ياسر خليل

 رغم المؤشرات الإيجابية، ثمة تحركات تركية يفسرها بعض المتابعين على أنها تشكل تهديداً متعمداًلمصالح القاهرة.

ما مصير الانفتاح التركي – المصري؟

شهدت العلاقات المصرية التركية تحسناً تدريجياً خلال السنوات الثلاث الماضية. وبعد زيارات ولقاءات متكررة بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بدا الأمر وكأن البلدين تجاوزا سنوات من التوترات السياسية التي نشبت بعد إطاحة جماعة الإخوان المسلمينوحلفائها الإسلاميين من سدة الحكم في مصر عام 2013.

لكن رغم المؤشرات الإيجابية، ثمة تحركات تركية يفسرها بعض المتابعين على أنها تشكل تهديداً متعمداًلمصالح القاهرة. ومن الأمثلة الأخيرة ما يتعلق بالأوضاع في سوريا، وكذلك الزيارات التي قام بها مطلوبون أمنيون منتمون إلىالإخوان”  لدمشق، ولقاء بعضهم مسؤولين في الحكومة السورية الجديدة المدعومة من تركيا، وأيضاً تحركات أنقرة في منطقة القرن الأفريقي وليبيا والسودان، وكلها مناطق تؤثر مباشرةً على الأمن القومي والمصالح المصرية.

هذا التناقض يطرح تساؤلات بشأن وجهة العلاقات بين البلدين، وما إذا كانا قد نجحا بالفعل في تجاوز خلافاتهما أم لا.

خلافات وتلاق

ترى أستاذة العلوم السياسية وعضو الهيئة الاستشارية للمجلس المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية الدكتورة  نهى بكر، أن العلاقات بين القاهرة وأنقرة تعد موضوعاً مثيراً للاهتمام في ظل الأوضاع الإقليمية والعالمية المتغيرة.

وتقول لـالنهار“: “رغم وجود خلافات تاريخية وسياسية بين البلدين، إلا أن هناك نقاط تلاق ومصالح مشتركة يمكن أن تُبرز أهمية التعاون بينهما“.

ومن تلك النقاط، بحسب بكر: “الأمن الإقليمي، ومحاربة الإرهاب، إذ تواجه كل من مصر وتركيا تحديات أمنية تتعلق بالإرهاب. أيضاً، الاستقرار في ليبيا، فرغم اختلاف رؤى الدولتين بشأن كيفية تحقيق ذلك، تشكل ليبيا نقطة تقاطع مهمة للمصالح الاستراتيجية للقاهرة وأنقرة، وتسعى كلتا الدولتين لدعم الأطراف التي ترى أنها الشرعية في النزاع الليبي، إلا أن وحدة الهدف يمكن أن تفسح مجالاً للتعاون في سبيل الوصول إلى حل سياسي شامل يسهم في استقرار البلاد”.

وتضيف: “التعاون الاقتصادي والتجاري نقطة تلاق أخرى، إذ تعاني دول عدة آثار الأزمات الاقتصادية العالمية، ولهذا فإن تعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية بين مصر وتركيا يمكن أن يعزز من النمو والتنمية. ويمكن أن يشمل ذلك الاستثمارات المشتركة وتوسيع التبادل التجاري والتشارك في تحالفات اقتصادية تدعم نمو اقتصاد الدول النامية”.

وتعتبر بكر أن القضايا الإقليمية الكبرى مثل القضية الفلسطينية هي نقطة إضافية، فتوجه الدولتين هو حل الدولتين، ووقف إطلاق النار في قطاع غزة، ودعم جهود الإغاثة. كما أن التقارب الثقافي والديني نقطة حيوية، فالدولتان تمتلكان إرثاً ثقافياً ودينياً غنياً، ما يتيح لهما فرصاً للتعاون في مجالات الثقافة والتعليم وتعزيز الوعي المشترك“.

لكن بكر تتطرق إلى نقاط خلافية عدة، من أبرزها الأزمة السورية حيث دعمت تركيا الفصائل السورية المعارضة، بينما كانت تؤيد مصر حلاً وطنياً للأزمة، وكذلك ملف الإخوان، وتقول: “تعتبر مصر قيادة وشعباً أن الجماعة تنظيم إرهابي، بينما تحتضن تركيا قيادات ’الإخوان‘ وتعتبرهم جزءاً من مشهد المعارضة، هذا إلى جانب مسألة حقول الغاز  شرق البحر المتوسط حيث تسعى تركيا لتعزيز وجودها في المنطقة، ما يتعارض مع مصالح مصر وقبرص واليونان“.

وتخلص إلى أنه يمكن القول إن العلاقات بين الدولتين معقدة، تتداخل فيها المصالح الوطنية والتحديات الإقليمية. والتغلب على هذه الخلافات يتطلب جهوداً ديبلوماسية، وتعزيز الحوار والتفاهم، والتزام تركيا عدم محاولة فرض رؤيتها الأيديولوجية ورغبتها في وضع يدها على ما هو دون حدودها في غاز المتوسط“.

مرحلة متقدمة

ويعتقد الباحث في الشأن التركي الدكتور علي باكير أن الطرفين لم يتغاضيا عن أي شيء خلافي خلال المرحلة السابقة، لكنه يرى أن بعض الأمور المتعلقة بالاقتصاد والسياسة كانت أسهل من غيرها من المواضيع التي تتضمن طرفاً ثالثاً أو أكثر، خصوصاً على المستوى الإقليمي كترسيم الحدود شرق المتوسط أو الملف الليبي أو القضية الفلسطينية.

ويقول الباحث التركي الذي يعمل أستاذاً مساعداً في جامعة قطر لـالنهار“: “أعتقد أنّ الطرفين دخلا مرحلة جديدة، وتجاوزا مرحلة التطبيع منذ فترة، لا سيما بعد الزيارات الرسمية المتبادلة على مختلف المستويات، بما في ذلك رئاسة الجمهورية”.

ولا يرى باكير أنّ هناك مواقف موجّهة ضد مصر، ويقول: “على العكس، فتركيا ساهمت على سبيل المثال في التوسط بين الصومال وإثيوبيا، وهو ملف كان من الممكن أن يهدد مصر مباشرةً، ويصب الآن في مصلحة القاهرة“.

ويضيف: “الأمر نفسه في ليبيا، حيث يسعى الطرفان إلى استقرار ليبيا، وتحقيق تقدّم في العملية السياسية، كما أنّ الموقف التركي كان مسانداً لموقف مصر من التطورات على الجبهة الفلسطينية، ويتطلع الطرفان إلى سوريا مستقرة، آمنة، موحّدة، وخالية من الإرهاب”.

ويشير إلى أنه ربما هناك من يريد أن يخلق فتنة في الوضع الحالي انطلاقاً من تخوّف من أن يستتبع التحول في سوريا تحوّلاً في أماكن أخرى في المنطقة، لكن الواقع أثبت أن السوريين يريدون أن ينشغلوا بأنفسهم وليس في بث الخوف لدى أي أطراف إقليمية ودولية”.

______________

مقالات مشابهة