كيف كانت تحليلات وتوقعات الندوة في فبراير2014

عقد مركز الجزيرة للدراسات الليبية ندوة حول الثورة الليبية في فبراير 2014 بعد ثلاث سنوات من ثورة 17 فبراير. طرحت الندوة عدة تساؤلات أمام المتحاورين أهمها: أين تقف ليبيا بعد ثلاث سنوات على ثورتها: قراءة في الواقع الراهن؟ ومن هم اللاعبون في الساحة الليبية واستراتيجياتهم المحلية والإقليمية؟ وما هو مستقبل ليبيا بعد انتهاء المرحلة الإنتقالية؟

شارك في الندوة كل من الدكتور مصطفى أبوشاقور والاستاذ أحمد الماقني والاستاذ السنوسي بسيكري.

 الجزء الثاني من التقرير

المكونات الثقافية والاجتماعية: كان هذا اللاعب غائبًا تمامًا أو مغيبًا قبل الثورة، لكن مع الثورة بدأ الحديث عن الأمازيغ والتبو والطوارق، بل بدأ نوع من النزوع الجهوي والقبلي، بل إن الجهة أو الإقليم أصبحا جزءًا من الانتماء والهوية الليبية؛ فهنالك من صار يتحدث عن هويته البرقويةمثلاً، وهو توصيف ليس قدحًا كما تذكر الورقةوإنما هو جزء من طبيعة الخارطة الاجتماعية الليبية الجديدة.

والأمازيغ مكون موجود وكثير وهو في الجبل الغربي وفي غدامس. وكذلك الطوارق لهم حضور سياسي قوي في الجنوب. أما قبائل التبو فموجودون بقوة وقد شاركوا في الثورة في الجنوب وأصبحوا جزءًا من المشهد السياسي والاجتماعي بل أصبحوا ينسقون بعض مواقفهم مع الأمازيغ. وقد طرح هذا المكون بشكل خاص قضية الفيدرالية، والملاحظ أنه داخل هذا المكون العام يوجد ليبراليون وأمازيغ وإسلاميون.

القوى العسكرية: يُعتبر هذا المكون أحد أبرز اللاعبين الآن في ليبيا وأكثرهم حضورًا على الأرض، فهنالك كتائب، وميليشيات، وثوار، والجميع يحمل السلاح ويتصرف خارج القانون.

ولهذا اللاعب دور حاسم في رسم المشهد السياسي الليبي في الوقت الراهن، ومن نافلة القول: إن قانون العزل السياسيمثلاً كان نتيجة ضغط هذا المكون على الحكومة الانتقالية، فبسبب قوتهم وضغطهم لتحقيق هذا المطلب تمت الاستجابة له.

وداخل هذا المكون توجد شرائح مقطعية متداخلة منها المستلقون ومنها الإسلاميون. وتذهب بعض الإحصاءات إلى أنه يوجد  أكثر من 10 قوى مسلحة في طرابلس وحدها ممن لا ينتمون لجهة معينة، لكن ما إن تقع مواجهة بين جهتين أو صدام بين طرفين إلا وتجمّع هؤلاء المسلحون غير المصنفين ويغذّون هذا الطرف أو ذاك مما يولّد مزيدًا من التوتر، ويكرّس دور هذا اللاعب في الخيار الأمني الليبي.

إن هؤلاء المسلحين أداة استقرار وأداة توتير في نفس الوقت؛ فمسلحو مصراتة مثلاً فرضوا حالة من الأمن في الجنوب الليبي لكن ظهور ما بات يُعرف هذه الأيام بكتيبة القعقاع وكتيبة الصواعق وتهديدهم أعضاء المجلس الوطني يجعل دور هذا اللاعب في منتهى الخطورة؛ فهذا اللاعب عبارة عن قوة عسكرية على الأرض تقوم برسم المشهد السياسي.

تحديات المستقبل

تعرضت الورقة الثالثة التي عرضها الدكتور مصطفى أبوشاقور لعدد من الخيارات والتساؤلات التي يطرحها المستقبل الليبي بعد ثلاث سنوات مضت على الثورة.

ولعل من أبرز تلك التساؤلات: ما هو تعريف المرحلة الانتقالية: هل هو التهيئة للدولة أم بناء الدولة؟

ومع تشخيص المشهد الليبي الذي تعرضت له الورقة الأولى والثانية فإن هنالك أمورًا ستستمر بل إن بعضها قد يبقى موجودًا في الساحة لفترة قد تصل إلى ثلاث سنوات قادمة أي: إلى غاية اعتماد الدستور، كما يقول المحاضر الثالث.

لا شك أن الثورة الليبية كانت بدون قيادة موحدة وبدون خيارات واضحة، ولعل هدفها الأساس كان إسقاط النظام الظالم المستبد، وهو ما لم يتحقق فقد سقط الرأس، لكن بقي النظام في بعض المؤسسات وبقي وهذا هو الأخطرفي الوجدان، فمنذ أربعة عقود والنظام المطاح به يدير الليبيين بشكل معين حتى تعودوا عليه وأصبح أمرًا معيشًا بالنسبة لهم.

ولعل المتطلع للمستقبل الليبي يرى أن الشأن الأمني أحد أبرز التحديات التي يراها ظاهرة للعيان؛ ذلك أن هناك عدمَ وجود مؤسسات أمنية نظرًا لانسحاب الشرطة الليبية من المشهد العام لكونها جزءًا من النظام السابق.

لقد رفض شباب الثورة بقاء جميع عناصر الأمن والشرطة في وظائفهم نظرًا لانعدام ثقة الشباب في هؤلاء، وما زال انعدام الثقة مستمرًا بين مؤسستي الشرطة والجيش وبين الثوار؛ فالثوار لا يريدونهم ولهذا تعطلت المؤسسة الأمنية، وفي غيابها تكرس انعدام الأمن وغابت الدولة وهو أمر يضفي بظلاله على المستقبل الليبي.

لقد أصبحت بعض الجهات المسلحة تقوم بأدوار أمنية مع أنها ليست جزءًا من الدولة ولا شرطة رسمية، ولم تجد الدولة بُدًا من التعاون معهم والاعتماد عليهم في بعض المهمات الأمنية وهم من جانبهم يبتزون الدولة.

ومما سيكون له تأثير على مستقبل العمل السياسي في ليبيا سعي بعض الجهات لإجهاض الثورة؛ ففي الأسابيع الماضية ظهرت حركة لا للتمديدوكان وراءها بعض شيوخ القبائل فضلاً عن جهات أخرى تحاول إجهاض المسار الديمقراطي.

ولعل الموقف السلبي من الأحزاب السياسية يشكّل ثغرة في الأداء السياسي في ليبيا حاضرًا ومستقبلاً؛ فمع أن تاريخ الأحزاب بليبيا قصير والتجربة الحزبية حديثة؛ حيث لم تتشكل الأحزاب إلا بعد الثورة وليس لها برامج ولا مكان، إلا أن فكرة الاستقلالية التي تحدثت عنها الورقة الثانية تولّدت، وهي فكرة أقل ما يقال عنها: إنها فكرة سلبية. فالمشهد السياسي والأداء السياسي كذلك لا يمكن أن يتطور دون أحزاب سياسية، ومن المؤمَّل والمحبَّذ أن تبرز أحزاب في المستقبل وستقوى بعض الأحزاب الراهنة دون شك كما سيتلاشى البعض.

بعد يومين من الآن ستُنتخب اللجنة التأسيسية لصياغة الدستور، وحسب الإعلان الدستوري فقد وُضع للجنة أجندة 120 يومًا، وهي مدة قصيرة جدًا خصوصًا في ظل وضع أمني مضطرب جدًا؛ فالدستور يحتاج لحوار ونقاش واستفادة من تجارب الآخرين وهو أمر لا تكفيه أربعة أشهر؛ فالدول لا تصوغ دساتيرها إلا في مدة طويلة.

وحسب الورقة الثالثة فإنه لابد من ثلاث سنوات حتى تتم صياغة دستور ليبي يشارك فيه أطياف الشعب الليبي حتى يصبح دستورًا منظمًا للحياة.

ولا شك أن المستقبل الليبي مرتبط إلى حد بعيد بالحالة الاقتصادية للبلد وما دام هناك تعثر للحركة الاقتصادية في ليبيا فإن الوضع الأمني سيظل متعثرًا.

إن تنشيط الاقتصاد بإمكانه حل المشكل الأمني، والمشكل الاجتماعي (العاطلون عن العمل)، ووجود فرص حقيقية أمام الشباب لا يمكن إلا بتفعيل الاقتصاد وتحقيق المناخ الصحي.

إلى أين تتجه ليبيا؟

كان للنقاش والأسئلة التي تلت الندوة دور في تعميق عدد من النقاط تحدد في مجملها ملامح المسار الذي تتجه نحوه ليبيا، وهو مسار معقد ومركب؛ فالأزمة السياسية والأمنية طرحت الكثير من القضايا الشائكة، منها: قضية الفيدرالية خصوصًا وأن الطرح الفيدرالي أخذ مسارات من أبرزها الطابع القبلي قبل أن تكون هناك أحزاب تتبناه.

ولعل التعثر الذي طبع المسار الليبي خلال السنوات الثلاث الماضية والذي ركزت عليه الأوراق ينبغي أن يُفهم في السياق العام للوضع الليبي كما قال المحاضر الثانيفالليبيون ظلوا غير مستوعبين لما يحدث حولهم من تعثر مع أنه تداعيات طبيعية؛

فسقوط نظام والدخول في مرحلة انتقالية يطرح مشاكل لا مفر منها، وهذا مهم لحل المشاكل، فأخطاء ما بعد الثورة، حتى ولو كانت كبيرة وحتى ولو حملناها لأي طرف في السلطة فإن المخرَج سيكون قابلاً للتحقيق.

وتبقى الحاجة إلى رؤية واضحة للمستقبل وإلى وضع خطة واضحة لتجاوز هذه التعثرات أبرز تحد أمام الليبيين.
***
سيدي أحمد ولد أحمد سالم – باحث بمركز الجزيرة للدراسات

___________

مركز الجزيرة للدراسات

مقالات مشابهة

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *