الهادي بوحمرة
في هذا اللقاء مع البعثة أود أن أؤكد النقاط الآتية:
أولا: تجاوزت البعثة حدود دورها المرسوم في قرارات إنشائها، إذ هي تنتهك الإعلان الدستوري القائم، ولا تحترم أحكام القضاء الليبي، بل تضع نفسها فوقه، متجاهلة قرارات صادرة عن أعلى سلطات القضاء، بداية من المحكمة العليا وحكمها الشهير من الدائرة الإدارية.
ثانيا: ذهبت البعثة إلى حد انتحال وظيفة المحكمة العليا، إذ تولت تفسير الوثائق الدستورية الليبية، والبت في مدى صحتها أو بطلانها، متجاوزة بذلك مبدأ سيادة القانون، ولا سيما القاعدة الراسخة «لا بطلان إلا بحكم قضائي».
ثالثا: تتنقل البعثة من مبادرة إلى أخرى لا بحثًا عن مخرج، بل لتصميم حل يناسب مصالح قوى النفوذ الدولية، فما نراه ليس مسارًا نحو الحل بقدر ما هو هندسة مدروسة لمآزق جديدة.
رابعا: تجرف البعثة الشرعية وتستبدل بها صيغا مصطنعة. فبدلًا من تعزيز الشرعية القائمة على الإرادة الشعبية، تمضي البعثة في عملية ممنهجة لمحو الأسس القانونية والدستورية القائمة، بحثًا عن شرعية تُفصّل على مقاس اللاعبين الدوليين.
خامسا: على الرغم من تكرار البعثة ادعاء «احترام الملكية الليبية للمسار»، فإن سلوكها العملي يكشف العكس، فهي تهدف إلى كسر إرادة الليبيين وامتهان كرامتهم، مستخدمة أدوات تعطيلية كاشتراط «الإجماع المستحيل»، والتوافق الغامض، وتضخيم أي معارضة، لتبرير الانقلاب على رأي الغالبية.
سادسا: تسعى البعثة إلى التحول من شرعية المجتمع إلى شرعية الأمر الواقع، ويبدو أن الهدف هو إقصاء إرادة المجتمع، واستبدال بها توافق ثانٍ موازٍ للتوافق الدولي، وهو توافق بين حاملي السلاح، على حساب ما أنجزته الهيئة التأسيسية المنتخبة بأغلبية تزيد على الثلثين، وأغلبية مصاحبة في كل منطقة انتخابية على حدة، التي هي قابلة للاختبار فقط عبر صناديق الاستفتاء.
سابعا: تبذل البعثة جهدا مركزا من أجل تفكيك منظومة السيادة الشعبية، وذلك من خلال طرح خارطة دستورية صادرة عن هيئة منتخبة للنقاش من قِبل لجنة هي من تختارها، وهي من ترسم لها منهج العمل، وتحدد لها الأسئلة التي يجب أن تجيب عنها..
وهنا يجب أن يطرح التساؤل الآتي:
أي منطق يجيز للجنة عُيّنت من قِبل سلطة خارجية – ولا تستمد وجودها من الشعب – أن تنظر في أعمال هيئة تأسيسية شكّلها الليبيون عبر صناديق الاقتراع؟
هذا ليس سوى منهج ممنهج لإزاحة السيادة الشعبية لمصلحة «المسارات المُصمّمة».
بالنظر إلى ما سبق يمكن القول إن البعثة تقود مسار تحول خطيرا في مرجعية الشرعية، حيث يحدث الآن وأمام أعيننا انتقال من الشعب، مصدر السلطات، إلى ما يسمى «الشرعية التوافقية الدولية» عن طريق التوافق بين المتصارعين في الداخل، باعتبار أن من في الداخل هو أداة بيد طرف سياسي دولي، وبهذا يستبدل بآلية التمثيل الشعبي نموذج يُفصَّل وفقًا لتوازنات سياسية.
هذا التوجّه يُفضي إلى تجريد الليبيين من حقهم في إنتاج دستورهم الوطني، وتفريغ مفاهيم السيادة والشرعية والاستحقاق من مضامينها الوطنية، وإعادة ملئها باعتبارات ودلالات لا علاقة لها بالمواطنين الليبيين.
_____________