عبد الله الكبير
حتى آخر لحظة من حياته لم يتوقف المجاهد البطل الشهيد يحي السنوار عن تحقيق انتصاراته العظيمة على عدوه، وحتى بعد رحيله عن هذه الدار الفانية سوف يمضي في طريق الانتصار ملحقا به الهزائم المتتالية، لأن مشهد استشهاده عمده أيقونة للنضال من أجل الحرية، وأسطورة للتضحية والبذل من أجل تحرير شعبه من المستعمر الغاصب.
فشلت الدوائر السياسية الإعلامية في تزييف صورة البطل الشهيد يحي السنوار، وباتت سردية المخرب الإرهابي، التي طالما روجها إعلام الاحتلال ورددها ساسة الغرب محل سخرية، فالعالم من اليابان في أقصى إلى أمريكا اللاتينية شاهد بطلا يقاتل وحيدا رغم جراحه النازفة ويده المبتورة، في مشهد عظيم بعث في ذاكرة الشعب الياباني أبطال السامواري، وأعاد لشعوب أمريكا الجنوبية صورة الثائر الأسطوري جيفارا.
بل حتى في دول الغرب نفسه، رأى النشطاء بطلا يقاوم وحيدا داخل انقاض مبنى مدمر، يأبى الخضوع والاستسلام أملا في النجاة، وبما تبقى من رمق في جسده المنهك يقذف طائرتهم بالعصا، فوقفوا على الحقيقة التي اخفاها إعلامهم المتواطئ مع الاحتلال، خلف جبال من الزيف الأكاذيب والتضليل.
لم يتوقفوا عن الترويج لاختبائه داخل نفق عميق، محيطا موقعه بالأسرى لكي لا يتعرض للقصف، ولا يتحرك إلا وهم حوله، وفي رواية أخرى زعموا أنه يتنكر في ملابس النساء ويدس نفسه بين المدنيين، رغم تناقض هذه المزاعم مع العرض الذي قدمه العدو، بالسماح له بالخروج الآمن مع من يرغب في مغادرة غزة، وهو العرض الذي لم تعلق عليه حماس حتى مجرد التعليق،.
فالخائف المرتعد الحريص على حياته، لن يفلت هذا العرض من أجل النجاة بنفسه وأسرته، لماذا يبقى في مواقع الخطر؟ ألن يراوده هذا السؤال. ماذا لو قرر العدو التضحية بالأسرى لتصفيته؟
رتل طويل من قادة المقاومة قبل السنوار قتلهم الاحتلال، وما انهارت العزائم ولا خمدت نيران المقاومة ولا انطفأت جذوتها، فنحن كما قال الشاعر حاتم الطائي :
إذا مات منا سيد قام بعده *** نظير له، يغني غناه ويخلف
لكن هذه الثقافة الضاربة في أعماق تاريخنا النضالي لا يدركها المستعمرون، السابقون واللاحقون، فلا المحتل، ولا من يقدم له الدعم والاسناد في الدول الغربية، يمكن لهم أن يستوعبوا كيف تحفر الشعوب مجرى لنهر عريض من الدماء، يفيض في النهاية بطرد المحتل واستعادة الأرض، مطلقا نشيد الحرية.
وما دماء القادة سوى قطرات إضافية، تحث المزيد من الدماء على التدفق، لتقرب موعد جريان النهر، فيجرف جحافل الجنود وأساطيل البغي ويعيد الكرة عليهم، ويقصر وعيهم عن عودة الشهيد في المئات والآلاف لينازلهم في الميدان.
فالمجاهد عزالدين القسام كان مجاهدا فردا مع قلة صابرة، ارتفع شهيدا وغاب برهة قبل أن يعود آلاف من المجاهدين في كتائب عزالدين القسام، و على نفس هذا الغرار تقاتلهم اليوم كتائب الشهيد عمر القاسم وكتائب الشهيد أبوعلي مصطفى، وغيرها.
وعلى طريق الجهاد مادام الاحتلال مستمرا، سيعود السنوار أيضا ويقاتلهم بالآلاف في كتائب الشهيد يحي السنوار، فشهداء الحرية أقوى وأكثر عددا بعد موتهم. هل يعرف المحتل أن الشهيد الشيخ أحمد ياسين، حاضر اليوم في قلب مواجهات طوفان الأقصى، وأن القذائف التي تدمر دباباته وتفتك بناقلات جنوده هي قذائف الياسين؟
_________________