زايد هدية

بدأت أزمة معبر رأس جديرالحدودي الليبي مع تونس تأخذ أبعاداً جديدة وتدخل منعرجات خطرة لا تهدد بتفجير الوضع الأمني في غرب البلاد من جديد فقط، بل تشكل تهديداً للنسيج الاجتماعي في هذه المنطقة، مع ارتفاع درجات التوتر بين كتائب مسلحة تتبع لحكومة عبدالحميد الدبيبة وأخرى تمثل المكون الأمازيغي في مدينة زوارة.

المؤشرات إلى أخذ النزاع على المنفذ الحدودي البري طابعاً عرقياً، من وجهة نظر أمازيغ زوارة في الأقل، ظهر في بيانات للمجالس التي تمثل المدينة اتهمت فيها حكومة الوحدة باستهداف المكون الأمازيغي، وحذرت من تبعات أي تحرك عسكري يستهدفهم على وحدة البلاد وترابط أطيافها الاجتماعية.

وأغلق منفذ رأس جدير الذي يعتبر المنفذ البري الأهم الذي يربط ليبيا بجارتها تونس قبل أيام عقب اندلاع صدامات مسلحة بين قوات تابعة لوزارة الداخلية في حكومة الدبيبة ومجموعات مسلحة تابعة لمدينة زوارة التي تقطنها غالبية أمازيغية، تسيطر على هذا المنفذ منذ سنوات.

حشد عسكري ضخم

المخاوف من نشوب صدام عسكري ضخم بين الطرفين اللذين يمثلان حكومة الوحدة وقوات مدينة زوارة الأمازيغية أكدتها قرارات وتحركات عسكرية صدرت في اليومين الماضيين عن وزارتي الداخلية والدفاع بحكومة عبدالحميد الدبيبة، بدأت بمطالبة وزير الداخلية المكلف عماد الطرابلسي لمعاون رئيس الأركان العامة التابعة لحكومة الوحدة الوطنيةالفريق صلاح النمروش، بتجهيز قوة عسكرية للسيطرة على منفذ رأس جدير بالقوة.

واستجاب النمروش بسرعة لهذا النداء فأصدر تعليماته إلى سبعة ألوية وكتائب بتجهيز قوة سرية بكامل عتادها والاستعداد لتنفيذ الأوامر على وجه السرعة، ورصدت وسائل إعلام في طرابلس ومدونون على مواقع التواصل تحركات كبيرة لبعضها في شوارع العاصمة السبت والأحد.

تهديد باستخدام القوة

تزامناً مع هذه الإجراءات الأمنية والعسكرية، انتقد وزير الداخلية المكلف في حكومة الوحدة الوطنية، عماد الطرابلسي، رفع القوات التي تسيطر على منفذ رأس جديرالعلم الأمازيغي بدلاً من العلم الليبي على بوابات المنفذ، قائلاً إنه لا راية لمنفذ رأس جدير إلا علم ليبيا فقط، ومن يريد الاعتزاز براية الأمازيغ فليرفعها في بيته وهذا من حقه وليس على منفذ الدولة ليثير به حفيظة الآخرين“. 

ورأى الطرابلسي أنه بعد الأحداث الأخيرة التي وقعت بمنفذ رأس جدير الحدودي، إذا لم يؤخذ المعبر بالقوة ويؤمن بقوة الدولة فلن يتم فتحه قريباً، وستغلقه وزارة الداخلية وتفتح المعابر الأخرى“.

وتابع لقد أخذنا على عاتقنا تأمين حدود الدولة لمكافحة الجريمة والتهريب وكل الظواهر السلبية، وهناك من لم يفهم وضع البلاد وما تمر به، فالضرر كبير في حال تعنت بعض المدن والقبائل في شأن تأمين حدود دولتنا“. 

وأكد وزير الداخلية المكلف أن منفذ رأس جدير يشهد عمليات تهريب للوقود والعملات الأجنبية والسلع بصورة كبيرة، ونحن لن نترك الحدود وكل المنافذ من دون أمن ولن نسمح بالفوضى والتهريب والعبث بمقدرات الوطن“.

كما شدد على أن تأمين منافذ الدولة من اختصاص وزارة الداخلية والأجهزة الخدمية الأخرى، مشيراً إلى أن محاربة ظاهرة الهجرة غير الشرعية لا بد أن تبدأ من الحدود البرية وليس البحر، وبأن العاصمة طرابلس سيتم إخلاؤها بعد شهر رمضان من كل الأجهزة الأمنية ويقتصر العمل على مديرية الأمن ومكوناتها الأمنية“.

غضب أمازيغ زوارة

تصريحات الطرابلسي التي اتهم فيها مكون الأمازيغ في مدينة زوارة بعرقلة تسليم المنفذ البري الأكبر مع تونس إلى الأجهزة الأمنية في الدولة، أثارت حفيظة مجلس بلدية زوارة الكبرى، الذي اعتبر بعد اجتماع ضم الشخصيات الأمازيغية الفاعلة بالدولة، وأعضاء مجلس الحكماء والشورى، وغرفة العمليات العسكرية بمدينة زوارة، أن التصرفات الفردية والتوجهات العرقية وتصفية الحسابات يجب ألا يكون لها مكان في سياسات الدولة والمؤسسات الحكومية“.

وذكر بيان للمجلس أن موقف الدفاع عن أرضهم من التعديات سيكون راسخاً ومؤكداً من جميع المكونات العسكرية والمدنية“.

من جانبه، وجه رئيس مجلس حكماء زوارة غالي الطويني، لوماً شديداً لحكومة عبدالحميد الدبيبة لعدم تواصلها معهم لحل أزمة منفذ رأس جدير، إذ قال نستغرب عدم تواصل رئيس الحكومة معنا حتى اللحظة بعد ما شهده معبر رأس جدير من أحداث، في وقت تواصل معنا فيه أعضاء من مجلسي النواب والدولة، لكننا نتساءل حول ما إذا كان الدبيبة موافقاً عما يفعله وزير داخليته عماد الطرابلسي؟“.

وأضاف الطويني الطرابلسي بالنسبة إلينا ليس وزيراً للداخلية ولا نعترف به وحديثه أن أكبر منفذ تهريب هو رأس جدير يعد كذباً، ليس لدينا أي معارضة للإجراءات الأمنية لكن محاولات فرضها وتعمد عدم التنسيق معنا ومحاولات التحجيم أمر مرفوض، وإذا كانت هناك أية إجراءات أمنية ستتخذ بخصوص المعبر فيجب التنسيق مع الجهات الأمنية في زوارة“.

وخلص إلى أن إدارة إنفاذ القانون التابعة لحكومة عبدالحميد الدبيبة سبق لها تنفيذ أعمال ومهام بالمعبر ولم نعترض على ذلك لأنه تم بعد تنسيق والحكومة مقصرة في مكافحة التهريب، وإذا قررت البدء بمعبر رأس جدير فلتقم بذات الإجراءات في كل المعابر والمنافذ الأخرى في البلاد“.

على أبواب المواجهة

الباحث والأكاديمي الليبي مبروك الغزالي رأى أن المعطيات الحالية تشير إلى قرب اندلاع المواجهة المسلحة بين قوات وزير الداخلية بحكومة الدبيبة عماد الطرابلسي وأمازيغ زوارة إذا لم تسارع الشخصيات المدنية والقبلية لعقد وساطات للصلح بين الطرفين.

وتوقع الغزالي ارتفاع حصيلة القتلى بين قوات الدبيبة وأي تشكيل جهوي، بسبب افتقاد الجميع الانضباط والمهنية، مع التأكيد أن ميزان القوة سيميل بلا شك إلى قوات الدبيبة في أي مواجهة مسلحة قد تندلع بينها وبين أي تشكيل مسلح جهوي“.

وحذر الغزالي من خطورة الدخول بأي مواجهات مسلحة في غياب سلطة موحدة تفرض سلطاتها على عموم البلاد، لأن ذلك سيؤدي بلا شك إلى مزيد من الانقسامات والتشظي، بخاصة أن المسألة تمس هذه المرة مكوناً حساساً مثل الأمازيغ، قضيته تعتبر من أكثر القضايا الشائكة في المشهد الليبي في السنوات الأخيرة“.

نتاج الفوضى

أما المحلل السياسي إدريس احميد، فأرجع ما يحدث في منفذ رأس جديرإلى حالة الفوضى الموجودة في ليبيا. وقال إن هذا الوضع سهل للتشكيلات المسلحة السيطرة على المنافذ، التي يفترض أن تخضع جميعها لهيمنة الدولة الليبية“.

واعتبر إدريس أنه في حالة وجود حكومة شرعية منتخبة فإن الجميع سيمتثل لقراراتها، لكن الحاصل أن الأطراف المسلحة التي ترفض الامتثال حالياً تعرف أن حكومة الدبيبة تحابي تشكيلات مسلحة على حساب أخرى“.

بينما شدد الكاتب الصحافي علي أوحيدة على أن الميليشيات بمختلف تسمياتها هي سرطان ليبيا والكتائب المنفلتة لا يمكنها أن تقضي على الكتائب المشابهة لها، والاعتقاد بخلاف ذلك كذب ووهم“.

وأضاف أوحيدة الذين سلحوا الميليشيات والذين اعتمدوا عليها والذين تعايشوا مع حكومة تحميها الكتائب المسلحة، والذين كسبوا المال والسلطة بفضلها، مسؤولون جميعاً عن تغول الميليشيات في زوارة وغيرها وعن مخطط تفتيت ليبيا“.

________________

مقالات مشابهة

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *