تعبر عن تلهف المشري وحلفاءه إلى الحصول على منبر (مجلس الدولة) لكي يديرون من خلاله عملية الوصول إلى تفاهم مع برلمان طبرق وحفتر“. ، مشددا على أن الصراع لم ينته بعد والتحالفات السياسية الحالية في ليبيا يغلب عليها نوع من الهشاشة.
التعويل على الداخل الليبي
لحل الانقسام الجديد في ليبيا، طرح بعض المراقبين سيناريو يتعلق بتدخل بعض الأطراف الإقليمية وحتى الدولية لرأب الصدع بين الطرفين الحاليين، لكن جلال الشويهدي عضو مجلس النواب الليبي عن غرب ليبيا قال في تصريحات خاصة لـ“عربي بوست“ إن الانشقاق الذي حدث في المجلس الأعلى للدولة ليس في صالح الليبيين، كاشفاً أن الانشقاق الحالي عرقل المباحثات بين البرلمان الليبي والمجلس الأعلى للدولة، ما سوف يتسبب في عرقلة أي تطور في الحالة السياسية الحالية في ليبيا، مشيراً إلى إن التعويل في الأساس على الشعب الليبي والكتل السياسية الليبية لحل الأزمة وليس التعويل على أي طرف دولي أو إقليمي يتدخل في الشأن الليبي مرة أخرى
و أشار إلى أن حكومة الدبيبة هي أساس الأزمة من البداية، وأن المجتمع الدولي الذي يدعمها، هو الذي يخلق مناخ لتفجير الأزمات داخل ليبيا، وبخصوص ما يقال حول أن عبدالحميد الدبيبة حقق انتصاراً بفوز محمد تكالة في الانتخابات الجديدة، قال إن الطرف الدولي هو الذي حقق الانتصار وليس الدبيبة، وهذا سوف يرسخ لانشقاق كبير مستقبلا.
لكن الباحث الليبي إبراهيم بلقاسم يرى زاوية أخرى للأزمة، حيث قال لـ“عربي بوست” إن :” ما حدث في مجلس الأعلى للدولة من جلسة غير مكتملة النصاب، أدت إلى انتخاب أحادي لرئيس المجلس، ما أدى إلى تفاقم الانقسامات داخل المؤسسة المنبثقة عن الاتفاق السياسي، وهذا الوضع يضعف من دور المجلس كجهة ضاغطة على الحكومة“.
__________________