هدى الطرابلسي
ردت وزارة الخارجية والتعاون الدولي في طرابلس أن هذا الملف قد أُغلق بصورة كاملة منذ أكثر من عقد من الزمن
أعلن وزير الدفاع التونسي خالد السهيلي قبل أيام بدء العمل بلجنة مشتركة لترسيم الحدود مع ليبيا، كاشفاً عن نيته زيارة المنطقة الحدودية للاطلاع مباشرة على الأوضاع هناك.
أثار تصريح وزير الدفاع التونسي خالد السهيلي حول ضرورة توضيح الحدود المشتركة بين تونس وليبيا حفيظة الجانب الليبي الذي دعا إلى عقد جلسة برلمان طارئة للنظر في الموضوع.
وأعلن السهيلي قبل أيام بدء العمل بلجنة مشتركة لترسيم الحدود مع ليبيا، مؤكداً حرص تونس على حماية سيادتها وعدم التفريط بأي “شبر من أراضيها” خلال جلسة أمام البرلمان حول موازنة الوزارة، مشدداً على أن هذه اللجنة تهدف إلى توضيح الحدود المشتركة، وأشار إلى نيته زيارة المنطقة الحدودية للاطلاع مباشرة على الأوضاع هناك.
وردّت وزارة الخارجية والتعاون الدولي في طرابلس على تصريح وزير الدفاع التونسي في بيان لها، أن ملف “ترسيم الحدود الليبية–التونسية” أُغلق بصورة كاملة منذ أكثر من عقد من الزمن، من خلال لجنة مشتركة بين البلدين، وأصبح منذ ذلك الحين ملفاً مستقراً وثابتاً وغير مطروح للنقاش أو إعادة النظر.
وأشادت الوزارة في البيان ذاته “بمستوى التعاون والتنسيق القائم بين الحكومتين الليبية والتونسية، بخاصة في المجالات التي تسهم بتعزيز الأمن والاستقرار وتعزيز فرص التجارة والاستثمار المشتركة، فضلاً عن تحسين ظروف السفر وتنقل المواطنين بين البلدين الشقيقين“.
سيادة وطنية
وأكدت الوزارة التزام البلدين تكثيف الجهود لضمان تحقيق مزيد من التقدم والتنمية المشتركة التي تعود بالنفع على الأصعدة كافة في ليبيا وتونس.
ولمعرفة حقيقة الخلاف بين الطرفين، يوضح أستاذ الجامعة التونسية في العلوم الجيوسياسية رافع الطبيب أن “موضوع تقسيم الحدود بين البلدين تم طرحه منذ عام 1906 بين الإمبراطورية الفرنسية الاستعمارية من الجانب التونسي والاستعمار العثماني ثم الإيطالي من الجانب الليبي، وحينها كان رسم الحدود واضحاً ومتفقاً عليه بين الطرفين، ووجدت كل الوثائق التي تظهر هذا التقسيم“، لكنه يستدرك في تصريح خاص أن “اليوم أعيد طرح الموضوع لأنه تم التعدي على بعض العلامات المرسومة في فترة ما، بخاصة في أعقاب الفوضى العارمة التي عرفتها ليبيا بعد عام 2011 من قبل المهربين“.
ويرى الطبيب أنه “من واجب الدولة التونسية إعادة رسم الحدود وهذا في صلب سيادتها الوطنية على أراضيها“، قائلاً “أما بخصوص الجانب الليبي الذي قال إن هذا لا يتم إلا في إطار اتفاقات، فنقول له إن تونس دولة مركزية ولها عقيدة عسكرية وتونس دولة قائمة الذات، في المقابل فإن الجانب الليبي يضم مجموعات مسلحة وأخرى غير متجانسة ومتصارعة في ما بينها، بالتالي من حق تونس حين تطرح هذه المسألة أن تعرف مع من ستتعامل بمنطق الدولة“، وأردف أنه “في ظل غياب الدولة بليبيا، لا يمكن أن تكون الجهات التي تسيطر على المنطقة الغربية الليبية هي التي ستحدد معها تونس الحدود“.
وتابع “نذكّر هنا بأن تونس عندما كانت الجزائر تحت الاستعمار رفضت رسم الحدود بين البلدين لحين قيام دولة مستقلة في القطر الجزائري، واليوم الأمر نفسه فلا يمكن أن تتعامل تونس مع فوضى على حدودها، وعندما تكون ليبيا دولة مستقلة الذات يمكن الحديث عن تعامل بينها وتونس، بالتالي على تونس كدولة لها سيادة أن تقوم بنفسها بإعادة رسم وتحديد هذه الحدود لأنها مسألة لها علاقة بالأمن القومي“.
ويضيف رافع الطبيب “أستغرب حين أسمع أحد الوزراء الموجودين بطرابلس الليبية يقول ’علاقاتنا طيبة مع تونس‘ فيما لم تكُن لهذه الحكومة الموجودة في طرابلس أية إرادة لتحسين العلاقات مع تونس، والدليل على ذلك غلق المعبر الحدودي ’راس الجدير‘ بطريقة عشوائية وكأن الهدف غير المعلن من وراء ذلك تطوير التجارة مع تركيا وضرب الصناعة التونسية والتجار التونسيين، وأيضاً تهديد الأمن القومي التونسي في الجنوب عبر التضييق على الاقتصاد والتجارة بين البلدين“.
وأعرب عن اعتقاده بأن “كل هذا سببه واضح أن حكومة طرابلس لا تتحكم في شيء لا معابر ولا حدود، ونعلم جيداً أن الدول التي لها حضور عسكري في الغرب الليبي هي التي تتحكم هناك، بالتالي أي نوع من أنواع النقاش في هذه المسائل سيكون مع الأطراف الأجنبية التي تتحكم في الغرب الليبي، تحديداً الطرف التركي والطرف الإيطالي وبعض الشركات الأميركية، بالتالي لا وجود لما يسمى ’حكومة طرابلس‘“.
فوضى البيانات
من جانب آخر، يعتقد الصحافي المتخصص في الشأن الليبي محمد بوعود بأن “المسألة قابلة للحل إذا تم تداولها بين البلدين، بعيداً من ضوضاء الإعلام وفوضى البيانات“، موضحاً أن “المسألة تعود لخلاف بسيط بين قبيلة ليبية وأفراد من الحرس التونسي وقع على إثره التقدم نحو نقطة حدودية من قبل الجانب الليبي في منطقة معينة لا تتجاوز بضعة الهكتارات“.
ويردف أن “هذا الحدث استدعى مناقشة مجلس نواب الشعب التونسي بحضور وزير الدفاع الذي طرح الملف وجعل القبائل الليبية في هذه المنطقة تصدر بيانين وتعتبر أن هذه الأراضي تخصها، بالتالي فإن الحكومة الليبية مجبرة على الوقوف مع هذه القبائل“، وأعلن أن “البرلمان الليبي سينعقد بعد غد الثلاثاء في جلسة طارئة للنظر في هذا الأمر، في حين أن وزارة الخارجية الليبية قامت باتصالات مع الطرف التونسي“.
ويرى بوعود أن “لهجة البيان الليبي مناسبة لمواصلة الحوار لحل هذا النزاع الجزئي البسيط الذي لا يرتقي إلى مستوى الخلاف بين القطرين الشقيقين، بخاصة أن ملف الحدود تم رسمه منذ عقود وتمت إعادة رسمه حتى بعد عام 2011 من خلال لجنة مشتركة بين البلدين، وآخر خلاف في هذا الصدد يرجع إلى سبعينيات القرن الماضي في مسألة الجرف القاري التي تم حسمها وطويت نهائياً“.
ويعتقد بوعود بأن “ليبيا وتونس لا تحتاجان إلى تحديد حدود ولا خلافات بينهما باعتبارهما بلدين جارين شقيقين، بالتالي فإن تكثيف الاتصال والتواصل بينهما بعيداً من الإعلام والجدل السياسي كفيل بحل هذا النزاع“.
ويشار إلى أن بين البلدين حدوداً تمتد مسافة 459 كيلومتراً، وتضم معبرين هما “رأس جدير” و“وازن – ذهيبة“.
_____________