عبدالمجيد الصغيّر

ليبيا لن تصبح بلدا ديمقراطيا إن لم تكن فيها أحزاب فاعلة تتنافس فيما بينها على مواقع السلطة التشريعية والتنفيذية عبر صناديق الاقتراع، وبالتالي ستكون من بينها أحزاب تمثل “الأغلبية” وآخرى تمثل “الأقلية” ولكل منهما دورا مهما.

الوضع الراهن في الحالة الليبية، يظهر أن كل الاحزاب مهمشة وخارج مسرح التنافس السياسي، وأن الأطراف المتصدرة للمشهد السياسي توافقت على تجاهل الأحزاب وتهميش دورها، رغم أن المتنفذين في الحكومة ومجلسي النواب والدولة لا يمثلون “الأغلبية” بالمعيار الديمقراطي، وما دام الأمر كذلك، فعلى الاحزاب السياسية أن تتحول إلى معارضة سياسية بعقد تحالف مؤقت بمهام واضحة للتصدي لكل الأجسام اللاشرعية الذين اغتصبوا السلطة سواء في مجلسي النواب والدولة، أو في المجلس الرئاسي والحكومة المثقلة بالفساد.

المعارضة السياسية لها دور حيوي في اختراق الانسداد السياسي وتصحيح المسارات التنفيذية والتشريعية، بل والقضائية أيضا.

قد يتصور البعض بأن الدور الوحيد للمعارضة السياسية هو استغلال الفرص لإسقاط الحكومة أو الضغط بقوة نحو عقد انتخابات مبكرة. ولكن الدور الأساس للأحزاب في مرحلة التحول الديقراطي هو العمل على تجذر التجربة الحزبية، ولن يتحقق ذلك إلا إذا تمكنت الأحزاب من صياغة دور فاعل لها ومن ثم فرضه كأمر واقع على الأطراف المحلية والاقليمية والدولية التعامل معه.

كل معارضة سياسية لا بد وأن تتقاطع مصالحها ـ في الغالب ـ مع كيانات سياسية آخر، وعندما يقع هذا التقاطع يحصل نوع من التوافق، فالقيادات السياسية الواعية تتعامل مع المعطيات التي أمامها، وتختار طبقاً لما هو متاح لديها في اللحظة الحاضرة، أما “التفكير الاستراتيجي” فهو يركز على استشراف المستقبل وصنعه، والميل به نحو المصلحة المتوقعة. 

قريبا سترى الأحزاب الليبية أن عمليات التهميش ستستمر وتتصاعد وليس أمامها إلا خيار وحيد وهو الانخراط في عملية مراجعة نقدية لمواقفها وسلوكها في الفترة الماضية وستصل إلى ضرورة التوافق على إقامة تحالف سياسي وطني يتبني خط المعارضة للاجسام القائمة حاليا، وهذا من الوسائل التي لم تجربها الاحزاب السياسية التي تم تهميشها تماما، أخذا في الاعتبارأن أي جهد يسعى لتغيير الوضع الراهن لابد أن يواجه بالعديد من الصعوبات والتحديات. وهذه التحديات يصعب على أي كيان سياسي مواجته بمفرده، وقد يستطيع التحالف مجتمعا تجاوز أغلب الصعاب والتحديات.

هذا التحالف السياسي له مبرراته المنطقية التي منها (الضرورة أو الإضطرار) وأيضا الحاجة إلى قوى سياسية قادرة ومؤهلة للدفاع عن مشروع التحول الديمقراطي وإعادة بناء الدولة، فضلا عن تحقيق المصالح المشتركة للمتحالفين، مع مراعاة المكونات السياسية والاجتماعية القائمة، وتحييد الأعداء قدر الاستطاعة، دون التنازل عن الثوابت الوطنية، ودون القعود على الحركة بحجة استحالة التغيير بسبب سوء الأوضاع السياسية الراهنة.

لا شك أن أي تحالف سياسي سيكون له أصدقاء وأعداء، بحكم الانقسامات السياسية محليا وإقليميا ودوليا. وكل طرف سيحدد موقفه من التحالف إما كصديق أو كعدو أو كمراقب، من منطلق البرجماتية “النفعية”، وبالتالي قد يأتي الدعم من الأصدقاء، وبالتأكيد ستأتي الضربات من الأعداء.

لكل تحالف للتغيير السياسي.. خطابه الاعلامي الذي يجب عدم التنازل عنه لأنه ثابت من الثوابت الذي لا معنى لوجود التحالف بدونه.. وأما الخطاب السياسي فينبغي أن يتحلى باللياقة والمرونة، ومراعاة الظروف الواقعية، ومراعاة اللغة المناسبة، وليس من مصلحة أي تحالف سياسي أن يتبنى خطاباً معادياً للجميع، بل من الضرورة استخدام اللغة اللينة يتفاديا للأفخاخ المنصوبة في كل مكان.

أما برنامج التحالف السياسي فسيكون دعامة للنظام الديمقراطي، حيث لا يمثل الكيانات العضوة في التحالف فحسب، بل يمثل ايضا الحركات والاحزاب خارج التحالف بل كل القوى التي تعارض الأجسام القائمة التي تمسك زمام السلطة بلا شرعية ولا مشروعية.

ينبغي أن تعمل المعارضة السياسية للتحالف بأولوية تفهم مشاكل المواطن ووضع الحلول المناسبة لها، كما ينبغي أن تحشد الشباب حول خططها وأهدافها وبرامجها، وتسعى في الوقت نفسه إلى نشر الوعي السياسي والدستوري. كما ينبغي أن تناضل من أجل الدفاع عن الحقوق والحريات السياسية، ومنها حق المشاركة في الحياة السياسية، وأبرزها حق الإنظمام إلى الأحزاب والتحالفات السياسية والجمعيات والنقابات، وخاصة حق ممارسة التصويت في العمليات الانتخابية والاستفتاءات كما يقرها الدستور.

لن يكون هناك اتفاق حول أهمية دور المعارضة في مرحلة التحول الديمقراطي، فهناك من يرى أهميتها وضرورتها وهناك من يرى أنها وسيلة لمزيد من التشظي والانقسام المجتمعي. ومهما يكن من الأمر، فإن أقل ما يمكن أن تقدمه المعارضة في الحالة الليبية الفارقة هو أنها ستحوُل دون استبداد الحكومة أو البرلمان، وذلك من خلال فضح سلوكياتها غير الدستورية وتندد بها.

إن أروع مزايا المعارضة الحزبية، عبر وسائل الأعلام وفي البرلمان وأمام القضاء، هي أنها تحيي في المشهد السياسي فضيلة شجاعة إبداء الرأي بدون تردد او خوف، وبالتالي تُخرِج النشطاء من مواقع السلبية واللامبالاة. وإذا امعنا النظر في التجربة البرلمانية الديمقراطية، فاننا نجد أنه حيث توجد معارضة حزبية لها شكلها القانوني، توجد حرية الرأي وحرية النقدـ وحيث تختفي المعارضة يوجد الصمت والخوف.

_____________

مقالات مشابهة

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *