عبدالرحمن أميني

ربما يوجد اتفاق غير معلن غربي وليبي من قِبل الأطراف النافذة على تجميد محاولات تفكيك المجموعات المسلحة ودمجها، إلى غاية دفع الملف السياسي المتعثر إلى الأمام جراء حالة عدم اليقين بشأن العملية الانتخابية، وفق مراقبين للشأن الليبي.

ولم تعد سطوة المجموعات المسلحة، التي تشكل عماد الأجهزة الأمنية الرئيسية في غرب ليبيا، مشكلة عاجلة يتعين التخلص منها بدمجها تحت مؤسسات نظامية وجيش موحد، على الرغم من المعارك المندلعة بين الحين والآخر بين بعضها البعض، مخلّفة قتلى وجرحى، الأمر الذي يعكس استسلاما لسلطتها التي اكتسبتها من التحالفات بينها وبين من مروا على السلطة التنفيذية في طرابلس.

في الأشهر الأولى لثورة فبراير 2011، أحصت اللجنة الوطنية الانتقالية في طرابلس نحو 250 ألفا من رجال الميليشيات كانوا يتوزعون على مختلف مناطق العاصمة، وكانت تشكل غالبيتها عصابات، لتمويل تسليحها بالانخراط في جميع أنواع الاتجار في المخدرات والكحول والتبغ، وأخيرا بالبشر. ليأتي العام 2013، وتبدأ المساعي لدمج هذه الميليشيات في جهاز الشرطة، وهي مبادرة لم تحقق سوى أهداف ضئيلة مع تعثر تسليم أسلحتها، بينما كانت تغير ولاءها بتغير الحكومات.

وتنحصر السيطرة الرئيسية على مفاصل العاصمة حاليا في 4 تشكيلات مسلحة، وهي: غنيوة والنواصي وقوة الردع واللواء 444، وهؤلاء على الرغم من ولائهم إلى جهة واحدة بين المجلس الرئاسي وحكومة «الوحدة الوطنية الموقتة»، فإن صراعهم على النفوذ للسيطرة على المواقع الحيوية غالبا ما يفجر معارك مسلحة بينهم لم توقفها حتى وساطات رئيس حكومة الوحدة عبدالحميد الدبيبة.

اتهامات بشأن التورط في تهريب الذهب عبر المطار

وقبل أيام، شهد مطار مصراتة أحداثا أثارت صمت الحكومة إثر اقتحامه من قِبل عناصر تابعة لما يسمى «حراك قادة مصراتة»، لطرد القوة المشتركة التابعة للحكومة منه، على خلفية ما أثير من اتهامات بشأن التورط في تهريب الذهب عبر المطار. بينما طالب بيان لأهالي منطقة الغيران في مصراتة بإخلاء المقرات المدنية كافة داخل المنطقة، وتشكيل لجنة للتواصل مع الجهات المعنية.

أيضا شهدت مدينة غدامس في الجنوب الغربي احتجاجات عارمة لمواطنين تعبيرا عن انزعاجهم من وجود تشكيلات مسلحة أرسلتها حكومة «الوحدة الوطنية الموقتة» إلى المنطقة. كما شهدت مدينة غريان، في الأشهر الأخيرة، مواجهات مسلحة بين مجموعة محلية وقوات أمنية نظامية تابعة للسلطات في العاصمة طرابلس.

ويشبّه متابعون تجذّر المجموعات المسلحة أو الميليشيات في مفاصل الدولة بما حدث في دول عدة شهدت صراعات مشابهة على غرار «الحشد الشعبي» في العراق الذي تشكل العام 2014. وبسبب العلاقات المتشابكة لتشكيلات شبه عسكرية، أصبح اليوم ذراعا سياسية لأحزاب شيعية لها تمثيلها في البرلمان، ولها نفوذ قوي في تسمية رئيس الحكومة.

أو اليمن الذي تأسست به كتائب «الحزام الأمني» بقيادة هاني بن بريك، نائب رئيس «المجلس الانتقالي الجنوبي» الانفصالي، التي تملك نحو 13 ألف مقاتل، وكانت تقاتل تحت عباءة حكومة جماعة الحوثي، ولكن بعد 2019 انقلبت ضدها، وخاضت معارك في عدن، واليوم تطالب بالانفصال.

أما في الجارة السودان فقد استعان الجيش النظامي بـ«قوات الجنجويد» ضد المتمردين في إقليم دارفور قبل تتشكل منهم قوات «الدعم السريع» في العام 2013، التي ألحقها نظام الرئيس السابق عمر حسن البشير بجهاز الأمن والمخابرات، واليوم يخوضون حربا أهلية ضد الجيش النظامي، للسيطرة على الحكم.

ويفسر الباحث السياسي حسام الدين العبدلي صعوبة دمج الميليشيات أو التخلص منها عبر آليات تدريجية واضحة بما عاشته ليبيا منذ سقوط النظام في العام 2011، حيث «تفجرت حروب أهلية داخلية تقودها ميليشيات أحيانا جهوية وأحيانا قبلية، وبعضها مؤدلج فكريا، ولكن بعد كل هذه السنوات أغلبيتها جرى تفكيكها، وبقي منها الأكثر تنظيما وليونة في التعامل مع الدولة».

ويوضح العبدلي لـ«الوسط» أن هناك من الميليشيات الآن من أصبحت تدار من الدولة نفسها، وتأتمر بأوامرها، وهذا ما أوضحه عبدالحميد الدبيبة عندما قال «إن من في هذه الميليشيات هم أبناؤنا»، يعني الدولة في طرابلس لا تملك جيشا لتأمره بالتحرك المباشر لصد أي عدو، بل أصبحت تعتمد على أجهزة أمنية ومجموعات مسلحة.

وأكد الباحث «غياب نية لدى الدولة عن بناء جيش يأتمر لرجل واحد»، مرجعا السبب إلى مخاوف بأن يتسبب ذلك في انقلاب على السلطات المدنية، ومشيرا إلى ما حدث في الدول الجارة.

ويرى العبدلي أن «حكومة طرابلس والموجودين بها أصبحوا يتبنون استراتيجية تقوم على تكوين قوات عسكرية وشبه عسكرية من المقاتلين المدنيين، ودمج قادتهم تحت مظلة وزارات الدولة، من دفاع وداخلية، لكي لا تكون لشخص السلطة المنفردة والانفراد بالبندقية».

«ليبيا ملك لجميع الليبيين»

وفي آخر المؤشرات على «استسلام» الغرب لنفوذهم، استغل رئيس بعثة الأمم المتحدة، عبدالله باتيلي، اجتماعه في العاصمة طرابلس بأكثر من 20 ممثلا عن الجهات الأمنية والعسكرية في الغرب الليبي للاعتراف بدورهم، وحضّهم على «أداء واجبهم في إحلال السلام والاستقرار في ليبيا، وتضميد جراح الماضي، وإعادة بناء البلاد»، مؤكدا أن «ليبيا ملك لجميع الليبيين، ولا يجوز أن تكون رهينة لأي فئة أو مجموعة من الأفراد».

ويعكس هذا اللقاء رغبة باتيلي في إنقاذ مبادرة الطاولة الخماسية من الفشل بالاستعانة بدور المجموعات المسلحة لتهدئة الأوضاع، حيث أوضح أنه استنادا إلى ولاية البعثة الأممية المستمدة من مجلس الأمن الدولي، ومن خلال المبادرة التي طرحها من قبل، فإنه يعمل على «تيسير عملية سلام شاملة تفضي إلى حل يقوده ويملك زمامه الليبيون، واتخاذ التدابير اللازمة لمنع نشوب الصراع من جديد، بما في ذلك دعم الجهود الرامية إلى توحيد المؤسسات الأمنية والعسكرية».

وتعهد باتيلي بمواصلة إشراك «جميع الأطراف الليبية المعنية، بما في ذلك مختلف الجهات الأمنية والعسكرية الفاعلة في جميع أنحاء ليبيا، لضمان دعم التوصل إلى حل سلمي شامل للانسداد السياسي الراهن، وإحياء العملية الانتخابية».

لكن مصادر متطابقة كشفت مطالب قادة التشكيلات المسلحة في طرابلس بفرض ممثل لهم في الحوار السياسي، بالإضافة إلى قبول عبدالحميد الدبيبة طرفا سياسيا، واستبعاد حضور المشير خليفة حفتر، القائد العام للجيش الوطني، في حال عدم إشراكهم.

أما الدبيبة فقد قال: «هذه القوات نسبيا دخلت في المجال العسكري والمجال الأمني، وبدأت تتدرب على سلاحها، وكيفية التعامل مع المواطن، سواء كانوا في الجيش أو الشرطة، ولا بد أن ترافق هذه المرحلة بعض الخروقات هنا وهناك، ونحن صابرون على أبنائنا، ولا يمكن التخلي عنهم.. وين بنعدي بيهم؟!».

«جزء مهم من الأمن في ليبيا»

وأضاف: «أدعوكم إلى حضور حفلات التخرج والتدريب للذين يقولون عنهم ميليشيات. لا يمكن التفرقة بينهم وبين أي تشكيلات نظامية. هم في الأساس بنوا على أساس ميليشياوي، لكنهم اليوم جزء مهم من الأمن في ليبيا».

ودافع الدبيبة، خلال حديثه، عن أفراد الميليشيات، حيث قال: «الذين يقولون عليهم ميليشيات هم من يحمون الحدود الليبية. نحن نقودهم ونوجههم، ويحترمون أوامرنا تبعا للجيش الليبي ورئاسة الأركان، ويستمعون للقائد الأعلى ووزير الدفاع، ومن يقول إنهم قوات منفلتة فهو يحلم بما كان في السابق، ولكننا تجاوزنا هذه الخطوط».

وحول انتشار السلاح العشوائي، أقر الدبيبة بهذا الأمر، لافتا إلى أنه «بدأ من الطرف اللي كان في العام 2011». وتابع: «لا يمكن اللوم على من يقتني السلاح اليوم»!.

______________

مقالات مشابهة

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *