أضحت الثروة والعقار والأرض في ليبيا ملكية ذكورية خالصة ضمن مجتمع لا تحدث فيه النساء ضجة صاخبة أو مطالبات حرة بحقوقهن المادية, فحالة الفوضى المؤسساتية والعدالة البطيئة تشجع لجوء ذكور العديد من العائلات – دوناً عن الإناث – بالاستيلاء على ميراث الميت عبر حيل وممارسات غير قانونية، يحرمن فيها من الملكية الخاصة لذويهن بعد وفاتهم.
بغضب، تعبر سناء ضرار (اسم مستعار) موظفة لدى شركة نفطية، والتي تنحدر أصولها من مدينة طبرق (أقصى الشرق الليبي)، بأن رحلتها الطويلة في الحصول على ميراثها من إخوتها لم تأتي بأي حلٍ ناجعٍ, فبعد عدم استجابة الإخوة الذكور لمطلبها في إرث والدها سنة 1997 والذي تم تقسيمه خفية دون علم منها- لم تستطع سناء بعدها اللجوء إلى القضاء أو تقديم شكوى ضد أخوتها خوفاً من قطع العلاقات أو صلة الرحم بينهم لمجرد الوقوف في المحكمة والمطالبة بهذا الحق.
“مش مسامحتهم وبيني وبينهم الله”
تقول سناء أن الممتلكات المتروكة كانت متمثلة في أراضي زراعية و مبنى (الحانوت العسكري) المملوك للدولة الليبية سابقاً و المسترجع قانونياً بأحقية ملكيته للعائلة، فبعد استرجاع المبنى، طالبت سناء و أختها من إخوتها الذكور الخمسة بأخذ حصصهن الشرعية والقانونية من صفقة بيع المبنى – والذي قُدر بــ 800 ألف دينار ليبي سنة 2012 – ولكن الرفض الذي كان سيد الموقف حينها، لم يُدعم بأي أسباب منطقية أو حتى دينية، بل أغلب ردودهم تكون محصورة في عدم اعتيادهم على توريث المرأة حتى وإن تعارض ذلك مع معتقداتهم الدينية.
ورغم لجوء سناء إلى الاستشارة الدينية من قبل رجال الدين المحليين ودار الإفتاء الليبية، أملاً في عدول إخوتها عن رأيهم، إلا أنهم ازدادوا تمسكاً بموقفهم, بل وهاتفها ابن أخيها معنفاً عمته لفظياً ولومها بوقاحتها في مطالبة إخوتها الأشقاء بحقها في الإرث.
وبعد كل المحاولات والحجج الدينية والقانونية التي جمعتها سناء استجاب الأخوة لجبر خاطرها هي وشقيقتها بمبلغ بسيط، قُدم لهن في صورة (صك بنكي) في أوج أزمة السيولة البنكية – على غير إرث الذكور الذي استلموه كمبلغ نقدي وكامل.
“لما نمشي نزورهم في الأرض أو في حياشهم الليل كله ما يجينيش النوم”
متحسرةً ومتألمة, تذكر سناء أن علاقتها مع أخوتها لم تعد كما سبق، رغم أنها تواظب على مهاتفتهم وزيارتهم في الأعياد والمناسبات الاجتماعية، إلا أن الشرخ المتخلف من حادثة تقسيم الميراث كبير ويصعب تجاوزه.
القانون معنا وعلينا!
المحامية نجوى على, عضوة المنظمة الليبية للمساعدة القانونية والتي تفسر بأن “التحبيس هو وقف المال من توريثه لأفراد أو جماعات معينة من العائلة” حيث تعلق بأن “حرمان النساء من الميراث هو عنف اقتصادي شائع رغم ندرة لجوء النساء ضحايا التحبيس إلى المسار القضائي تجنباً للنبذ العائلي، حيث تفضل هؤلاء النسوة الخنوع لمظلومية القبيلة و سلطوية ذكور العائلة دفعاً لأي شرخ عائلي محتمل”
كما أن العازبات يواجهن مصيراً سوداوياً مُضاعفاً للهيمنة الذكورية على خزانة مال العائلة، فالشقيق الأكبر في هذه الحالة هو الوصي الشرعي الذي له حرية التملك و التصرف في هذه الأملاك، والذي قد يكون أداة لتهديد أخوته ببيع العقار الوحيد المتروك و رميهم خارج المنزل في حالة تمردهم ومطالبتهم بهذا الحق.
ورغم عدم قانونية التحبيس وفقاً للمادة رقم 2 قانون رقم 6 لسنة 1959 إلا أن هذا القانون يوفر حماية شكلية فقط والعمل به داخل المحاكم الليبية نادر جداً, كما أنه يعتبر قانون (غير مانح) حسب المحامي ناجي امبارك والمختص بقضايا الإرث في مناطق مختلفة في ليبيا, حيث يقول: النساء في هذه الحالة يمكنهن التوجه للقضاء والتبليغ عن المحبّس للإرث ولكن الحكم سيكون حكماً جنائياً بالسجن دون منح الضحية ضمانات مالية أو إرثها الضائع، لذلك يعتبر اللجوء إلى القضاء في هذه الحالة حلًا غير كاف أو رادع بشكل أصح.
يُعقّب أيضاً, بأن هناك حالات كثيرة لنساء لا يملكن فريضة شرعية فيصبح نصيبهن في التركة غير واضح بالتالي يتم التعويض، وفقاً لتقديرات المحكمة في ذلك. كما أنه في حال قيام الجاني (المحبّس) بمنح الضحية حقها في التركة قبل صدور حكم المحكمة تسقط الدعوى الجنائية مباشرة.
عزومة ترضية!
“الحالة في ليبيا حالة عامة, الإحصائيات مش موجودة لأنها حالة عامة”
هكذا يقول د.مسعود شلندي رئيس قسم القانون الجنائي بكلية القانون- جامعة الزاوية بأن أغلب النساء في ليبيا لا يستلمن حقوقهن في الميراث كحق كامل بل أن الأخوة الذين يودون الحفاظ على علاقة طيبة مع أخواتهم البنات يقيمون مأدبة غذاء لهن ويقدمن لهن مبلغاً مالياً بسيطاً لترضيتهن لا أكثر, فبالنسبة لهم المرأة الوقورة (بنت العيلة) والرصينة لا تخاصم أخوتها الذكور في الحصول على ميراثها.
” الأخت والزوجة ديما طيبة و كويسة لكن لو طلبت نصيبها في الإرث فهي مش كويسة ومش بنت عيلة ”
بكوميديا سوداء تصف الواقع البائس للنساء العازبات, يقول د. شلندي بأن العازبات أوضاعهن أسوأ من المتزوجات فمن سخرية القدر أنهن عازبات بالتالي يتم منحهن سكن العائلة القديم لمجرد السكن لا الإنتفاع سواء بإيجار أو بيع أو حتى مشروع ربحي آخر، حيث تظل هذه النسوة تحت رحمة (الوصي أو الولي الذكر) طيلة حياتها.
ذات الموقف قد تعيشه نساء الجبل والضاحية اللاتي يعشن تحت مظلة القبيلة الحاكمة بنظم عشائرية مقيدة، حيث تحدثنا فريدة حمد (اسم مستعار) من مدينة غريان نيابة عن والدتها وخالاتها اللاتي حُرمن من ميراثهن المتمثل في (فيلا العائلة) و مجموعة منازل في مدينة طرابلس من قبل اخوتهم الذكور، والذين فرضوا نوعاً من تقييد الزيارات لبيت الأب (المورُث) حتى بعد الوفاة، بل منعوا أخواتهم من الدخول للــ (فيلا) متحججين بالأوضاع المادية الجيدة لأزواج أخواتهم وأنهم قادرين على تلبية احتياجاتهم المعيشية بعيداً عن إرث والدهم, وأن هذا الإرث هو ملكية بحتة لهم.
الإحساس بالعار والضغط الاجتماعي يمنع الكثيرات من مقاضاة إخوتهم أو أقاربهم في المحاكم, فالوصول إلى العدالة في بعض الحالات قد يكون منصفاً ولكن في المقابل سيكون هناك مجتمع وقبيلة نابذة ورافضة لهؤلاء النساء.
رُزمة الدين الناقصة!
توجهنا بسؤال لدار الإفتاء عبر التطبيق الخاص بهم عن جواز التحبيس من عدمه؟ وما موقف دار الإفتاء منه؟ كان الرد واضحاً ببطلان التحبيس شرعاً وقانوناً فقد أصدر قانون سنة 1973 ينص بعدم قانونيته ومع ذلك لاتزال الكثير من العوائل مستمرين في تطبيق هكذا نُظم ظالمة.
ورغم أن المعاناة بعيدة عن الصبغة الدينية أو الرفاهية الإقتصادية بل هي استلاب حقوقي جائر يمنع النساء من الوصول إلى موارد مالية مستقلة أو دخل مادي عائل, الإ أن الممانعين لميراث القاصّات أعلاه (الإخوة غالباً) هم أشخاص متدينون أو ذو خلفية دينية متوسطة, أي أنهم على دراية جيدة بأحكام الميراث وفقاً للشريعة الإسلامية, الإ أن حجج (هذا سبرنا, هذا عُرفنا) أقوى من أي دين أو تشريع بالنسبة لهم.
وهذا يبرهن عدم فعالية تدين (البعض) وتمسكهم بالنظم الدينية في الأمور المتعلقة بحرية النساء الفردية أو المادية أو العامة حيث يتم استخدام السلطة العُرفية المفرطة في قمع النساء والتقليل من فرصهن في العيش المستقر, والذي يطيل من عمر المعاناة عائلياً وحقوقياً ومجتمعياً.
***
فن تعبيري
Media Researcher
صحفي مساهم
تحرير
______________
Наша клиника предлагает два основных варианта анонимного лечения запоя: стационарное и амбулаторное. Выбор зависит от степени тяжести состояния и индивидуальных особенностей пациента.
Углубиться в тему – [url=https://kapelnica-ot-zapoya-voronezh.ru/kapelnica-ot-zapoya-v-kruglosutochno-v-voronezhe/]bystry kapelnica ot zapoya v stacionare voronezh[/url]