عزة كامل المقهور

مقدمة لابد منها:
سبق وأن نشرت مقالا قبل أربع سنوات وبتاريخ 18/ 7/2017، عنوانه مقترح لاستئناف المسار الديمقراطي (لو حسنت النوايا وتوفرت الظروف الموضوعية)” وذكرت فيه أن مجلس النواب هو قاطرة لابد منها لاستئناف المسار الديمقراطي باعتباره آخر جسم منتخب، وإن كان يتعين إصلاحه داخليا، كما خلصت إلى ضرورة تشكيل لجنة وطنية قانونية متخصصة ومستقلة بمعرفة بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا.

وفي مقالات أخرى بتاريخ 27. 11. 2017، و 8. 11. 2020 و 2. 12. 2020 بالعناوين التالية على التوالي:

– “خطة العمل من أجل ليبيا المقدمة من بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا المرحلة الأولى: إخفاق محتمل وإعادة نظر قد تكون ضرورية“.

– “هواجس مخاض المرحلة الحالية (ما قبل المرحلة الانتقالية الخامسة في ليبيا)”

– “إشكالية خارطة الطريق (وثيقة المرحلة التمهيدية للحل الشامل).

اقترحت فيها الاستعانة بالخبرات القانونية الليبية المتخصصة لوضع حد للمختنقات القانونية، خاصة الدستورية، التي ستصاحب أية عملية سياسية، وكان منها ما توقعته، وتحديدا التضارب ما بين النصوص وبين التشريعات الليبية النافذة، أو بسبب كثرة الوثائق التي ستحكم الفترة الحالية، كما اقترحت أن يتولى فريق قانوني وطني متخصص ومستقل وضع مقترح بالقاعدة الدستورية للمرحلة المقبلة.

وها هو المجتمع الدولي يعود لمجلس النواب مجددا من خلال كل من مخرجات برلين وخارطة الطريق للمرحلة التمهيدية للحل الشامل، لكنه ما يزال يمتنع عن تشكيل لجنة قانونية وطنية متخصصة ومستقلة، وقد يكون ذلك بسبب استعانته بخبرات أجنبية ثبت قصورها في كل الوثائق التي أعدت تحت اشرافها، وهي ثغرات أجهضت المسارات الدوليةوأدت إلى مختنقات دستورية جمة ظهرت في الاتفاق السياسي الليبي، خاصة في المسائل الإجرائية، وها هي تظهر مجددا في خارطة الطريق.

وفي مقال آخر ومحاضرات بينت أن العملية السياسية الخارجية الدوليةلن يكتب لها النجاح إلا باتحادها مع مسار وطني، وهذا أيضا ثبتت صحته بعد أن استهلكت حكومة الوفاق الوطني سنوات وهي تلوح باعتراف دولي جعلها تعمل خارج القانون والتشريعات المحلية حتى كادت أن تهلك البلاد.
لذا، والبلاد تدخل عملية سياسية جديدة بغرض الوصول إلى انتخابات في آخر العام، فإنه علينا أن نحاول جاهدين استباق المختنقات أيا كان نوعها (خاصة الدستورية) بغرض انتشال البلاد من مأزقها.

وهذا الأمر يتطلب بالأساس التوقف عن المماحكات القانونية سيئة النوايا والعراقيل غير المجدية لغير المتخصصين تحت ستار القانون، بغرض إفشال أو عرقلة هذا المسار الذي لا نملك غيره خاصة وأنه نقطة التقى عندها المساران الوطني والدولي معا مما ينبئ عن بارقة أمل.

تحديد المعطيات:

أولا، مجلس النواب: يحكم مجلس النواب ما يلي:

1. الإعلان الدستوري وتعديلاته (2011).
2.
قانون انتخاب مجلس النواب رقم 10/ لسنة 2014.
3.
اللائحة الداخلية لمجلس النواب (2014).

كما وأن هناك وثيقتين أخريين هما حتى الآن محل جدال قانوني في مدى اعتبارهما جزءا من الإعلان الدستوري الليبي من عدمه وهما:

4. الاتفاق السياسي الليبي (2015): موقف مجلس النواب في هذا الصدد غير واضح بتاتا وقد أصدر تعديلا دستوريا تحت رقم 11 لعام 2018 بتضمين الاتفاق السياسي فيما يتعلق بالسلطة التنفيذية لتتكون من مجلس رئاسي ونائبين ورئيس حكومة منفصل، وهو ما لا يتضمنه الاتفاق السياسي ذاته، ثم أصدر، حسب الأخبار، قرارا في يناير 2020 بإلغاء المصادقة!!!.

5. خارطة الطريق (وثيقة المرحلة التمهيدية للحل الشامل) (2020).

وتثير عديد المسائل القانونية والسياسية بشأن اختصاص مجلس النواب اليوم. لكن الأهم هو أن مجلس النواب سيتغير دوره بالكامل في هذه المرحلة ولن يلعب ذلك الدور الذي يمنحه له الإعلان الدستوري ولائحته الداخلية وقانون انتخابه.

ذلك أنه ومنذ العام 2015 عرفت ليبيا مسارات دولية مهمة اشترك فيها مجلس النواب وأدلى فيها بدلوه، وقبل فيها بقراراته (مع بعض التحفظات)، كما وأنه تعامل مع البعثة الأممية وشارك في مفاوضات وحوار وتسويات وترضيات واعترافات بكيانات خلقها الاتفاق السياسي، بل وتحالف بعض أعضائه معها.

إلا أن الإجراءات القانونية المستوجبة لم يتم اتخاذها من مجلس النواب لتسوية هذا الأمر قانونا ووضع حد للجدل القانوني القائم حوله. وهي مسألة يتعين حسمها بموجب إجراء تشريعي يحتاج أن يسبقه عمل قانوني جدي ومتخصص له خبرة خاصة وطنية ودولية كي يقطع الجدل باليقين وفقا للإعلان الدستوري الليبي.

كما وأن مجلس النواب عرف انشقاقا وضعفا وعدم قدرة على العمل. إلا أنه بتاريخ 9. 2. 2021 تمكن من عقد جلسة مهمة منح بموجبها لحكومة الوحدة الوطنية الثقة استنادا إلى كل من الإعلان الدستوري وقبولا بخارطة الطريق الصادرة من ملتقى الحوار الوطني.

لذا، فإن عليه اليوم أن يمارس عمله بجد وجهد تأسيسا على المصلحة الوطنية وقاعدة السعيلتسليم وتداول السلطة بموجب انتخابات مقبلة ولكن أيضا في ظل قواعد جديدة، وألا يتمسك بقواعده الأولية لأنها عدلت بالواقع سواء بمسلكه وقراراته أو مفاوضاته أو حواراته.

والحقيقة أنها عدلت موضوعيابموجب المسار الدولي الذي شارك فيه مجلس النواب، إلا أنه أمر قاصر يحتاج إلى تدخل قانوني ماهر موضوعي وإجرائي وشكلي.

لكن الحقيقة المرّة التي على مجلس النواب أن يقبلها هو أن مجلس النواب غير قادرحسبما يبدو للعيان ولمجريات الأموربالقيام بالعمل القانوني المهني المتقن، وتبني الإجراءات القانونية الموضوعية والشكلية للمرحلة الخطيرة والمهمة والحساسة المقبلة التي تتطلب حلولا مبتكرة فيها جانب وطني وجانب دولي.

وهذا الأمر يقودنا إلى تكرار ذات المطلب وهو أن يشكل فريق قانوني متخصص ومستقل ذو قدرات في الصناعة التشريعية لإعداد مقترحات قانونية مبتكرة بتعديل الإعلان الدستوري أخذا في الاعتبار مخرجات المسارات الدولية: الاتفاق السياسي الليبي (2015)، مخرجات برلين (2020)، خارطة الطريق (2020) الباب الخاص بالسلطة التنفيذية الموحدة (2020)، بهدف الخروج بوثيقة دستورية واحدة للمرحلة الحالية.

ثانيا، ملتقى الحوار الوطني الليبي:

يستند هذا الملتقى إلى ما يلي:

1. مخرجات برلين (2020)
2.
قرار مجلس الأمن رقم 2510/ 2020
3.
خارطة الطريق (وثيقة المرحلة التمهيدية للحل الشامل) (2020)

وعليه فهو تجمع لا سند تشريعيا وطنيا له. ومخرجاته خارطة الطريق والسلطة التنفيذية كانت أساسا لتأسيس وتمهيد الطريق للمرحلة الحالية وهو أمر مهم لكنه لا يغير من أنه لا يملك أساسا تشريعيا وطنيا.

ووفقا للخارطة التي اعتمدها الملتقى، فإن دور ملتقى الحوار الوطني ينحصر فيما يلي:
1.
تشكيل سلطة تنفيذية جديدة، وهو ما أنجز في فبراير 2021.
2.
متابعة التقدم في قضايا المرحلة التمهيدية، وإذا تعذر يؤول البت فيها إلى ملتقى الحوار الوطني.
3.
تشكيل لجنة قانونية تتابع التقدم في إنجاز الاستحقاق الدستوري والبت فيه في حال انقضاء مهلة 60 يوما.

أما مسألة السلطة التنفيذية فهي، وإن أعدت ومهدت الطريق لاختيارها وفقا للخارطة ولائحة اختيارها وإجراءاتها، فإن منح الثقة لحكومة الوحدة الوطنية – من حسن الحظأنه تم من مجلس النواب، الأمر الذي قطع الطريق على الطعن فيها أو التشكيك في شرعيتها، فيما لو أحيل الأمر لملتقى الحوار الوطني.

المتابعة

وتبدو مسألة صعبة المنال لعدة أسباب، فهذا الملتقى لا أساس تشريعيا له، كما وأن هذا الدور عمليا غير ممكن ضمن شبكة المؤسسات الجديدة خاصة وأن الملتقى غير مهيكل ويجمع بين أعضائه أعضاء من مؤسسات قائمة. بل إن هناك خشية من أنه في حال تدخله، دون هيكلية ولائحة داخلية وعمل منظم ودوري، أن يتحول إلى معرقل لعمل الحكومة والمجلس الرئاسي ومنافس لمجلس النواب.

كما وأن هذا الاختصاص يتناقض مع النصوص ذات العلاقة التي تقصر دور الرقابة على حكومة الوحدة الوطنية على مجلس النواب. ولو لعب هذا الملتقى هذا الدوروهي مسألة غير ممكنة عمليافقد يشتت عمل الحكومة.

والأهم أن الملتقى ليس مؤسسة ولا هيئة متجانسة وأن دوره الأساسي قد أنجز بنجاح وهو وضع أسس المرحلة الانتقالية الحالية واختيار مجلس رئاسي، وحكومة نالت ثقة مجلس النواب.

إن في عدم وجود هيكل وإدارة للملتقى، وانفراط عقد أعضائه وخروجهم المتكرر للإعلام واللقاءات المتلفزة بآراء مختلفة ومتضاربة، ومتسرعة، والإفصاح عما يحدث في كواليس التفاوض يدل على عدم التنسيق وافتقاد البعض لأصول العمل التفاوضي في الشؤون الوطنية ذات الأهمية القصوى وعدم الامتثال لشروط جولات الحوار الصادرة عن البعثة الأممية.

أما فيما يتعلق بالقاعدة الدستورية، فالأمر يبدو ضعيفا لعديد الأسباب أهمها:

أن اللجنة القانونية شكلت من الملتقى وبطريقة عشوائية حسب الرغبة وبدون ضوابط.
عدم توفر التخصص القانوني الدقيق في الصناعة التشريعية إلا في قلة من أعضائها.
أن نتائجها في حال خروجها ستكون محدودة الأثر، وأن الأمر سيرجع إلى المؤسسات الوطنية ذات العلاقة.

أنها قد تتسبب مباشرة في إطالة المرحلة الحالية حال عدم الوصول إلى نتائج مهنية ذات صناعة قانونية متقنة، خاصة وأن مدتها مفتوحة ولا سلطة تشريعية لها استقلال عن مجلس النواب، رغم الزخم السياسي الدولي الذي نالته.

ثالثا النتائج والمقترحات:

لا يمكن العمل في هذه المرحلة بمثل هذه الفوضى العارمة على المستوى الدستوري، وإن هذا الأمر الحساس الذي يحكم مفاصل الدولة وهيئاتها القديمة والمستحدثة وإداراتها لا يمكن أن يسير بهذا التخبط، كما وأن الأمر لا يجب أن يترك بأيادي غير متخصصة ولا صاحبة مصالح متضاربة، ولا أن تترك لاستغلال ضعاف النفوس وسيئي النوايا.

ولعل في المطب الحالي حول حلف حكومة الوحدة الوطنية لليمين القانوني – الذي نتمنى أن يتم تجاوزهما يؤكد ما ذهبنا إليه، لوجود اختلاف بين نص المادة (4) من باب السلطة التنفيذية والمادة (25) من الإعلان الدستوري، والمادة (181) من اللائحة الداخلية لمجلس النواب.

كما وأن بارقة الأمل وسعادة الناس في حكومة جديدة قد تنتشلهم من البؤس والخراب والوباء وتبعد شبح الحرب وتوفر الأمن والقوت وسبل الحياة للمواطن، يجب أن تستغل وتستثمر على أكمل وجه وبسرعة فائقة.

لذا فإننا نقترح ما يلي:

1. تشكيل فريق قانوني وطني متخصص من المشهود لهم بالكفاءة والنزاهة والاستقلالية والخبرة الدقيقة في المجال الوطني والدولي، بتيسير ودعم من بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا لضمان استقلاليته، ليعد وثيقة دستورية موحدة للمرحلة الحالية يأخذ فيها بعين الاعتبار الإعلان الدستوري وتعديلاته والاتفاق السياسي الليبي ومخرجات برلين ومخرجات ملتقى الحوار الوطني (خارطة الطريق وباب السلطة التنفيذية)، ويحدد أدوار كافة الهيئات المنبثقة عن هذه الوثائق بدقة بما يمكّنها من العمل ضمن منظومة موحدة ومتناغمة.

2. اعتماد الوثيقة الدستورية الموحدة من مجلس النواب الليبي واعتبارها وثيقة دستورية للمرحلة الحالية.

3. وضع مقترح القاعدة الدستورية ومشروع قانون الانتخاب المنصوص عليهما في خارطة الطريق واللازمين للانتخابات المقبلة التي ستتوقف عليهما.

4. تقديم المشورة القانونية لما يستجد من اختناقات قانونية في المسار السياسي وغيرها من المسارات أثناء مدة عملها.

***

عزة كامل المقهور، محامية وعضو في المجلس الوطني الليبي لحقوق الإنسان. نشطت في مجال الدفاع عن حقوق المعتقلين السياسيين. وهي تنشط حالياً في المناقشات الجارية حول الديمقراطية ووضع دستور جديد وحماية حقوق المرأة. تخرجت من كلية الحقوق في جامعة بنغازي وتخصصت في حقل القانون الدولي في جامعة السوربون في باريس. كتبت العديد من المقالات والقصص القصيرة.

_________

مقالات مشابهة

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *