لا يبدو أن أحدًا مستعد أو قادر على إعادة إعمار مدينة بنغازي، حسب ما جاء في تقرير لصحيفة «الإيكونوميست» البريطانية.

تستهل الصحيفة تقريرها بالإشارة إلى أن مقبرة عمر المختار، البطل الليبي والعالم والمناهض للاستعمار، رُمِّمَت على نحو رائع، بعد أن تركها معمر القذافي بدافع من الغيرة مهملة في الصحراء لعقدين من الزمان؛ فقد صُمِّمت المصابيح ذات الأوراق الذهبية على الدرابزين حول المقبرة على غرار تلك التي تُزيِّن قصر باكنجهام، وتلمع الجدران ذات الشُرُفات بأرقى رخام إيطالي. وتتدلى ثريا ضخمة في الداخل، والتي جُلبت من مصر.

مدينة أشباح

لكن، وحسب ما تستدرك الصحيفة، عند النظر من خلال نوافذ المقبرة المقوَّسة فلن ترَ في محيطها إلا خراب جاثم على صدر المدينة؛ ثاني أكبر مدن ليبيا. وباتت المدينة تبدو مدينة أشباح محطَّمة، بعد أن كانت ذات يوم مدينة إيطالية ساحرة، تضم مقاهي ودور سينما مصممة على الطراز المعماري «آرت ديكو» و«قصر ملكي».

وغرقت المحكمة التي ثار فيها الليبيون ضد القذافي عام 2011 في مياه الصرف الصحي. وكُتبت عبارة «الوطن المفقود» على لوحة جرافيتية على أعمدة متكسرة تزين بنك روما القديم، وانهارت الخدمات في المدينة. وباتت القمامة مكدَّسة في الشوارع، وتتدفق النفايات إلى البحر، واضطرت المدارس في الأونة الأخيرة إلى الإغلاق بعد أن اجتاحتها عاصفة، وانتقل إليها المتربحون من الحرب والمهربون.

ولفتت الصحيفة إلى أن مدينة بنغازي، شأنها شان تلك المدن الرائعة الأخرى في الشرق الأوسط – حلب والموصل والرقة – سُلِبَت من أجل انتزاعها من الحكم الإسلامي. ولمدة ثلاث سنوات، قصف خليفة حفتر، وهو جنرال سابق تحول إلى أمير حرب يقود ما يسمى بالجيش الوطني الليبي، عاصمة المنطقة الشرقية الليبية (التي كانت تسمى ذات يوم برقة) من البر، والبحر، والجو، حتى سقطت في أيدي قواته. وفي أواخر عام 2017 مدَّت كل من مصر، وفرنسا، وروسيا، والإمارات العربية المتحدة، يد العون له، ثم تركوه ليديرها باعتبارها قاعدة له.

ولم تقترح الأمم المتحدة أي خطة لإعادة إعمار بنغازي. وفي 21 مارس (آذار)، استضافت الحكومة الإيطالية فعالية معمارية، حضرها العديد من المشاركين عبر تقنية الفيديو، للمطالبة بإعادة إحياء المدينةومع ذلك انشغل سماسرة السلطة الليبيين في طرابلس، عاصمة البلاد في الغرب، بالجدل حول عائدات النفط ومَنْ يجب أن يكون رئيسًا للوزراء. ويقول عاطف الحاسي، مهندس من بنغازي، آسفًا: «لا توجد إرادة حقيقية لإعادة بناء مدينتنا».

ذئبٌ يرعى الغنم

وتضيف الصحيفة أن حفتر، وعلى الرغم من الذي أصاب بنغازي، يروج لنفسه بأنه حامي حماها. ويقول شعار مكتوب على لوحة ترفرف على طول الكورنيش: «بيد نبني، وبالأخرى نحارب الإرهاب». ويتحدث السكان المحليون فقط عن الإرهاب الذي تسبب فيه أساسًا رجال حفتر، ويقولون إنه يبدد الأموال على المشروعات العسكرية ورواتب مقاتليه، الذين يزعم الأهالي أن عددهم يقدر بـ127 ألفًا

وفي عام 2018 ذكرت الأمم المتحدة أن لواءً بقيادة أحد أبنائه داهم البنك المركزي للمدينة، وسرق 300 مليون دولار بالعملة المحلية والأجنبية. ويقول رجل أعمال من بنغازي في المنفى: «أبناؤه أسوأ من أبناء القذافي».

ويخضع الصحافيون في المدينة للرقابة، وتُكمم أفواههم، وأضحى منتقدو حفتر عرضة للاختفاء. وذكرت صحيفة «وول ستريت جورنال» عام 2020 أن حفتر يكنز مخزونًا من الذهب مخبأ، أصله من فنزويلا. ومنذ أن أعاد فتح ميناء بنغازي عام 2018 أصبح مركزًا تجاريًا للكبتاجون، وهو أمفيتامين مصنوع في سوريا. ويقول أكاديمي محلي: «المخدرات هي النشاط التجاري الرئيس للنمو في بنغازي». ويُقال إن التجار يُبيِّضون أموالهم في متاجر الملابس الفاخرة، والمطاعم على طول شارع البندقية. ويزدهر صائغو المجوهرات الذين يقدمون خدماتهم لرجال العصابات.

أمل تبدد

وتنوِّه الصحيفة إلى أن أهل بنغازي كان يحدوهم الأمل في أن يشرع عبد الحميد الدبيبة، رئيس الوزراء الليبي المحاصر ومقره طرابلس، في إعادة إعمار بنغازي. وكان الدبيبة قد كشف النقاب في مايو (آيار) الماضي عن حزمة مالية لإعادة الإعمار كانت تشمل المدينة. وشبهه المتفائلون برفيق الحريري، رجل الأعمال اللبناني الذي استخدم شركته الخاصة لإعادة إعمار بيروت بعد حربها الأهلية (قبل اغتياله). 

وتقول الصحيفة في ختام تقريرها: إن مشروعات مختلفة غير مكتملة، مثل الملعب الأوليمبي الذي أشرف عليه الدبيبة في عهد القذافي، قد تكتمل. ولكنَّ مسلحي حفتر منعوا الدبيبة من زيارة معقلهم، ولم تتحول المخصصات المالية لتلك المشروعات إلى واقع ملموس قط. وأحيت الانتخابات العامة التي كان مقررًا إجراؤها في ديسمبر (كانون الأول) الآمال في كسر الجمود، لكنها تأجلت مرارًا، وفي هذه الأثناء تغرق بنغازي في غياهب الإهمال.

______________

مقالات مشابهة