كيف كانت تحليلات وتوقعات الندوة في فبراير2014

عقد مركز الجزيرة للدراسات الليبية ندوة حول الثورة الليبية في فبراير 2014 بعد ثلاث سنوات من ثورة 17 فبراير.

طرحت الندوة عدة تساؤلات أمام المتحاورين أهمها: أين تقف ليبيا بعد ثلاث سنوات على ثورتها: قراءة في الواقع الراهن؟ ومن هم اللاعبون في الساحة الليبية واستراتيجياتهم المحلية والإقليمية؟ وما هو مستقبل ليبيا بعد انتهاء المرحلة الإنتقالية؟

شارك في الندوة كل من الدكتور مصطفى أبوشاقور والاستاذ أحمد الماقني والاستاذ السنوسي بسيكري.

 الجزء الأول من التقرير

وجاء تقرير الندوة بعنوان الثورة الليبية بعد ثلاث سنوات .. تحديات في طريق المستقبل

بقلم سيدي أحمد ولد أحمد

ملخص
تواجه ليبيا بعد ثورة 17 فبراير/شباط، وسقوط النظام السابق مشكلات معقدة مثل العديد من البلدان التي مرت بمراحل انتقالية سواء في جوارها العربي أو في مناطق أخرى من العالم. ويرتبط أغلب تلك المشكلات بتراث الدولة التسلطية وما راكمته منذ انتصابها من العنف والقمع وتشويه القيم وغرس الأحقاد وإحياء النعرات الجهوية والقبلية.

وبعد مرور ثلاث سنوات على قيام الثورة، يبدو أن الوضع في ليبيا ما زال يراوح مكانه، ولا تزال المرحلة الانتقالية محفوفة بمخاطر جمة على رأسها التحدي الأمني واستعادة الدولة سيطرتها الكاملة على ترابها ومؤسساتها ومقدراتها الاقتصادية.

ومن الواضح أن ملامح المسار الذي تتجه نحوه ليبيا مسار معقد ومركب؛ فالأزمة السياسية والأمنية طرحت الكثير من القضايا الشائكة، منها: قضية الفيدرالية خصوصًا وأن الطرح الفيدرالي أخذ مسارات من أبرزها الطابع القبلي قبل أن تكون هناك أحزاب تتبناه.

ولعل التعثر الذي طبع المسار الليبي خلال السنوات الثلاث الماضية ينبغي أن يُفهم في السياق العام للوضع الليبي، فالليبيون ظلوا غير مستوعبين لما يحدث حولهم من تعثر مع أنه تداعيات طبيعية؛ فسقوط نظام والدخول في مرحلة انتقالية يطرح مشاكل لا مفر منها، وهذا مهم لحل المشاكل، فأخطاء ما بعد الثورة، حتى ولو كانت كبيرة وحتى ولو حملناها لأي طرف في السلطة فإن المخرَج سيكون قابلاً للتحقيق.

وتبقى الحاجة إلى رؤية واضحة للمستقبل وإلى وضع خطة واضحة لتجاوز هذه التعثرات أبرز تحد أمام الليبيين

***

تواجه ليبيا بعد ثورة 17 فبراير/شباط، وسقوط النظام السابق مشكلات معقدة مثل العديد من البلدان التي مرت بمراحل انتقالية سواء في جوارها العربي أو في مناطق أخرى من العالم. ويرتبط أغلب تلك المشكلات بتراث الدولة التسلطية وما راكمته منذ انتصابها من العنف والقمع وتشويه القيم وغرس الأحقاد وإحياء النعرات الجهوية والقبلية.

وبعد مرور ثلاث سنوات على قيام الثورة، يبدو أن الوضع في ليبيا ما زال يراوح مكانه، ولا تزال المرحلة الانتقالية محفوفة بمخاطر جمة على رأسها التحدي الأمني واستعادة الدولة سيطرتها الكاملة على ترابها ومؤسساتها ومقدراتها الاقتصادية.

ولمناقشة تلك التحديات وبحث مستقبل التجربة الانتقالية في ليبيا، عقد مركز الجزيرة للدراسات ندوة حوارية بعنوان: “الثورة الليبية بعد ثلاث سنواتتحديات في طريق المستقبلشارك فيها كل من الأستاذ الدكتور مصطفى أبوشاقور: أكاديمي ليبي ونائب رئيس وزراء سابق، والأستاذ أحمد ماقنيّ: إعلامي وكاتب سياسي، والأستاذ السنوسي بسيكري: مدير المركز الليبي للبحوث والتنمية وكاتب ومحلل سياسي ليبي. وقدمت في الندوة ثلاث ورقات، وهي:

ليبيا والواقع الراهن .. قراءة آنية

قدمت الورقة الأولى التي قدمها الأستاذ أحمد الماقنيّ قراءة أقرب للتشاؤم عن الوضعية الليبية الراهنة، فحسب ما ورد على لسانه، فإن ليبيا تواجه الكثير من الصعاب، ولعل من أبرزها الحربَ والدمار اللذين كانت ليبيا تعاني منهما قبل الثورة وهو دمار شمل المؤسسات والمناطق، كان الدمار موجودًا قبل الثورة وتكرس ذلك الدمار وازداد بعد الثورة.

ولعل أبرز حصيلة لثلاث سنوات على الثورة الليبية يتمثل في تعثر تحويل ليبيا من حالة ثورية إلى دولة مؤسسات. لقد استقبلت ليبيا خلال السنوات الثلاث الماضية أعدادًا كبيرة من المنشقين ومن المعارضين، وكان مطلوبًا أن يتولى هؤلاء العائدون مناصب قيادية وأن يتم التفاعل مع الحراك الشعبي الثوري وهو ما لم يحدث.

إن الحصيلة الراهنة للمشهد الليبي في مختلف تجلياته كما تبين الورقةأن ليبيا تعاني سياسيًا واقتصاديًا فضلاً عن معاناة مؤسسات الدولة كالجيش والشرطة. وقد لعب البعدان: الداخلي والخارجي على تكريس هذه الوضعية المتعثرة.

وإذا كنا ننظر للحالة السياسية؛ ففي ليبيا أحزاب نشأت حديثًا لكن بدون قانون أحزاب. وفضلاً عن ذلك فالأحزاب السياسية الليبية تحولت إلى كتل، والكتلة هي مفهوم سياسي يختلف عن الحزب؛ فالحزب يحدد أهدافًا عنوانها المصلحة العامة والهم الوطني في حين تنحبس الكتل السياسة في مصالح ضيقة ومحاصصات.

ومن ناحية أخرى فإن الإعلام الليبي في السنوات الثلاث الماضية ظل إعلامًا بدون خطاب مواكب للثورة ومبشر بدولة جديدة بل ظل دوره سلبيًا، وحتى الدولة الليبية بعد الثورة لم يكن لديها خطاب إعلامي.

لقد تكونت مؤسسات إعلامية وظهرت مئات الصحف المقروءة والمواقع الإلكترونية، فضلاً عن تفاعل الليبيين مع مواقع التواصل الاجتماعي أو ما بات يُعرف بالإعلام الجديد.

أما الوضع الأمني فقد ظل مقلقًا وعرف انفلاتًا خطيرًا نظرًا لغياب الدولة، ومن هنا يمكن أن نجزم أنه مع هذه الوضعية لا تستطيع ليبيا أن تتقدم؛ حيث لابد من تهيئة الأرضية، وفي بداية ذلك حل المشاكل الأمنية وهو أمر صعب مع وجود ما يحصل على الأرض. ولعل ما نشاهده يوميًا من خطف وقتل يدل على أن الوضع متدهور فالدم يسيل كل يوم كالخطف للبنات والأولاد.

ولا نمل من تكرار أن غياب الدولة وراء تدهور المشهد في مختلف تجلياته فليس ما يحدث في الجنوب الليبي إلا تأكيدًا لهذا الواقع الخطير؛ فالاستهداف صار موجهًا لرجال الأمن والجيش والقضاء والإعلام، بل إن كل من يريد أن يبرز في الساحة الليبية بات مهددًا.

ولو تساءلنا كما يقول مقدم الورقةعن هوية العناصر التي وراء هذا التدهور العام فإن الكثير من التقارير والتحليلات توجه الاتهام إلى أزلام القذافي؛ وعلى العموم فالفساد صار منتشرًا والبيئة الإجرامية تطورت. ومن الصعب على دولة حدودها ستة آلاف كلم أن تؤمّن حماية لترابها على الرغم من وجود اتفاقيات أمنية مع دول أجنبية كأميركا وتركيا.

ليبيا: اللاعبون المحوريون واستراتيجياتهم

تناولت الورقة الثانية التتي قدمها الأستاذ السنوسي بسيكري الفاعلين السياسيين، وفي تصوره أن هذا المحور الثاني مكمل للأول؛ فاللاعبون في الساحة السياسية الليبية ساهموا في بناء الصورة الأليمة والمعقدة التي رسمتها الورقة الأولى.

ومع أنه من الصعب الوقوف على حقيقة جميع اللاعبين في المشهد الليبي السياسي والأمني لأنه مشهد غير ناضج وبالتالي يصعب تصنيفهم ولكن يمكننا أن نتلمس وجود ثلاث شرائح مقطعية لها تأثير قوي، وهي:

التيار السياسي والفكري: مكونات هذا التيار هي نفسها تلك المكونات الموجودة في أغلب الدول العربية. ومن بين ما هو موجود بليبيا من هذا التيار: الإسلاميون والليبراليون والمستقلون.

الإسلاميون: شريحة واسعة بعضهم تبلور في حزب والبعض في جماعة والبعض في تيار، وانقسامهم التقليدي هو: الإخوان، السلفية، الجهاديون، أنصار الشريعة كما هي الحال في الكثير من الدول العربية.

الليبراليون: هذا المكون يُعتبر حديثًا في ليبيا وليسوا تيارًا ممتدًا في البلاد وله خطاب مُجمع عليه، أو أنه تيار متبلور في أحزاب ذات طبيعة ليبرالية، فهذا غير حاصل في ليبيا. وحتى الأحزاب التي لها قيادات ليبرالية فإن مفهومها لليبرالية غير متبلور؛ حيث في برامجها الحزبية نفس إسلامي (كون الإسلام هو مرجعيتها)، وفي نفس الوقت لا نجد عندها ذكرًا لليبراليتها. ويبدو أن النَّفَس الليبرالي عند هذا المكون يتجلى في الخطاب وفي الحديث في الندوات، وهو نَفَس يمكن وصفه بأنه شخصي مرتبط بالأفراد.

المستقلون: هم أوسع هذا الجانب وأكثره حضورًا وأتباعًا بالمقارنة مع الإخوان ومع الليبراليين. وقد تجذرت النزعة الاستقلالية عند بعض النخب الليبية بعد الثورة وزاد تبلورها كردة فعل على فشل الأحزاب السياسية في المرحلة الانتقالية، حتى إنه يمكن أن نتحدث عن فوبيا ضد الأحزاب في ليبيا؛ فبعد الإخفاقات المتكررة والتعثرات المطردة في ليبيا تم تحميل الأحزاب السياسية كل ما حدث واستقل الكثير من منتسبيهم نأيًا بنفسه عن هذه الإخفاقات، رافضًا أن يكون من هذه التنظيمات حتى ولو كان له نَفَسٌ إسلامي أو ليبرالي.

***
سيدي أحمد ولد أحمد سالم – باحث بمركز الجزيرة للدراسات

___________

مركز الجزيرة للدراسات

مقالات مشابهة

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *