عبدالله الكبير
ينسب للرئيس الكوبي الراحل فيديل كاسترو أنه سئل في موسم الانتخابات الأمريكية عام 1960، أي من المرشحين يفضل، ريتشارد نيكسون الجمهوري أم جون كيندي الديمقراطي؟
فأجاب : لا يمكن المفاضلة بين زوجي حذاء في قدمي الشخص ذاته، أمريكا يحكمها حزب واحد هو الحزب الصهيوني، ولكن بجناحين، الجمهوري وهو يجسد القوة الصهيونية الخشنة المتشددة، والديمقراطي الذي يمثل القوة الناعمة.
ليس ثمة فارق في الأهداف والاستراتيجيات، المختلف بينهما هي الوسائل والأسلوب والأدوات، لذلك ثمة مساحة للحركة تمنح الرئيس بعض الخصوصية.
ومن بين مقالات سياسية لا تعد ولا تحصى قرأتها طوال العقود الماضية، لم ولن أنسى مقال للكاتب المصري الراحل فيليب جلاب، في عموده الأسبوعي بصحيفة الأهالي المصرية، وكانت المناسبة هي الانتخابات الأمريكية في عقد الثمانينات,
خلاصة المقال أن الحزب الجمهوري والحزب الديمقراطي في أمريكا، هما الأهلي والزمالك في مصر، يتناوبان على مسابقات كرة القدم الموسمية، وكل له مشجعون وجمهور وأنصار، ويحتدم الجدل والخلاف زمن المواجهة المباشرة بينهما، ثم ينصرف الجميع إلى شؤونهم من دون أن يتغير شئ.
وينسحب الأمر نفسه على الانتخابات الأمريكية بين القطبين الكبيرين، الحزب الجمهوري والحزب الديمقراطي، ويرتفع مستوى الضجيج زمن المواجهة بين مرشحيهما زمن الانتخابات، ولكن لا يتغير شئ تقريبا في الأهداف والاستراتيجيات.
الاستعارة في المثالين صائبة إلى حد بعيد، فالرئيس كاسترو لم يجانب الصواب حين نفى وجود أي فارق بين مرشحي الحزبين الجمهوري والديمقراطي في أمريكا، وكذلك لا فوارق جوهرية في سياسات واستراتيجيات الحزبين عند تولي القيادة، تماما كقطبي كرة القدم المصرية، خطط لعب متشابهة وسعي لانتزاع الفوز وهيمنة مطلقة على الفرق الصغيرة.
الاختلاف بين رئيس أمريكي وآخر مؤكد في السياسات الداخلية، الخاصة بالضرائب والخدمات والتأمين الصحي وغيرها، وهذه تعني الشعب الأمريكي لأنه هو من سيتأثر بها سلبا أو إيجابا، أما السياسة الخارجية التي تهم كل الدول تقريبا نظرا باعتبار أمريكا هي القوة الأعظم في هذا العصر، فتحكمها ثوابت لا يستطيع أي رئيس تغييرها أو الانحراف عنها.
في منطقة الشرق الأوسط، الرئيس الأمريكي سيساند دولة الاحتلال الصهيوني في فلسطين المحتلة، بصرف النظر عن انتمائه للحزب الجمهوري أو الديمقراطي، هذا من أهم ثوابت السياسة الأمريكية، بل إن المنافسة بين المرشحين خلال الحملة الانتخابية، تقودهما بالضرورة إلى التباري والمزايدة حول الخدمات والمزايا التي ستصيب دولة الاحتلال بعد الفوز بالمنصب، وطوال كل مراحل الصراع العربي مع دولة الاحتلال، كانت أمريكا الداعم الأكبر للمحتلين ضد كل من يعتبرونه عدوا لسياساتهم العدوانية.
في كل العقود الماضية لم تتغير السياسات الأمريكية في المنطقة العربية، مع تناوب الحزبين على مقعد الرئاسة وعضويات الكونغرس، دعم مطلق لكيان الاحتلال وللسلطات الدكتاتورية القمعية، ولن يحدث أي تأثير جوهري مع عودة ترمب للبيت الأبيض.
صحيح أنه طراز مختلف عما عرفناه من الرؤساء، أي أنه رئيس غير تقليدي، والمؤكد أنه سيخالف في بعض قراراته وسياساته المؤسسة التقليدية أو ما يعرف في الأدبيات السياسية بالدولة العميقة، وأن صفاته كشخص أناني متضخم الأنا ومتقلب، ولا يمكن التنبؤ بمواقفه وردود أفعاله، ستكون حاضرة وموجهة ومؤثرة في مواقفه من القضايا الدولية،
وهذا بالضرورة يحتم عدم الإفراط في التفاؤل أو التشاؤم، لأن كل ماهو متوقع وماهو غير متوقع قد يأتي به، ويحتم أيضا الاستعداد لكل السيناريوهات سواء في القضية الفلسطينية أو الحرب في أوكرانيا، وغيرها من القضايا والملفات الساخنة.
__________________