
غسيل الأموال في ليبيا يعتبر جزءا لا يتجزأ من الاقتصاد غير الرسمي الذي تتغذى عليه الميليشيات المسلحة، مما يؤدي إلى تفاقم الأزمات السياسية والاقتصادية والأمنية في البلاد.
تُعد ليبيا، في ظل حالة الانقسام السياسي والهشاشة الأمنية، بيئة خصبة لجريمة غسيل الأموال، حيث تستفيد الميليشيات المسلحة بشكل كبير من هذه الظاهرة.
وتعاني ليبيا من ضعف كبير في الأنظمة الرقابية والتشريعية، رغم وجود قوانين لمكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب، إلا أن تطبيقها يواجه تحديات كبيرة بسبب الانقسام السياسي وتعدد السلطات.
وقد حذّر مصرف ليبيا المركزي من مخاطر هذا الأمر، مشيرا إلى أنه يهدد الاقتصاد الوطني وقد يعرض البلاد لعقوبات دولية.
وتُعتبر الدولة المغاربية العضو في منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) نقطة عبور رئيسية للعديد من الأنشطة الإجرامية غير المشروعة، مثل تهريب البشر والأسلحة والمخدرات والوقود.
هذه الأنشطة تدرّ أموالاً ضخمة تحتاج إلى تبييض لإخفاء مصدرها غير المشروع.
وذكرت تقارير دولية أن انتشار الفساد في مختلف مؤسسات الدولة، بما في ذلك المؤسسات المالية، يسهل عمليات غسيل الأموال، مشيرة إلى وجود “أنشطة مشبوهة” تمر عبر النظام المالي المحلي، بينما تُستخدم آليات مثل التلاعب في سعر صرف العملة الأجنبية كأداة لغسيل الأموال.
وتسمح حالة الفوضى الأمنية وانتشار السلاح للميليشيات بالسيطرة على مناطق واسعة والمشاركة في الأنشطة الإجرامية دون رقابة فعالة. وتستفيد هذه الميليشيات من عمليات غسيل الأموال بعدة طرق حيث تستخدم الأموال غير المشروعة لتمويل عملياتها وشراء الأسلحة والذخيرة.
وتُشير تقارير إلى أن قادة الميليشيات وبعض المسؤولين الفاسدين يستغلون مناصبهم لتحقيق أرباح شخصية عبر هذه العمليات، مثل الاستيلاء على عائدات النفط وتهريب الوقود. وتفرض الميليشيات سيطرتها على قطاعات اقتصادية حيوية، مثل التهريب والاتجار بالبشر، لتوليد الأموال.
وتحاول بعضها “غسيل سمعتها” من خلال قبول حوافز من جهات دولية للعمل كشركاء في إنفاذ القانون، مما يساعدها على إضفاء الشرعية على وجودها وأنشطتها.
وتُشير بعض التقارير إلى أن الميليشيات تمارس نفوذًا كبيرًا على مؤسسات الدولة، بما في ذلك المصارف، لتسهيل عملياتها.
ويعتبر غسيل الأموال في ليبيا جزءا لا يتجزأ من الاقتصاد غير الرسمي الذي تتغذى عليه الميليشيات المسلحة، مما يؤدي إلى تفاقم الأزمات السياسية والاقتصادية والأمنية في البلاد. وتستمر الجهود الدولية والمحلية لمكافحة هذه الظاهرة، لكنها تواجه تحديات كبيرة في بيئة تتسم بالانقسام والصراع.
وكانت اللجنة الوطنية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب التابعة لمصرف ليبيا المركزي، قد كشفت بالفعل في بيان عن تحديات متصاعدة تواجه النظام المالي الليبي، لافتة إلى رصد تقارير دولية لأنشطة مالية مشبوهة تمر عبر المنظومة المحلية.
وتحذر جهات محلية من أن وصم ليبيا بغسل الأموال ووجود منافذ لذلك في مؤسسات الدولة، قد يرتد سلبا على وضع البلاد الهش وقد يؤدي في النهاية إلى تصنيفات سلبية من الهيئات المالية العالمية، وقد يترتب على ذلك فرض عقوبات أو قيود على التعاملات الخارجية، مما يضعف قدرة الاقتصاد الوطني على الصمود.
ومن شأن ذلك أن يفاقم متاعب الاقتصاد الليبي المتعثر ويؤثر على سمعة البلاد التي قد توصم بأنها ملاذ آمن أو مركز لتبييض الأموال.
يحذر الخبراء من أن استمرار العلاقة بين الجريمة المنظمة وغسيل الأموال يهدد بزيادة التدهور الأمني في ليبيا، ويعيق أي جهود لتحقيق الاستقرار السياسي.
كما أن هذا الوضع قد يدفع المؤسسات المالية الدولية، مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، لفرض عقوبات قاسية على ليبيا. ستؤثر هذه العقوبات سلبًا على الاستثمارات وتزيد من المصاعب الاقتصادية التي يواجهها المواطنون.
_____________