أعلنت الشركة المالكة لكل من صحيفتَي “باري ماتش” و“لو جورنال دو ديمونش” الفرنسيتين الشهيرتين، إقالة إدارة تحريرهما نهاية الأسبوع الجاري، بعد فضيحة “الضغط على الشهود” التي تورطت فيها الجريدتان، وتكاثُر شكاوى عمالهما من سوء تعامل الإدارة.
في بيان لها، أعلنت مجموعة “لاغاردير” الفرنسية إقالة هيرفي غاتينيو من رأس جريدتَي “باري ماتش” و“لو جورنال دو ديمونش” المملوكتين لها، في قرار رجعته وسائل إعلام فرنسية إلى المشكلات الكبيرة التي عاشتها الجريدتان عقب تورط إدارتهما في فضيحة “محاولة التأثير في الشهود” في قضية التمويل الليبي لحملة الرئيس السابق نيكولا ساركوزي.
وسبق أن نشرت جريدة “باري ماتش” بإيعاز من ميشيل مارشان، الشخصية البارزة في مجال صحافة المشاهير بفرنسا والمقربة من ساركوزي، حواراً صحفياً يغيّر فيه الشاهد زياد تقي الدين الأقوال التي أدلى بها لقاضي التحقيق في القضية المذكورة، ما دفع القضاء الفرنسي إلى متابعة مارشان بتهم “الضغط على الشهود” و“تكوين عصابة إجرامية“.
كذلك واجهت إدارة تحرير الصحيفتين المذكورتين، الشكاوى المتراكمة من سوء معاملتها للموظفين والصحافيين العاملين عندها، حتى إن إحدى الموظفات، تحت وطأة الضغط والإهانة، حاولت الانتحار.
تورط في قضيَّة “التمويل الليبي“
في يونيو/حزيران الماضي، ألقت الشرطة الفرنسية القبض على فرنسوا دو لابار صحفي جريدة “باري ماتش” برفقة مديرة وكالة الصور “بيست إيميج” ميشيل مارشان، للاشتباه بـ“تأثيرهما في شاهد” و“المشاركة في عصابة أشرار“، حسب ما نشرته وقتها وكالة الأنباء الفرنسية.
فيما تعود جذور الواقعة إلى نوفمبر/تشرين الثاني 2020، حين نشرت الجريدة المذكورة مقابلة صحفية أجرتها مع زياد تقي الدين، “السمسار” المفترض للتمويل الليبي لحملة نيكولا ساركوزي سنة 2007 والشاهد خلال التحقيق فيها. في مقابلة “باري ماتش” غيّر الشاهد الأقوال التي كان أدلى بها سابقاً لقاضي التحقيق، مما رجّح أن الشخصية المقرَّبة من عائلة ساركوزي ضغط عليه للإقدام على ذلك.
وتحدَّثت وسائل إعلام فرنسية وقتها عن مفاوضات سريَّة بين ساركوزي وتقي الدين الذي كان مسجوناً في بيروت، بوساطة مارشان، من أجل تغيير الثاني أقواله. وأشارت جريدة “ميديا بارت” إلى أن “هذه الملاحقات (القضائية اللبنانية) هي التي كشفت مفاوضات سرية مع تقي الدين ليتراجع في القضية الليبية“.
بعد مقابلة “باري ماتش“، سرعان ما غيّر تقي الدين أقواله مرة أخرى، بالعودة إلى تأكيد أنه سلّم ساركوزي 5 ملايين يورو من طرف الرئيس الليبي السابق معمر القذافي. ونفى خلال استجواب قاضي التحقيق الفرنسي له ما ورد في المقابلة، وعاد إلى روايته الأولى مع الإصرار على أنه لا علاقة له بالأمر.
ضغط وإهانة ثم انتحارات
احتجاجات طاقم “باري ماتش” و“لو جورنال دو ديمونش” ازدادت حدّة بعد انفجار فضيحة مقابلة تقي الدين، بسبب المعاملة السيئة التي يتلقَّونها، التي يضاف إليها وصمهم بعار الاشتباه في تورط المؤسسة التي يعملون بها في “تكوين عصابة إجرامية” واستغلالهم كصحفيين لـ“الضغط على شاهد“. في المقابل سبق أن أعلن صحفيو “باري ماتش” رفضهم لتحول خطّ تحرير الجريدة نحو دعم ساركوزي في مراسلة رفعوها إلى إدارة.
في الوقت نفسه، ومنذ وصوله إلى رأس الجريدتين، عمد مدير التحرير هيرفي غاتينيو إلى خلق نمط عمل “أوليغاركي” داخلهما، حسب تحقيق لجريدة “ميديا بارت“. وينقل على لسان أحد الصحفيين العاملين في “باري ماتش” قوله إن المدير عمل على إحاطة نفسه بمجموعة من المقربين الذين يستعملهم في المراقبة والتجسس على باقي الطاقم، كما في الضغط على الآخرين.
في فبراير/شباط الماضي أقدمت صحافية في “لو جورنال دو ديمونش” على محاولة وضع حد لحياتها. محاولة فشلت، لكن رسالتها الأخيرة كانت واضحة في ربط الحالة النفسية للصحفية بمناخ عملها المهين والعنيف، حسب تحقيق “ميديا بارت“. وينقل الموقع الفرنسي عن طبيب المؤسسة الذي أكَّد أن تعامل الإدارة مع الصحفيين “عنيف“، وكان من أسباب محاولة انتحار الصحفية بعد أن أصمّت الإدارة آذانها عن شكواها.
ـــــــــــــــ