ليلى الثابتي

الخلاصة

تم التوصل إلى اتفاق بين حكومة الوحدة الوطنية الليبية المقالة وجهاز الردع لمكافحة الجريمة في طرابلس لتسليم مطار معيتيقة وتعزيز الاستقرار الأمني.

الاتفاق يهدف إلى تفعيل مؤسسات الدولة وضبط الأجهزة الأمنية، لكنه يواجه تحديات تنفيذية ومخاوف من عدم استمراريته. رغم ذلك، يُنظر إليه كخطوة إيجابية نحو تهدئة التوتر وإنهاء مظاهر التسلح في العاصمة

تنفّس الغرب الليبي الصعداء، بعد التوصل إلى اتفاق بين حكومة الوحدة الوطنية المقالة من البرلمان، برئاسة عبد الحميد الدبيبة، وجهاز الردع لمكافحة الجريمة المنظمة والإرهاب، التابع للمجلس الرئاسي الليبي الأسبوع الماضي، ينص على تسليم مطار معيتيقة الدولي، في العاصمة طرابلس، على أن يتبعها ترتيبات تتعلق ببقية المؤسسات.

ورغم عدم الإعلان الرسمي عن الاتفاق، تأتي التسوية بين حكومة الوحدة الوطنيةوالردعفي توقيت حساس لخفض التوتر في طرابلس وتفادي تجدّد الاشتباكات التي شهدتها العاصمة والمنطقة الغربية هذا العام.

وتشير الاشتباكات المسلحة التي وقعت الأحد، في منطقة جنزور غرب طرابلس، إلى التحديات التي تواجه هذا الاتفاق.

وقال زياد دغيم، المستشار السياسي لرئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفي، في تصريح اـالشرق، إن الاتفاق يهدف إلى تعزيز الاستقرار بعد أشهر من التوتر، وتفعيل مؤسسات الدولة وفق التشريعات والمعايير الدولية الأساسية. ويشمل الاتفاق المنافذ البحرية والجوية والسجون ومراكز الاحتجاز، إضافة إلى وضع ضوابط تُنظم إجراءات القبض والتحقيق، بما يضمن خضوع هذه المؤسسات لسلطة الدولة والوزارة المعنية.

وفي مقابل المخاوف بشأن التحديات والصعوبات التي قد يواجهها الجانب الإجرائي والعملي للاتفاق، تمنح التسوية دفعة للتفاؤل في ظل هدوء حذر يخيّم على المدينة، بعد أسابيع من وصول أرتال عسكرية للطرفين من معسكراتها في العاصمة ومناطق أخرى، إلى طرابلس.

وتشكلت الحشود العسكرية من مجموعات موالية لحكومة الوحدة الوطنية المقالة من البرلمان بقيادة الدبيبة، ومعظمها من مسقط رأسه في مصراتة، ومن قوات جهاز الردع لمكافحة الجريمة المنظمة والإرهاب، المدعومة بمجموعات من الزاوية والزنتان، وجميع تلك الأرتال تمركزت في عدد من المحاور الحيوية في العاصمة.

وقبل الاتفاق، فاقمت هذه الحشود المخاوف من تجدّد التوتر بالعاصمة، وسط أجواء مشحونة كانت تُنذر باندلاع مواجهات واسعة، لا سيما أن مواجهات اندلعت منتصف مايو الماضي، بين قوات الحكومة وجهاز الردع بقيادة عبد الرؤوف كارة.

وبهذا الاتفاق، يرى سياسيون وخبراء أن طرابلس تمضي نحو طي صفحة التوتر والاقتتال وإحلال الأمن، ما يقود إلى تكريس سيادة المؤسسات والقانون في العاصمة، فيما يحذر آخرون من أن العقبات على طريق التنفيذ قد تكون أكبر من الآمال المعلقة.

تفاصيل الاتفاق

وكشف زياد دغيم، المستشار السياسي لرئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفي، في تصريح خاص لـالشرق، تفاصيل الاتفاق، مشيراً في الوقت نفسه، إلى أن جهاز الردع قام بخطوة تسليم مطار معيتيقة، فيما ستتوالى الخطوات اللاحقة لتفعيل بنوده.

وقال دغيم إن الاتفاق جاء بعد جهود مكثفة لمدة شهرين برعاية المنفي والدبيبة ومتابعة من بعثة الأمم المتحدة.

وأضاف أن المؤسسات الأمنية والعسكرية التابعة للمجلس الرئاسي وللحكومة المقالة من البرلمان توصلت إلى اتفاق مكتوب لتعزيز الاستقرار وتفعيل مؤسسات الدولة بشكل طبيعي وفق التشريعات والمعايير الدولية الأساسية لحقوق الإنسان“.

وأوضح أن الاتفاق يشمل المنافذ البحرية والجوية والسجون ومراكز الاحتجاز، إضافة إلى وضع ضوابط تنظم إجراءات القبض والتحقيق“.

لكن دغيم لم يُحدد طبيعة ما تم الاتفاق عليه بخصوص هذه المؤسسات، سواءً من ناحية تسليمها إلى الحكومة، أو من ناحية الترتيبات المتفق عليها.

ومراعاة لأي عقبات محتملة، أشار المسؤول الليبي إلى أن الاتفاق ارتكز على معايير شمولية التطبيق بكل جغرافية مناطق سيطرة السلطة المدنية المعترف بها دولياً دون استثناء، ولضبط خارطة التنفيذ في بيئة بالغة التعقيد، شمل الاتفاق تفاصيل فنية لسبل تفعيل بعض البنود بشكل دقيق، وفقاً لقوله.

كما شمل آليات ومعايير تسمية قادة أجهزة وكتائب معنية بشكل مباشر بتنفيذ أهداف الاتفاق لمنافذ مدنية تخضع لسلطة الدولة والمؤسسات المتكاملة وسجون تخضع لوزارة العدل والنائب العام.

وبحسب دغيم، شمل الاتفاق أيضاً تدابير أخرى لتعزيز الترتيبات الأمنية بالعاصمة والسارية منذ أشهر مع بداية وقف إطلاق النار وكذلك قضايا أخرى تضمن العدالة وعدم التمييز بين المؤسسات والمناطق.

في 18 مايو الماضي، أعلنت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا أنها شكّلت، بالاشتراك مع المجلس الرئاسي، لجنة للهدنة عقب التوتر والمواجهات المسلحة التي كادت تدفع بالمدينة إلى أتون الحرب.

ولاحقاً، في 5 يونيو الماضي، أصدر رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي قراراً بتشكيل لجنة للترتيبات الأمنية والعسكرية برئاسته، تتولى إعداد وتنفيذ خطة لإخلاء طرابلس من المظاهر المسلحة.

معضلة التنفيذ .. رغم التفاؤل

الأنظار تتجه حالياً إلى المسار العملي للاتفاق، ففي منطقة تنبض على وقع الحشود وتعقيدات الولاءات، والتقلبات المرتبطة بها، يتفق خبراء على أن التحدي الأبرز يكمن في تحويل التسوية المكتوبة إلى إجراءات عملية.

مع ذلك، تبدو التطورات، على الأرض، مُبشرة حتى الآن، حيث أعلن دغيم أن جهاز الردعبدأ بخطوة تسليم المطار، السبت الماضي، بانتظار توالي بقية الخطوات“.

ويرى المحلل السياسي الليبي ناصر بوديب، في الاتفاق المبرم خطوة ممتازة، كونه خطوة باتجاه التهدئة وحقن الدماء في أي مكان في ليبيا“.

وفي حديث لـالشرق، قال بوديب: “هذا أمر ثابت لأننا ضد الصراعات المسلحة وضد قتل الليبيين وسفك دمائهم من أجل مكاسب أو مغانم أو استحواذ على سلطة، أو على مربعات في أي مكان بالبلاد. هذا الشيء مفروغ منه“.

ولأن الجانب الإجرائي يظل الفيصل في الاتفاقات والتسويات، أكد بوديب، المنحدر من طرابلس، على الحاجة للوثيقة التي تم التوقيع عليها حتى نستطيع أن نقول إن هذا الاتفاق سار على ما هو مكتوب فيه أم لا“.

وسبق أن أكد مستشار المنفي، في تصريحه لـالشرقأن التسوية عبارة عن اتفاق مكتوب، من دون الإشارة إلى أي تفاصيل إضافية بشأن ما إن تم التوقيع عليها أم أنها وثيقة أشبه بخارطة طريق متفق عليها بانتظار ما سيسفر عنه المسار العملي.

وفي جزئية التفعيل، يتفق مع بوديب، عضو مجلس النواب عبد المنعم العرفي، والذي يربط في حديث لـالشرق، أي حكم على الاتفاق بإمكانية تنفيذه على الأرض، وهي الخطوة التي يعتقد معظم الليبيين أنها نقطة الارتكاز في الموضوع برمته.

وقال النائب الذي يتخذ من بنغازي (شرق) مقراً له، أنه يقرأ الاتفاق في سياقه من حيث تعزيز السلطة المدنية وضبط سلوك الأجهزة الأمنية، لكن الاتفاق أمر وتنفيذه أمر آخر، حيث يعتقد أن الاتفاق لن يصمد ولن يكون هناك تفعيل له، معتبراً أنه مجرد (وسيلة) لكسب الوقت لا أكثر ولا أقل“.

وعلى الرغم من أن المحلل السياسي الليبي عبد الرحمن الفيتوري، أكد أهمية الاتفاق من حيث توقيته وسياقه، إلا أنه أبدى، بدوره، المخاوف نفسها، والمتعلقة بجانبه الإجرائي.

وفي حديث لـالشرق، أضاف الفيتوري، وهو من طرابلس أن الاتفاق الأمني يأتي في وقت حاسم لتجنيب العاصمة الانفجار، وحين نقول الانفجار، فهذا يعني أن المنطقة الغربية بأكملها كانت على شفا حمام دم“.

واعتبر أن التسوية جاءت بعد جهود قادتها الحكومة والمجلس الرئاسي لوضع خطوط عريضة لتهدئة التوتر وإعادة هيكلة التشكيلات المسلحة وفق القوانين الليبية والمعايير الدولية، لكنه استدرك أن الإشكال والمعضلة الحقيقية تكمن في التنفيذ، لأن المسار العملي هو المعرض للكثير من التحديات.

وهذا قد يكون من بين الأسباب التي منعت الأطراف المعنية من إصدار إعلان رسمي سواءً في بيانات منفصلة، أو في بيان مشترك بشأن الاتفاق وتفاصيله وبنوده، لعلمهم اليقين بصعوبة التنفيذ وحتى يتركوا المجال لتقييم التقدم المُحرز بعد كل خطوة من هذا الطرف ومن ذاك“.

صراع مؤجل؟

هذه المقاربة، يتبناها أستاذ العلوم السياسية عثمان البوسيفي، منطلقاً من نقطة غياب ضمانات ملموسةلتطبيق البنود المتفق عليها.

وقال البوسيفي لـالشرق، إن ما حصل هو تأجيل للصراع وليس اتفاقاً، لأن الاتفاق في الحقيقة يشمل ضمانات تطبيق ملموسة لإنهاء الأزمة من جذورها، خصوصاً أن هذه التشكيلات (المسلحة) تتغذى مالياً على أماكن نفوذها وتغلغلها في مؤسسات الدولة“.

واعتبر أن هذه التشكيلات تخضع للأسف لمساومة مع داعمين لها سياسياً، مما يجعل الأمر واضحاً بأنه هدنة مؤقتة لتأجيل الصراع“.

لكن الفيتوري أبدى موقفاً مختلفاً، إذ يعتقد أن الاتفاق لا يُترجم مجرد هدنة هشة تتيح لمختلف الأطراف تأجيل الصراع، بل هو خطوة شجاعة تستهدف وأد فتيل الأزمة من جذورها“.

ويستشهد الخبير على ذلك بأنه لولا تمسك مختلف الأطراف بالتهدئة لكانت العاصمة اشتعلت عقب الحشود العسكرية التي وصلتها بالفترة الماضية، مشيراً إلى أن المدينة والمنطقة الغربية كانت تربض على بارود من التوتر كان كفيلاً بتحويلها لرماد“.

ولا يستبعد الفيتوري ظهور صعوبات وعراقيل بوجه تفعيل الاتفاق، إلا أنه يُعرب عن قناعته بأن جنوح مختلف الأطراف إلى صوت الحكمة من شأنه أن يغلب على جميع حسابات السياسة والنفوذ، معتبراً أن هذا ما أثبتته الفترة الماضية ومساعي حكومة الدبيبة والمجلس الرئاسي منذ أسابيع من أجل التوصل لتفاهمات سياسية وأمنية.

فرصةلإنهاء مظاهر السلاح

ويمضي عضو المجلس الأعلى للدولة في ليبيا، أحمد همُومة، في الاتجاه نفسه، معرباً عن اعتقاده بأن الاتفاق مهمويمكن البناء عليه لحل كافة التشكيلات المسلحة.

وفي حديث لـالشرق، أعرب همومة عن أمله في إعطاء الحكومة فرصتها لإنجاز خيار الشعب الليبي في إنهاء كافة مظاهر السلاح في الشارع وتعزيز الأجهزة الشرطية ودعمها لتثبيت الأمن ورصد الخروقات“.

وبالنسبة له، فإن ما تقدم يدفع نحو منح الفرصة الحقيقية لإنجاز الانتخابات في جو يسوده الأمن والاطمئنان على أرواح وأصوات الناس، كي نصل إلى الدولة المنشودة في أقرب الآجال“.

_____________

مقالات مشابهة