سببان وراء تسمية «فاغنر» بالفيلق الأفريقي
قدم معهد الدراسات الأمنية الأفريقي احتمالين لسبب إعادة موسكو تسمية الشركة العسكرية الروسية «فاغنر» بالفيلق الأفريقي بعدما وضعتها تحت سيطرة وزارة الدفاع الروسية، مشيرا إلى توقيع ليبيا عقدا معها مرتبطا بهذا التطور الجديد.
ومنذ عام 2017، استخدمت روسيا «فاغنر» كاستراتيجية منخفضة التكلفة لزيادة موطئ قدمها في أفريقيا.
وكان أحد محاور عمليات «فاغنر» هو منطقة الساحل وهي منطقة غنية بالمعادن وتعج بالتطرف العنيف والصراعات المحلية والانقلابات العسكرية ومؤخرا ساحة معركة بين القوى العالمية وفق ما ينقل تقرير لمعهد الدراسات الأمنية الجنوب أفريقي.
موسكو والانقلابات العسكرية في دول الساحل
وأدت الانقلابات العسكرية الأخيرة في حزام الساحل إلى توتر العلاقات بين بعض دول الساحل والغرب. ومن خلال استغلال هذا الوضع، نجح الكرملين في جعل نفسه محبوبا من المجلسين العسكريين في مالي وبوركينا فاسو.
وقد كان زعيم «فاغنر» السابق يفغيني بريغوزين الرجل الرئيسي لروسيا في أفريقيا. وقبل شهر من وفاته في حادث تحطم طائرة في 23 أغسطس 2023، شوهد بريغوجين في القمة الروسية الأفريقية في سان بطرسبرغ، مما يشير إلى استخدام موسكو لمجموعة المرتزقة لتعزيز نفوذها العسكري في أفريقيا.
وبعد وفاته، ثارت التساؤلات حول مستقبل «فاغنر» ووجودها في أفريقيا، حيث تحوّلت المجموعة إلى كيان فريد تحت قيادة بريغوجين وديمتري أوتكين (الذي توفي في نفس حادث تحطم الطائرة). وقد امتدت عمليات المجموعة الروسية إلى الشرق الأوسط (سورية)، وأمريكا اللاتينية (فنزويلا)، وأفريقيا (جمهورية أفريقيا الوسطى، ومالي، والسودان، وليبيا، وموزمبيق، ومدغشقر).
الكرملين حافظ على سياسة الغموض المتعمد
وحسب التقرير الأفريقي، حافظ الكرملين على سياسة الغموض المتعمد، رافضا الاعتراف بارتباطه بـ«فاغنر». ولكن بعد وفاة بريغوجين، اعترف الرئيس فلاديمير بوتين بأن حكومته قامت بتمويل المجموعة شبه العسكرية.
وساق المصدر أسباب تحرك روسيا لإنشاء الفيلق الأفريقي من منظورين متداخلين محتملين. أولاً، من خلال السيطرة على المجموعة، ربما تحاول موسكو تجنب أخطاء الماضي، إذ أدى استقلالية «فاغنر» وقوته إلى معركة سيادة بين بريغوجين وكبار مسؤولي الدفاع الروس، والتي اندلعت في تمرد فاشل شهد زحف جنود المجموعة على موسكو في يونيو 2023.
وثاني منظور، يمكن أن تكون مواءمة عمليات «الفيلق الأفريقي» مع السياسة الخارجية الروسية ومصالحها الأمنية والتزاماتها الدولية جزءاً من الاستراتيجية العسكرية طويلة المدى للبلاد في أفريقيا. وباعتبارها وحدة تابعة لوزارة الدفاع، يمكن نظريا أن تتحمل روسيا المسؤولية عن الانتهاكات المرتكبة أثناء العمليات العسكرية. وقد شوهت الادعاءات المتكررة بارتكاب فظائع في وسط وشمال مالي سمعة روسيا على مر السنين. وفق تعبير المعهد الأفريقي.
وقد أبدى الكرملين اهتماماً بملء الفراغ الذي تركته فرنسا وحلفاؤها الغربيون في منطقة الساحل في أعقاب الانقلابات العسكرية الأخيرة.
كراهية تجاه فرنسا والغرب
وتابع مركز السياسات الأمنية، أن الكراهية تجاه فرنسا والغرب كانت من بين الدوافع وراء الانقلابات العسكرية، لذلك ترى روسيا منطقة الساحل كمنطقة جاهزة لوضع موطئ قدم لها باستخدام الفيلق الأفريقي.
وفي الوقت نفسه، أبدت دول الساحل التي شهدت انقلابات في السنوات القليلة الماضية إعجابا كبيرا بموسكو، فقد التقى بوتين وأجرى محادثات مع زعيم بوركينا فاسو الموقت إبراهيم تراوري خلال القمة الروسية الأفريقية في يوليو 2023. وزار نائب وزير الدفاع الروسي يونس بك يفكوروف ليبيا في أغسطس والنيجر في ديسمبر قبل أن يسافر إلى مالي. وفي 24 يناير 2024، التقى بوتين بمحمد إدريس ديبي، القائد العسكري التشادي الذي تولى السلطة في انقلاب ناعم عام 2021 .
كيف دشن الفيلق الأفريقي عملياته؟
كما ظهرت عمليات الفيلق الأفريقي لأول مرة على قناة «تليغرام» لتغطية وصول وحدة روسية قوامها 100 جندي إلى واغادوغو، عاصمة بوركينا فاسو. وكانت القوات هناك لحماية تراوري من التهديدات الإرهابية.
وأكد أن الفيلق الأفريقي قد بدأ في استيعاب عمليات «فاغنر» في منطقة الساحل وخارجها، وأعاد التعامل مع البلدان التي كانت لدى «فاغنر» عقود معها. وقد وقعت ليبيا ومالي وبوركينا فاسو بالفعل اتفاقيات مع وزارة الدفاع الروسية، وتتفاوض جمهورية أفريقيا الوسطى حاليا مع الحكومة الروسية لبناء قاعدة عسكرية.
وفي سبتمبر 2023، أعلنت بوركينا فاسو ومالي والنيجر عن تشكيل تحالف دول الساحل. وجاء ذلك ردا على تهديد تدخل المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا «إيكواس» في أعقاب الانقلاب العسكري في النيجر في 26 يوليو. وفي أواخر يناير من هذا العام، أعلنت الدول الثلاث انسحابها من المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا.
ويتوقع المعهد محاولة روسيا توسيع نفوذها من خلال تقريب تشاد من ثالوث بوركينا فاسو ومالي والنيجر. وعلى الرغم من أن دور روسيا في انسحاب هذه الدول غير واضح، إلا أن منسق السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل ألمح إلى تورط روسيا «من المهم للغاية أن هذه الدول الثلاث، وجميعها ذات ديكتاتوريات عسكرية، قررت مغادرة الهيئة الإقليمية في نفس الوقت بينما نرى تزايد النفوذ الروسي». وقال بوريل إن هذه التطورات خلقت «تكوينًا جيوسياسيًا جديدًا» في منطقة الساحل.
والآن بعد أن خرجت بوركينا فاسو ومالي والنيجر من الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا وشكلوا تحالف دول الساحل، فمن المرجح أن تقدم روسيا – من خلال الفيلق الأفريقي – نفسها كحليف أمني وضامن للدول الثلاث وقد تختلف كيفية تنفيذ ذلك بالنسبة لكل دولة.
وختم المعهد الأفريقي بأن «فيلق أفريقيا» المعاد تسميته يسمح لروسيا بتوسيع نفوذها في القارة من خلال وسائل الدولة المباشرة. ومع استمرار عدم الاستقرار في منطقة الساحل وخروج المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا، فمن المتوقع أن تكون روسيا حليفا أمنيا جذابا. وفي حين يبدو أن الفيلق الأفريقي يمثل النهاية الحادة للاستراتيجية الأمنية الروسية في منطقة الساحل المضطربة، فإن هدفه على المدى الطويل سيكون بلا شك توسيع نفوذه عبر أفريقيا.
_______________