عام 2040 بعيون الاستخبارات الأمريكية

ستصبح حياة البشر مهددةً أكثر بسبب تراجع جودة المياه والهواء والغذاء.

الأمن البشري يتراجع:

مع كل آثار التغير المناخي التي ذكرناها، ستتضاعف المخاطر الأمنية على البشر، ففي 2018 واجهت 36% من المدن ضغطًا بيئيًّا شديدًا بسبب المجاعات أو الفيضانات والأعاصير.

ستتفاقم أزمات المياه والغذاء، وستعاني دول في جنوب الصحراء، وأمريكا الوسطى، وجنوب آسيا، وأستراليا، لاعتمادها على الأمطار، وقد تستفيد دول شمال العالم، كندا وروسيا وشمال أوروبا، من الاحتباس الحراري الذي سيُطيل موسم نمو النباتات عندها.

وستصبح حياة البشر مهددةً أكثر بسبب تراجع جودة المياه والهواء والغذاء، وبسبب تطوُّر الأمراض التي تنقلها المياه أو الحشرات، وفي بعض الحالات ربما يتغيَّر معدل انتشار الأمراض التي تصيب البشر والحيوانات والنباتات.

وسينخفض التنوع البيولوجي أكثر من أي وقتٍ مضى في تاريخ البشر؛ مما يهدد الأمن الغذائي والصحي، وسيؤدي التغير المناخي إلى انقراض بعض الحيوانات والنباتات، أو هجرتها إلى بيئةٍ أخرى تناسبها.

وترتفع احتمالات زيادة الهجرة لأسباب بيئية، مثل الحر الشديد، أو ارتفاع مستوى سطح البحر، اللذان ربما يسببهما التغير المناخي، ولكن غالبًا ما ستكون هذه الهجرة داخلية.

التوجه نحو تخفيف المخاطر: ستحاول عدَّة دول تكثيف جهودها لتقليل الانبعاثات الكربونية، خاصةً الدول المتقدمة، ولكن سيظل الجدل بين معسكرين: يدعم أولهما التحول السريع نحو تنفيذ توصية مؤتمر باريس بتحديد الارتفاع في درجة حرارة الكوكب بـ1.5 درجة سيليزيوس فقط، وهو ما يتطلب إجراءات غير مسبوقة على مستوى الإنتاج واستهلاك الطاقة، ويرى المعسكر الثاني أن التوجه نحو تخفيض الانبعاثات يجب أن يتمَّ تدريجيًّا، من خلال التحول للتتكنولوجيا الجديدة، مع تعزيز النمو الاقتصادي في الوقت نفسه.

توابع واضطرابات:

من المتوقع أن يؤدي التغير المناخي إلى المزيد من الاضطرابات والانقسامات السياسية، كما نرى في الاحتجاجات المتنامية التي يقودها مئات الآلاف من الشباب، وأيضًا توظيف الأحزاب القومية والشعبوية لمخاوف فئاتٍ معيَّنة من الآثار الاقتصادية إن بدأت مشروعات الإصلاح البيئي التي يمكن أن تضرَّ بمصالحهم المادية المُباشرة.

وسيزداد الخلاف بين الدول حول الشفافية والمسؤولية البيئية والإجراءات المتبعة للحدِّ من التغير المناخي، فمثلًا ستطلب الدول النامية من الدول المتقدمة أن تُتيح استخدام تقنيات الطاقة المتقدمة التي تخفض من الانبعاثات الكربونية، وأن توفر الدعم المادي لدعم المجتمعات المعرضة للخطر أو التي تمرُّ بالتحول.

ومع التنافس المتزايد على مصادر الغذاء والماء والمعادن والطاقة، ستندلع صراعات بسبب المجاعات، وستحاول دولٌ مثل روسيا والصين والهند الاستفادة من ذوبان جليد القطب الشمالي للبحث عن الموارد والاستفادة من طرقٍ تجارية أقصر.

وستتأثر الجيوش بالضغوط المادية المتوقعة، وستحتاج لتغيير تصميمات قواعدها الجوية والبحرية، وستضطرها الكوارث الطبيعية لاستخدام المزيد من مواردها لعمليات الإغاثة داخل وخارج بلدانها.

وسيتغير الاقتصاد والمشهد الجيوسياسي العالمي بشكل كبير مع التحوُّل العالمي للطاقة المتجددة، لتواجه الدول النفطية تراجعًا كبيرًا في إيراداتها، وسيتلاشى نفوذها النفطي، فالسلعة الأهم في العالم سابقًا ستتراجع مكانتها مع مرور الوقت، هذا التحول الخطير سيزيد من المنافسة على موادٍّ مثل الكوبالت، والليثيوم، وبعض المعادن النادرة، التي تستخدم في البطاريات والمحركات والمولدات.

الاقتصاد

الاتجاهات الاقتصادية أكثرُ من غيرها، ولكنها أقل ثباتًا والتغيُّر فيها محتمل جدًّا لأن الاقتصاد مرتبطٌ باتجاهات أخرى مثل التكنولوجيا والسياسات الحكومية.

تزايد الديون الحكومية:

زادت الديون الحكومية في أغلب دول العالم منذ الأزمة الاقتصادية العالمية عامَ 2008، ومن المرجح أن تستمر في الصعود خلال العقدين المقبلين، وساهمت جائحة كورونا في زيادة الديون.

وارتفعت نسبة الدين الحكومي للناتج المحلي في 90% من الدول المتقدمة، خلال الفترة بين 2008 و2019، وتتشابه اليوم نسبة ديون الاقتصادات الصاعدة مع ما كانت عليه إبان موجة أزمات الديون العالمية في منتصف الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي.

وستعاني دولُ مجموعة العشرين من أثر ارتفاع معدل الأعمار، الذي سيضغط على الإنفاق العام فيها، ما لم تُتخذ إجرءات صعبة بتقليل الخدمات الممنوحة للمواطنين أو زيادة الضرائب، وسيكون خفض الديون تحديًّا أكبر من التحديات الاقتصادية التي عاشها العالم بعد الأزمة العالمية عام 2008.

تدفع هذه المخاطر بعض الاقتصادات إما لتقليل الإنفاق العام، والتعرض لخطر زيادة الغضب الشعبي، وإما الحفاظ على الإنفاق العام مما سيفاقم أزمة الديون، ولهذا ستركِّز الدول على إنفاق أموالها لحلِّ مشكلات محليَّة حصرًا، دون التعاطي مع المشكلات العالمية المشتركة.

أزمات التوظيف:

مع استخدام الذكاء الاصطناعي والأتمتة (تحويل العمل لعمليات آلية يكون تدخُّل البشر فيها محدودًا) في الدول المتقدمة، بسبب ارتفاع أعمار السكان، ستشهدُ هذه الدول تغيرات كبيرة في شكل الوظائف وحجمها.

ومع أن المنتدى الاقتصادي العالمي يتوقع أن تخلق التكنولوجيا الجديدة وظائف أكثر من التي ستندثر، فإن هذه الوظائف ستحتاج لمهارات مختلفة عن الأعمال القديمة؛ مما سيزيد من فترات البطالة للعمالة المُتحوِّلة من الأعمال القديمة للجديدة، وسيُعمق الفرق في توزيع الأجور على الأرجح.

ولن تتأثر الاقتصادات النامية بالقدر نفسه، بسبب احتمال انتشار الأتمتة بشكل أبطأ، وربما تكون الدول الشابة أكثر مرونة في التعامل مع الأتمتة إذا وفرت التعليم والتدريب الكافيين للتعامل مع التكنولوجيا الجديدة.

بيئة تجارية أكثر انقسامًا:

لم يشهد العالم سوى اتفاقية تجارية دولية واحدة منذ تأسيس منظمة التجارة العالمية، بينما زادت في العقدين الماضيين الاتفاقيات الثنائية والإقليمية بين الدول، وهذا التوجُّه الإقليمي والثنائي يبدو أنه سيستمرُّ ويسود في العقود القادمة.

وستعمل الدول على حماية اقتصاداتها المحلية أكثر وستفرض قيودًا تجارية، ولن يقتصر هذا على الحرب التجارية بين أمريكا والصين. وتتراوح أسباب هذا التوجُّه بين الرغبة في الحدِّ من خروج الوظائف، فعندما يكون الاقتصاد مفتوحًا ستُنقل العمليات الأقل كلفةً إلى الخارج، ومعها ستُنقل وظائفها، ويعزِّز هذا التوجه أيضًا القلق من مشكلات الخصوصية والتحكم في البيانات، والحماية ضد التقدم التكنولوجي للدول الأخرى، الذي ربما يجعل بعض الاقتصادات أقدر على الهيمنة.

ترابط اقتصادي أكبر:

هذا الاتجاه للإغلاق على الاقتصادات المحلية لن يمنع زيادة الترابط العالمي في العديد من المجالات الخدمية، مثل الخدمات المالية والاتصالات والمعلومات والسياحة وغيرها، فمثلًا تصل نسبة تجارة الخدمات في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (أمريكا، ودول أوروبية عدَّة، وتركيا واليابان وفنلندا والمكسيك وأستراليا وغيرها)، إلى نحو 75% من الناتج المحلي الإجمالي لهذه الدول، وتشكِّل 80% من الأعمال المتوفرة فيها، ورغمَ ذلك يظلُّ حجم قطاع الخدمات يمثِّل ثلث التجارة العالمية، ما يعني وجود فرص نمو أفضل.

تقنيات التصنيع الجديدة تغير التجارة:

ربما تقلل تقنيات التصنيع الرقمية والطباعة ثلاثية الأبعاد من الريادة والأهمية التجارية للدول ذات العمالة منخفضة التكلفة، وهذا قد يسرِّع من إعادة تشكيل وترتيب سلاسل التوريد، لتعتمد أقل على أطراف خارجية مثل الصين ودول العمالة المنخفضة.

مثلت التجارة الإلكترونية نحو 30% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي في 2018، وهي نسبة مرجحةٌ للزيادة في العقدين المقبلين.

منصات البيع الإلكتروني تدعم التجارة العالمية:

ساهمت التكنولوجيا الجديدة في خلق طرق توزيع جديدة، مكنت الشركات المتوسطة والصغيرة من دخول الأسواق الجديدة بسهولة، وتشبِّك العملاء والشركات في دول مختلفة، وتسهِّل نمو التجارة المحلية والشركات الصغيرة والمتوسطة.

مثلت التجارة الإلكترونية نحو 30% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي في 2018، وهي نسبة مرجحةٌ للزيادة في العقدين المقبلين، بسبب تسهيل الوصول عالميًّا للإنترنت وانتشار الهواتف الذكية، وستستحوذ المنصات الكبرى، مثل «أمازون» و«علي بابا» على النصيب الأكبر من هذه المعاملات التجارية.

الشركات العملاقة واستدامة العولمة الاقتصادية:

من المرجح أن تنمو الشركات العملاقة والدولية وتتوسع، لتعزز العولمة الاقتصادية في العقدين المقبلين وتطيل عمرها، خاصةً مع استمرار وجود العوامل الاقتصادية التي تدعم صعودها، مثل التكاليف الثابتة المرتفعة، والتكاليف الهامشية المنخفضة، وتأثيرات الشبكات والمنصات، والتعلم الآلي.

ويرجَّح زيادة الهيمنة السوقية لهذه الشركات مع تصاعد أهمية التكنولوجيا الجديدة، مثل البيانات الضخمة والتعلم الآلي، بصفتها عوامل خلق القيمة في العقدين المقبلين.

وستحاول الاقتصادات المُستضيفة لهذه الشركات الاستحواذَ على جزء من القيمة التي تخلقها، بينما ستكون قوة هذه الشركات في مساحات غير اقتصادية بحتة، مثل التحكم في البيانات وتدفق المعلومات، وهذا سيحفِّز الحكومات على تنظيم عمل هذه الشركات أو حتى تفتيت قوتها.

استمرار توسع الشركات الدولية المملوكة للحكومات:

ستستمرُّ الشركات الدولية المملوكة للحكومات في لعب دور نشيط في التجارة العالمية، وأغلب هذه الشركات تمتلكها حكوماتٍ مثل الصين والهند وروسيا والسعودية والإمارات وبعض الدول الأوروبية، ومن المحتمل أن تثير بعض هذه الشركات اضطرابات في المشهد التنافسي العالمي بسبب حصولها على دعمٍ من دولها، وربما تُكثف اعتمادها على الدول حتى تسبق الشركات الأخرى وتتفوق تنافسيًّا عليها، ولذا ستضغط الشركات على حكوماتها للتدخل.

الاقتصاد العالمي يستمر في الميل نحو آسيا:

يميل النشاط الاقتصادي العالمي نحو آسيا في آخر 40 عامًا، ومن المتوقع استمرار هذا الاتجاه حتى 2030 على الأقل، وربما حتى 2040، وإذا استمر، من المتوقع أن تساهم الدولة النامية في آسيا بنسبة 35% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وأن تساهم الصين والهند وحدهما بـ29%.

وإن حصل نمو اقتصادي أسرع ستحظى الدول الآسيوية الأكبر في عدد السكان بفرصة الانضمام للاقتصادات الكبرى، مثل الهند التي قد تصبح من بين أكبر ثلاثة اقتصادات في العالم، وإندونيسيا التي قد تصبح بين أكبر 10 اقتصادات، ورغم ذلك، سيظلُّ نصيب الفرد من الدخل القومي، ومستويات المعيشة، أقل منها في الدول المتقدمة.

توابع واضطرابات:

هذه الاتجاهات الاقتصادية ستضغط على الحكومات، وستسمح للاعبين جدد بالتأثير اقتصاديًّا، من بينهم الشركات الخاصة، والدول ذات الاقتصادات الأقل انفتاحًا.

ومن المحتمل أن يؤدي ارتفاع الديون الحكومية وارتفاع خدمات الديون، وهي المبالغ التي تُدفع للحصول على القروض، بما في ذلك الفوائد والعمولات، وهذا سيجعل الدول أقل قدرة واهتمامًا في التصدي للتحديات الدولية، بما يتضمن الصحة العامة والتغير المناخي، ويُرجح أن ينتج ذلك التزامًا أقل بتقليل الانبعاثات، والتراجع عن تعهدات الدول المتقدمة بدعم التكيف في الدول النامية، وبسبب القيود الاقتصادية سيقلُ عمل حكومات الدول النامية على علاج مشكلات التغيُّر المناخي.

ومع الزيادة في عدد «الاقتصادات الكبرى» التي ستظلُّ في تصنيف «الدول النامية»، من المحتمل أن تُطالب هذه الدول بتأثير أكبر في سياسات المنظمات الاقتصادية الدولية، لتصبَّ في صالحها أكثر، وهو ما سيتعارض مع مصالح الدول المتقدمة، وبسبب هذه التوترات قد تُنشأ منظمات موازية.

__________

مقالات مشابهة

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *