يبدو أن إشادة المبعوث الأممي في ليبيا، بمبادرة المجلس الرئاسي برئاسة محمد المنفي ورئيس الحكومة عبدالحميد الدبيبة لتحقيق التوافق بين أطراف العملية السياسية، نابعة من أمرين:
الأول أنها نسخة ليبية من مبادرة المبعوث الأممي عبدالله باتيلي، التي أطلقها في 3 ديسمبر الماضي، حول ضرورة إطلاق حوار بين المجالس الثلاثة (الرئاسي والنواب والأعلي للدولة) وتسريع الجهود لإيجاد الحل وإنهاء المأزق الحالي الذي تعيش فيه البلاد.
أما السبب الثاني، بحسب ما ألمحت ورقة نشرها موقع الشارع السياسي، فهو ترجيح “أن يلجأ المبعوث الأممي، بدعم من الدول الغربية، إلى وضع آلية بديلة عن مجلسي النواب والدولة، لوضع قاعدة دستورية واعتماد قوانين للانتخابات“.
ولفتت الورقة، بعنوان “هل تنجح مبادرة المجلس الرئاسي في حل الأزمة الليبية؟“، إلى أنه مع إطلاق مبادرة المجلس الرئاسي ضمن اجتماع عقد بين 8 و12 يناير الجاري، أشاد بها باتيلي، بزعم تحقيق التوافق بين أطراف العملية السياسية، وأثنى على الخطوات التي قطعها مشروع المصالحة الوطنية، مجددًا دعم البعثة الأممية لهذه الجهود.
ومما استندت إليه في ترجيحاتها؛ أن الدول الغربية أمريكا وألمانيا وبريطانيا وإيطاليا تماهت مع دعوة باتيلي، حيث جاءت البيانات الصادرة عن هذه الدول بصيغة موحدة، وكلها احتوت على صيغة هامة وردت في كل بيان وتنص على أنه “إذا لم تتمكن المؤسستان مجلسا النواب والأعلى للدولة من التوصل إلى اتفاق سريع بشأن خارطة طريق انتخابية نزيهة، فيمكن، بل ينبغي، استخدام آليات بديلة لاعتماد قاعدة دستورية للانتخابات“.
الحلول البديلة
الحلول البديلة في حال فشلت المبادرة؛ بحسب “الشارع السياسي” لم يعلن باتيلي شكل هذه الآلية تدور بعدة خيارات بينها تكرار نفس تجربة المبعوثة الأممية السابقة بالنيابة الأمريكية ستيفاني وليامز، عندما شكلت ملتقى الحوار الوطني من 73 عضوا، بينهم 26 عضوا من مجلسي النواب والدولة.
وأضافت ، يمكن لباتيلي استبعاد كامل أعضاء مجلسي النواب والدولة من الهيئة المرتقبة لتحل محل السلطة التشريعية بغرفتيها، لكن ذلك سيلقى معارضة من البرلمان الذي لن يتنازل عن سلطته بسهولة.
واعتبرت أن الاحتمال الآخر، أن يتولى المجلس الرئاسي حل مجلسي النواب والدولة بأمر رئاسي وبدعم دولي، ويتولى السلطتين التشريعية والتنفيذية بشكل يتيح له وضع قاعدة دستورية وإصدارها بأمر رئاسي، وكذلك الأمر بالنسبة لقوانين الانتخابات والإشراف على تنفيذ وتأمين الاقتراع.
وبناء على هذه الاعتبار “سيجد المجلس الرئاسي برئاسة محمد المنفي، صعوبات في إجراء الانتخابات لعدم امتلاكه قوة مسيطرة على الأرض، فحفتر يسيطر على الكتائب في الشرق والجنوب، والدبيبة يتحكم في أغلب الكتائب بالغرب، وإذا تم استبعادهما من المشهد فلن يسمحا بإجراء الانتخابات، ولحدوث هذا السيناريو فيجب علي المنفي التقارب مع الدبيبة وحفتر، وهو ما يحدث بالفعل“.
“الدبيبة” و“حفتر“
الورقة كشفت عن تقارب بين الدبيبة وحفتر برعاية أبوظبي ، وأن ذلك بعد دعمها؛ مبادرة المجلس الرئاسي خاصة بعد لقاء رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي بخليفة حفتر، خلال زيارته الأخيرة قبل أيام إلى القاهرة؛ للتشاور حول الانسداد السياسي الحاصل في البلاد.
ولفتت إلى عرض المنفي على حفتر إسقاط مجلسي النواب والدولة وحلهما، في مقابل أن يصدر المجلس الرئاسي قاعدة دستورية تسمح لحفتر بالترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة.
وكشفت التقارير الإعلامية عن وجود اتفاق بين الفاعلين الأساسيين على فسح المجال أمام حفتر للترشح للانتخابات الرئاسية شريطة أن يتخلى عن قيادة الجيش والجنسية حال نجاحه في الدور الأول من الانتخابات.
وأضافت التسريبات المنشورة أن “الاتفاق يقضي بألا يبدي الدبيبة وفريقه أي معارضة لهذا الإجراء شريطة أن يُسمح له بالترشح للمنافسة على كرسي الرئيس أيضًا، وهو ما يعني أن يتكفل الرجلان بإبعاد النواب والدولة جانبا بقوة الأمر الواقع، وإتاحة المجال أمام الرئاسي لإصدار قاعدة دستورية تتيح لهما التنافس“.
وعن مؤشرات التقارب بين الدبيبة وحفتر، نبهت الورقة إلى إطلاق قوات عسكرية من مدينة الزاوية سراح اللواء طيار، عامر الجقم، الذي سبق القبض عليه بعد إسقاط طائرته خلال هجوم قوات حفتر على طرابلس عام 2019، وذلك ضمن عملية تبادل أسرى مع قوات حفتر التي أفرجت بالمقابل عن 15 أسيرا لديها، حيث تأتي صفقة تبادل الأسرى في إطار المحادثات المستمرة بين ممثلين عن رئيس الحكومة، عبد الحميد الدبيبة، وممثلين عن القائد العسكري، خليفة حفتر، في الإمارات.
ولعبت أبو ظبي دورا أساسيا في إتمام الصفقة عبر التوسط بين الطرفين، وبالتحديد بين صدام نجل حفتر وعبد الغني الككلي، رئيس جهاز دعم الاستقرار التابع لحكومة الوحدة الوطنية.
وكان “الدبيبة” قد أقال رئيس مجلس إدارة المؤسسة الوطنية للنفط “مصطفى صنع الله”، في 7 يوليو 2022، وعيّن “فرحات بن قدارة” رئيسا للمؤسسة، بالإضافة إلى إعادة تشكيل مجلس إدارتها.
ويُعد “بن قدارة” الذي شغل منصب رئيس البنك المركزي الليبي في عهد “معمر القذافي” أحد أقرب الحلفاء للقائد العسكري “خليفة حفتر” وأفادت تقارير بمفاوضات قد جرت بين ممثلين عن “الدبيبة” و”حفتر” في أبو ظبي خلال شهر يونيو الماضي، كان “بن قدارة” نفسه أحد ممثلي وفد “حفتر” التفاوضي خلالها.
إلى هنا وصل المشهد
ورقة “الشارع السياسي Political Street” لفتت إلى إشارات تأزم سياسي أعقبها “إطلاق المجلس الرئاسي مبادرة حل الأزمة السياسية الليبية في هذا التوقيت“.
وأبرز هذه الإشارات
1- تفاقم الأزمة السياسية في ليبيا بعد تأجيل الانتخابات التي كانت مقررة في ديسمبر2021، وتعمق الانقسام السياسي حين كلف مجلس النواب فتحي باشاغا، في فبراير 2022، بتشكيل حكومة جديدة، ما أوجد حكومتين تتصارعان على السلطة، الأولى حكومة فتحي باشاغا التي كلفها مجلس النواب في طبرق، والثانية حكومة عبد الحميد الدبيبة المعترف بها دوليًا في طرابلس، والذي يرفض تسليم السلطة إلا لحكومة تكلف من قبل برلمان جديد منتخب.
2- استمرار الخلافات بين مجلسي النواب والدولة حول التوافق على قاعدة دستورية تقود البلاد لانتخابات رئاسية وبرلمانية، وهي الخلافات التي تركزت بصورة رئيسية علي شروط الترشح للرئاسة؛ في ظل تمسك المجلس الأعلي للدولة بإقرار قاعدة دستورية تقضي بإقصاء العسكريين ومزدوجي الجنسية من الترشح للانتخابات، فيما يصر مجلس النواب على عكس ذلك؛ من أجل السماح لحليفه خليفة حفتر بالترشح للانتخابات، في ظل تمسكه بمنصبه العسكري وجنسيته الأمريكية.
3- يحتكر المجلسين؛ النواب ومجلس الدولة، لمسار العملية السياسية ومقاربة الخروج من الجمود الراهن، خاصة بعد حالة الإحباط الكبير الذي عم جموع الليبيين بسبب استمرار فشل المجلسين في الوصول إلى توافق ينهي الأزمة، حيث مهد هذا الإحباط للبحث عن بديل ينجح فيما فشل فيه الجسمان.
4- المجلس الرئاسي بدا هزيلا وضعيفا برغم تعاظم التحديات بات مستهدفا، بعد أن توافق رئيسا النواب والدولة على إعادة تشكيله، فكان أن دخل على خط مسار التسوية ليحسن من صورته أمام الرأي العام ويدفع عنه هالة الهزال والضعف، ويقطع الطريق على مساعي استبدال أعضائه.
5- إعلان اللواء المتقاعد خليفة حفتر، الذي يقود قوات شرق ليبيا، في خطاب متلفز من بنغازي بمناسبة ذكرى الاستقلال، في 24 ديسمبر، عن فرصة أخيرة لرسم خارطة طريق تجري على أساسها الانتخابات، داعيا كل مدن ومناطق الغرب الليبي إلى حوار ليبي ليبي ولم شمل الليبيين، مؤكدا في سياق آخر على ضرورة توزيع عائدات النفط توزيعا عادلا دون تهميش.
_____________________