عبد الله الكبير

سنفترض أن الأشخاص الذين تصدروا المنصات الإعلامية المختلفة، بعضهم بصفة كاتب صحفي أو إعلامي، والبعض الآخر تنوعت صفاتهم.

خبير استراتيجي، الباحث الأكبر، رئيس مركز بحوث، مستشار، أكاديمي، رئيس العمل الوطني، خبير دراسات سياسية، وهي مجرد أقنعة،  فقدراتهم المعرفية واللغوية الضحلة لاتتناسب مع ادعاءتهم،  ينتحلون هذه الصفات للتمويه عن جهلهم.

فظهروا كجوقة مهرجين في سيرك، مساندين بصياحهم في الفضائيات وكتاباتهم في مواقع التواصل عصابات حفتر ومرتزقته وهي تفتك بالليبيين، وتنشر الموت والخراب والمقابر العشوائية في المدن.

فهل يستقيم تأييد الاعتداء والقتل وسفك الدماء والفساد في الأرض مع الترقي في مدارج العلم والمعرفة؟

 بعد انقشاع غبار المعارك واتساع الرؤية، وفي خضم التغيرات الجارية، والتحالفات الطارئة بين أنصار جيشهم المزعوم وارهابيي الأمس، يتعين إسداء النصح لهم بمطالعة كتاب (حيونة الإنسان) للشاعر والكاتب السوري الراحل ممدوح عدوان لعلهم يستعيدون قليلا من انسانيتهم، ورواية (عو) للكاتب الأردني إبراهيم نصر الله وفيها تفصيل لتأرجح الكاتب بين ضميره الاخلاقي والاغراء المادي ليخلص إلى هذه الحقيقة القاسية

حين يتحول الكاتب الصحفي إلى أداة قمع لدى الجنرال تصبح كلماته مجرد نباح مهما كانت مزخرفة، ويصبح هو نفسه مجرد كلب مهما كان قدره في السابق” 

سنفترض أنه ساءهم الفيديو الأخير للضابط محمود الورفلي المطلوب للجنائية الدولية، وهو يحطم مكاتب شركة تويوتا. فرفعوا له كتابا معبرين فيه عن استهجانهم توثيق الجريمة مرئيا ونشرها عبر شبكة الإنترنت. هذا مقترح افتراضي للخطاب.

إلى الرائد محمود الورفلي

نحن الموقعون على هذه العريضة، صحفيون واعلاميون وخبراء وباحثون ونشطاء سياسيون سخروا كل امكانياتهم ولم يدخروا جهدا في مساندة الجيش في حربه ضد الإرهاب عبر كافة المنصات الإعلامية

نود أن نعبر لكم عن صدمتنا واستنكارنا واستهجاننا لتصويركم واقعة اقتحام مكاتب وكالة شركة تويوتا ونشرها في شبكة الإنترنت، متجاهلا تحذيرات سابقة بأن هذا الفعل سيتلقفه إعلام الدواعش والخوارج والإخوان ليشن علينا هجمة مضادة، ويستخدمه كدليل إضافي على مزاعمه همجية الجيش وبنيته المليشاوية وسلوكه الاجرامي.

لقد سخرنا كل امكانياتنا لترويض الناس ودفعهم للاقتناع بأن ما أسسه المشير أركان حرب خليفة بلقاسم حفتر هو مؤسسة عسكرية يقودها ضباط محترفون بتراتبية صارمة ومعايير حديثة مثل كل جيوش الدول المتقدمة، بينما كان إعلام الدواعش والإخوان والخوارج يقود حملات شرسة مدعيا أن القوات المسلحة العربية الليبية هي عصابات منفلتة من كل القوانين والقيم الاخلاقية والنواميس البشرية.

لم نتردد في التصدي لهذه الحملات ومواجهتها بكل قوة، رغم قوة حجتهم المدعومة بالتقارير الدولية التي تصدر بين الحين والآخر، وبعض الأخطاء التي كان يمكن تجنب تبعاتها بعدم تصوريها ونشرها.

فالصرح الدعائي الذي شيدناه للجيش يكاد يتحطم وينهار تحت وطأة تداعيات المشاهد المرفوعة من سيادتكم أو من أحد أتباعكم على شبكة الإنترنت.

مثل سيزيف في الاسطورة اليونانية كنا نغلف صخرة الحقيقة بالأكاذيب جاهدين لدفعها نحو أعلى الجبل، ونحن قاب قوسين من القمة تركلها بأحدي حماقاتك لتتدحرج عائدة إلى السفح.

مؤسف حقا أن تسلم لاعلام الدواعش والخوارج والإخوان الأسلحة التي سوف يصوبونها إلى صدورنا، كأنك تنسى ضعف حجتنا في الدفاع عنك ونحن نواجههم في الفيسبوك والفضائيات بسبب مشاهد الإعدام التي أشرفت على تنفيذها حتى صرت مطاردا من المحكمة الجنائية الدولية، الاخوانية بالطبع.

فرغم كل الأدلة التي ستدينك وتلف حول رقبتك حبل المشنقة، إلا أننا صمدنا في وجه الآلة الإعلامية الجبارة للدواعش والخوارج والإخوان، ونجحنا في صرف الانظار عما اقترفته بادعائنا أن القيادة العامة احالتكم للتحقيق وستتخذ كافة الإجراءات القانونية ضدكم، وألقمنا العدو حجرا، ورسخنا في الأذهان اقتران بنغازي بالأمن والأمان.

اليوم، ونحن نكاد نطوي في أقبية النسيان مشاهد الإعدام، وجثث شارع الزيت والابيار، وخطف السيدة سهام سرقيوة، واغتيال السيدة حنان البرعي، وتصريحك في تسريب تلفوني بأنك تمارس رياضة القتل قبل الكرامة وبعدها، وغيرها كثير، مراهنين على براعتنا في التمويه بواسطة منظومة متكاملة من العبارات المنمقة والخدع السحرية، وعلى الذاكرة السمكية لدى أغلب المتلقين، توجه لنا هذه الطعنة الغادرة بنشر فيديو تحطيم مكاتب شركة تويوتا وترويع موظفيها لتنسف كل جهودنا الجبارة في غسل آثار دماء ضحاياك وضحايا أخطاء الجيش بهذه التصرفات غير المسؤولة.

 اليوم، وإزاء هذا الاستخفاف بما قدمناه، ونحن نتابع مندهشين التغيرات الطارئة بعد الانسحاب التكتيكي للجيش من طرابلس، وهذا التقارب واللقاءات المعلنة والسرية بين أعداء الأمس، وفرش البساط الأحمر لاستقبال شخصيات كنا حتى الأمس ننعتهم بالإرهابيين، بات لزاما أن ينفجر المكبوت في داخلنا، وقد تراكم في صدورنا طوال سنوات حرصا على الجيش وعلى وحدة الصف.

 الدعاية الإعلامية هي من صنعتك والرتبة على كتفيك مزورة منحها لك ضابط مهزوم ينتحل هو أيضا رتبة مزورة، فأنت لا قيمة لك في ميزان الشجاعة والاقدام، لم تبرز في ميادين النزال لتواجه أقرانك حين التهبت أحياء بنغازي بالمواجهات بين الكرامة والشورى، بل كنت تستبسل على أسرى عزل مقيدين لا حيلة لهم، ولو تحليت بأخلاق الفرسان لمنحتهم حق المبارزة.

لم تتقدم مع الجيش في معركة طرابلس لنرى شجاعتك، بل تسللت خفية تحت ستار الظلام وعبر طرقات آمنة مطوقا باتباعك، وبضمانات من قبيلتك، ولم تجرؤ على الاقتراب من خطوط الجبهات، كنت ترتعد وأنت تقترب من مضارب سادة الميادين والملاحم، ولم تنشر صور رحلتك حتى عدت إلى مأمنك في بنغازي.

نضبت الموارد المالية في الرجمة، إذ خفضت الإمارات كميات الرز الممنوحة للعجوز، تمهيدا لقطعها نهائيا بعد فقدها الأمل في السيطرة على ليبيا من خلاله.

ولم تعد تجد مايكفي من مال لاطعام الأسود وبقية الحيوانات في المزرعة التي استوليت عليها في سيدي فرج، فبادرت بالسطو على وكالة شركة تويوتا.

هل تعتقد أن ثمة من يصدق حديثك عن الفقراء والمستضعفين؟

هل تتصور أنك ستخدع الناس كل الوقت؟ 

 تداعيات تراجع الرز واضحة، فالجرحى قطع عنهم ماكان يمنح لهم من فتات فتوجهوا للمصرف ليجدوا الخزائن خاوية، وكان علينا أن نردد كالببغاوات. غرقت في البالوعات وأتلفتها مياه المجاري، بينما يسجل تقرير خبراء مجلس الأمن حصرا دقيقا للعملات وكمياتها واللص العقيد الذي استولى عليها في أكبر عملية سطو على مصرف في التاريخ.

 لاجدوي من الندم اليوم، فقد خضنا بأقلامنا والسنتنا في أنهار الدم، وسوقنا الوهم والسراب لمن صدقنا بضرب مواعيد الحسم في طرابلس.

لم يتبق سوى بضع كيلومترات وتقتحم طلائع الجيش ميدان الشهداء، وتيمنا بفلم الرسالة، حدد الباحث الأكبر انهيار المليشيات واقتحام طرابلس في العشرين من رمضان، فاستعادت المليشيات غريان، ثم ترهونة.

واستيقظ الباحث الاستراتيجي على اخبار الانسحاب التكتيكي.

  تجاهلنا أنين الضحايا وعويل اليتامى ونواح الثكالى والأرامل، كأن في آذاننا وقرا، صرفنا بصرنا عن المقابر الجماعية المروعة في ترهونة وحقول الألغام في طرابلس، وأنكرنا وجود المرتزقة الذين جلبهم حفتر رغم الأدلة القاطعة، وبررنا المذابح البشعة بالضرورة التي تفرضها المعركة لتطهير البلاد من الإرهاب.

لم تهتز ضمائرنا ولم نبال بكل نذير، ونحن اليوم الأكثر بؤسا من بين كل الضحايا، تستبد بنا الحسرة ونحترق في نيران الندم. ولا أحد يحفل بنا ممن كنا لهم ظهيرا نذوذ عنهم بكل ما اوتينا من حيلة وسحر.

(إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُوَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ)

***

عبد الله الكبير.. كاتب صحفي

___________

مقالات مشابهة

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *