عبدالله الكبير

البدايات للجميع والثبات للصادقيندوستويفسكي

ليس كل من التحق بالثورة على سلطة الاستبداد، وساندها، وبذل مابوسعه لإنهاء هذا الاستبداد، هو ثائر حقا على الظلم والقمع وغياب العدالة، منطلقا من إيمان راسخ، وعقيدة ثابتة بضرورة التغيير، بعد يأس من جدوى أي إصلاحات في السلطة، وأن كل السبل باتت مسدودة، ومن ثم فالثورة أضحت حتمية.

ليسوا سواء. فالوعي بكل القيم النبيلة، والغايات السامية للثورة، هو وعي الأقلية، التي نالت نصيبا لا يستهان به من المعرفة، وانفقت وقتا عزيزا لدراسة تجارب الشعوب في مقاومة الاستبداد والطغيان، مدركة أن معركتها قاسية، ومراحلها متعددة، وطريقها أطول من عمر الإنسان.

فالثورة معركة أجيال على عدة جبهات، واسقاط النظام ربما هو الخطوة الأسهل في هذا الطريق، ولكنها الحاسمة بكل تأكيد، أما تأسيس السلطة البديلة على قواعد العدل والديمقراطية واحترام حقوق الإنسان، فهو التحدي الأبرز الذي لا يحتمل الاخفاق أو النكوص، لأن هذا يعني الفشل وعودة الأوضاع إلى حالة أكثر سوءا مما كانت عليه قبل الثورة.

هذا الوعي بقضية الثورة وكل ما يحيط بها، لا تدركه الاغلبية التي انحازت للثورة، فرغم شعورهم بوطأة نظام القمع والظلم، ورغم كل مايبذلونه من تضحيات لدفع الثورة إلى الأمام، إلا أنهم يقصرون عن إدراك الأهداف السامية للثورة، خاصة إذا تخلفت النخب المستنيرة عن دورها في بث الوعي لدى الجموع بقيم الثورة ومبادئها الراسخة.

لم تختلف مسارات الثورة الليبية عن هذه المبادئ العامة لكل الثورات الشعبية، رغم بعض الخصوصيات التي ميزتها عن غيرها من ثورات الربيع العربي الأول، فالقلة الأكثر وعيا بالأهداف السامية للثورة ماتزال أقلية، ولم تستلم لإغراءات السلطة، ولم تنحرف إلى البحث عن مصالحها الشخصية.

أما المتطفلون على الثورة، الذين التحقوا بها لأسباب متنوعة، منها مايمكن اعتباره ميل طبيعي لحركة الجموع، وبعضها استجابة لحمية قبلية أو جهوية، وأخرى انتهازية للحاق بالسفينة الصاعدة بعد أن غرقت الأولى أو تكاد، فهؤلاء يتساقطون في الطريق واحدا تلو الآخر، بعضهم تستهويه السلطة، وغالبا ما يستعير نفس ممارسات السلطة المنهارة، فيتحول هو الآخر إلى طاغية صغير، لا يتردد في قمع مخالفيه وملاحقتهم، وتصفيتهم إن استطاع إلى ذلك سبيلا.

وبعضهم تنتهي الثورة عند حصوله على منصب رفيع في السلطة الجديدة، وبعد أن يمسك بيده ببعض السلطة، وتتعاظم ممتلكاته الخاصة، وتجرى بين يديه المبالغ المالية الطائلة، يصبح هدفه هو مواصلة الصعود وقطف المزيد.

وبعضهم ينفد صبره على إنجاز التغيير، ويتسرب اليأس إلى صدره فيرتمي في أحضان القوى المضادة للثورة، ينسى كل التضحيات، ليحمي ما اكتسبه من سلطة ومال ونفوذ، ويمضي مهرولا إلى الطغاة الجدد، معانقا يطلب الصفح عما بدر منه في حقهم، مدافعا عن تخاذله بكل المبررات، التي مهما بلغ سمك غلاف البلاغة اللغوية حولها، لن تصمد أمام حقيقة راسخة، وهي أن الثبات للصادقين كما قال دوستويفسكي.

______________

مقالات مشابهة

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *