سونيا عاتي

وقْع لقاء وزيرة الخارجية الليبية نجلاء المنقوش، مع نظيرها الإسرائيلي، لم يختلف كثيراً عن وقْع آثار القنبلة النووية التي يتواصل تأثير تفجيرها لأيام.

ساعتان من الزمن في العاصمة الإيطالية روما، كانتا كفيلتين بأن تشعلا الحرائق في ليبيا شرقاً وغرباً وجنوباً، ويسيل حبر الصحافة حول العالم. لكن غالبية الأسئلة المحورية تتمحور حول أمرين:

هل كُشفت الحقائق من وراء هذا الاجتماع؟

هل حكومة الدبيبة ساذجة إلى درجة أنها لا تعرف عواقب خطوة مثل هذه على الشعب الليبي؟ الإجابة قطعاً لا.

رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة، يعرف عواقب ما يفعل، بل أكثر من ذلك جهّز نفسه جيداً للاحتجاجات والغضب الشعبي وحتى امتعاض حلفائه الدوليين مثل الولايات المتحدة الأمريكية التي يُعدّ الدبيبة واحداً من رجالها في الغرب الليبي.

لكن في هذه المرحلة الحرجة في ليبيا، الأهم بالنسبة إلى المهندس هو اكتمال الصفقة بينه وبين المشير خليفة حفتر، لأن رضاء الولايات المتحدة سيكون مضموناً بعد ماراثون اجتماعت التطبيع.

يؤكد ذلك تراجع المبعوث الأممي عن موقفه السلبي من حكومة الدبيبة خلال الإحاطة الأخيرة التي قدمها أمام مجلس الأمن؛ فبعد أيام عاد المبعوث السنغالي وأدلى بتصريحات مويدة لرئيس حكومة الوحدة الوطنية وتعزز موقف بقاءه في السلطةودعونا نقصّ عليكم أصل الحكاية من مصادر مسؤولة ومطلعة.

ساعتان من الزمن جمعتا وزيرة الخارجية الليبية المُقالة مع مسؤولين إسرائيليين في العاصمة الإيطالية روما، كانتا كفيلتين بأن تشعلا الحرائق في ليبيا شرقاً وغرباً وجنوباً، ويسيل حبر الصحافة حول العالم

مسؤولون ليبيون متورطون في صفقة التطبيع

جهود التنسيق بدأت قبل أربعة أشهر. إبراهيم الدبيبة، ابن شقيق رئيس الحكومة والمفاوض الأول واليد اليمنى لعمه، ووليد اللافي وزير الاتصالات والمتحكم الأول في الإعلام في الغرب الليبي، وعبد الباسط البدري سفير ليبيا لدى المملكة الأردنية الهاشمية المحسوب على الشرق، ورمضان بوجناح نائب رئيس حكومة الوحدة الوطنية، وعبد المجيد مليقطة عضو ملتقى الحوار السياسي ومهندس الصفقات السرّية منذ سنوات، التقوا بنائب رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي سرّاً في الأردن بتنسيقٍ من السفير الليبي لدى المملكة الهاشمية عبد الباسط البدري (تذكّروا هذا الاسم جيداً).

في اللقاء تم التفاهم على التعويض الذي ستقدّمه حكومة الدبيبة لليهود الليبيين والتمهيد لاستقبالهم في ليبيا، مقابل إقناع المجتمع الدولي والتوسط لدى الولايات المتحدة الأمريكية بالتمديد لحكومة الوحدة الوطنية.

اجتماعات سرّية سبقت لقاء روما

لقاء الأردن انتهى دون مخرجات أو قرارات حقيقية، أو حتى وعود من الجانب الليبي بالتطبيع، على أن يتجدد مرةً أخرى في اليونان بعد شهرين ونصف، وهو ما حدث بالفعل، وتم الاجتماع بمبعوث من الخارجية الإسرائيلية ونائب رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي. أما الوفد الليبي فانضم إليه صهر عبد الحميد الدبيبة، عمر إكرامي، وفي هذا اللقاء تم التنسيق لاجتماع ايطاليا دون علم نجلاء المنقوش، أو حتى استشارتها.

لقاء روما بين المنقوش وكوهين، الذي جرى يوم 23 آب/ أغسطس الماضي، ما كان ليقع لولا الأحداث التي تسارعت في العاصمة والمواقف المحرجة التي تعرّض لها الدبيبة، حيث خسر غطاءه السياسي وهيبته في الوقت نفسه، عندما تحركت أعيان مصراتة ضده، وعقدوا اجتماعاً ضم أسماء كبيرةً طالبوه فيه بالرحيل عن الكرسي، وبإجراءات حاسمة حياله، ونددوا بالفساد الذي زاد عن حدود المعقول. كما أشاروا إلى أن ملف حقوق الإنسان الليبي أصبح أثقل مما يمكن السكوت عنه، فسياسة القمع وتكميم الأفواه تجاوزت الحدود وانتهكت آدمية المواطن الليبي وحريته وحقوقه، حسب المجتمعين.

وذهب الجمع إلى أكثر من ذلك، واتهموا الدبيبة بأنه يحمل مسؤولية أفعاله وممارسات حكومته إلى مصراتة بسبب تكراره الدائم أمام الإعلام، وفي اجتماعاته في مصراتة، بأنه ابن المدينة ويأتمر بأمرها، ولا يخرج عن إرادتها، فخلط هنا بين إرادة حكومته وإرادة مصراتة. وأكدوا أن حكومة الدبيبة لا تمثّلهم، فالمدينة لم تأتِ بالحكومة ولم تتم استشارتها بخصوصها، وحكومة الدبيبة لا تحكم إلا على نقاط متفرقة هنا وهناك وتحت سيطرة قوى ميليشياوية متغولة.

وزير إسرائيلي سابق: “كل المسؤولين الليبيين الذين اجتمعت بهم، ولا أريد إحراجهم بذكر أسمائهم وهم معروفون في بلادهم، قطعوا لي وعوداً بأنهم في حال فوزهم في الانتخابات سيكونون من ضمن الأسماء التي تشجع السلام الاقتصادي مع إسرائيل

صراع الدبيبة وصالح يستعر في مصراتة

المتابع للشأن الليبي يعلم جيداً الرمزية السياسية لمصراتة في ليبيا، وهذه كانت ضربةً موجعةً في خاصرة الدبيبة الذي أراد تفاديها بتنظيم استعراض عسكري في مصراتة تحديداً، بعد يوم واحد من الحراك الذي خرج ضدّه.

لكنه تفاجأ بقوات جهاز الردع تقتحم طائرته وتختطف قائد اللواء 444، محمود حمزة، من على الكرسي المحاذي لكرسي رئيس الحكومة الذي لم يستطع أن يعترض أو حتى يندد، وأكمل رحلته تاركاً وراءه كارثةً اندلعت على إثرها اشتباكات بين قوات الردع واللواء 444، أسفرت عن مقتل أكثر من 50 ليبياً، وهذه كانت الضربة الثانية التي خسر فيها المهندس هيبته أمام الرأي العام والطبقة السياسية ووسائل الإعلام برغم إنكاره الحادثة برمتها.

بعد كل ما حدث، عبد الحميد الدبيبة يواجه عزلةً داخليةً متزايدةً، خاصةً بعقد رئيس مجلس النواب، عقيلة صالح، اجتماعات سرّيةً مع أعيان مصراتة لتشكيل حكومة جديدة بدلاً من الحالية.

وهنا جاء دور إبراهيم الدبيبة، كبير المفاوضين والرأس المدبر لعمه، وسارع إلى عقد اجتماع مع وزير الخارجية الإسرائيلي. هنا بدأت رحلة إقناع المنقوش التي رفضت رفضاً قاطعاً في البداية، لكنها رضخت للأمر عندما أقنعوها بأنها ستكون جلسةً خاطفةً وسرّيةً.

كوهين لم يعِد الوفد الليبي بأي شيء، واتفق معهم على أن تكون هذه الخطوة الأولى نحو التطبيع، ووعد بأنه سيدرس إمكانية دعم حكومة الدبيبة وإقناع المجتمع الدولي، ويرد عليهم في وقت لاحق

لماذا سرّب اللافي تفاصيل لقاء روما؟

كوهين لم يعِد الوفد الليبي بأي شيء، واتفق معهم على أن تكون هذه الخطوة الأولى نحو التطبيع، ووعد بأنه سيدرس إمكانية دعم حكومة الدبيبة وإقناع المجتمع الدولي، ويرد عليهم في وقت لاحق، وهو ما لم يطمئن إبراهيم الدبيبة الذي قرر تسريب الاجتماع، وكلّف بذلك وليد اللافي الذي نجح في تنفيذ مهمته على أكمل وجه، وضجّت الدنيا بالخبر واشتعلت طرابلس بالنيران واحتجاجات الأهالي.

بدلاً من المنقوشوزير خارجية جديد من الرجمة

يبدو لك من الوهلة الأولى أن حكومة الوحدة خسرت الرهان ودقت المسمار الأخير في نعشها. لكن باطن الأمور ليس كذلك، فبرغم امتعاض واشنطن العلني من ردود الأفعال وتخبّط البيت الإسرائيلي وغضب الشعب الليبي، إلا أن الكواليس عكس ذلك تماماً، فالدبيبة نال الرضا وضرب عصفورين بحجر واحد.

وحسب مقربين من حكومة الوحدة، سيسهل التخلص من المنقوش كما هو مقرر منذ مدة، وتعيين سفير ليبيا لدى الأردن عبد الباسط البدري المحسوب على الرجمة، وزيراً للخارجية بدلاً منها، وبهذه الطريقة يحافظ إبراهيم الدبيبة على صفقته مع بلقاسم حفتر.

وبعد تعيين فتحي بن قدارة، الموالي للمشير حفتر على رأس المؤسسة الوطنية للنفط، بالأشخاص أنفسهم، سنشهد في الأيام القادمة وزير خارجية قادماً من الرجمة إلى طريق السكة. إذا تشاجروا أفسدوا الزرع، وإذا تصالحوا أكلوا المحصول.

يهود ليبياالحاضر المنسيّ

ورقة يهود ليبيا لم تكن يوماً تهمّ الدبيبة، لكنها آلية للمناورة يلوّح بها كلما أراد كسب المجتمع الدولي، وهو ما يؤكده رافائيل لوزون، رئيس الاتحاد اليهودي الليبي لرصيف22، إذ يقول: “لا أعتقد أن الدبيبة تحدث مع الإسرائيليين بشأن مصلحة اليهود الليبيين، وإذا فعل ذلك فلمجرد الحصول على عذر أمام الرأي العام للّقاء بهم“.

وأضاف: “لقد قمنا بمحاولات عديدة للاتصال به، وكان يرفض دائماً، ولم يرغب أبداً في التعامل مع مشكلة الليبيين من الديانة اليهودية وملفهم، كما أنه علينا نحن اليهود أن نتعامل مع قضية اليهود الليبيين مع السلطات الليبية مباشرةً، وليس من خلال إسرائيل“.

اجتماعات سرّية وتنسيق يومي مع إسرائيل

أيوب قرا، وزير الاتصالات الإسرائيلي السابق، يؤكد في حديث رصيف22، ما أشرنا إليه في متن المقال عن اللقاءات السرّية بين مسؤولين إسرائيليين ونظرائهم من ليبيا، بقوله: “لدينا علاقات يومية، مع شخصيات من ليبيا ونحن في العادة لا نقول من ولا كيف ولماذا، لأن ليست لدينا مصلحة في ذلك الآن“. وأضاف: “سننتظر حكومةً دائمةً لنعمل معها، لكن إسرائيل ليست لديها مصلحة مع الدبيبة، إنما العكس، هو من لديه مصلحة معنا“.

وختم حديثه قائلاً: “كل المسؤولين الليبيين الذين اجتمعت بهم، ولا أريد إحراجهم بذكر أسمائهم وهم معروفون في بلادهم، قطعوا لي وعوداً بأنهم في حال فوزهم في الانتخابات سيكونون من ضمن الأسماء التي تشجع السلام الاقتصادي مع إسرائيل كما حدث في الإمارات والسودان والمغرب“.

_____________

مقالات مشابهة

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *