أسامة علي
كررت اللجنة الاستشارية الليبية، المنبثقة عن المبادرة الأممية للحل السياسي الأخيرة، في ختام اجتماعها الثالث، منتصف الأسبوع الحالي، ما تذكره غالبية الأطراف الليبية من أن يكون الحل السياسي “ليبياً ـ ليبياً“.
وتعبيراً عن ذلك، قررت اللجنة أن تعقد اجتماعاتها المقبلة متنقلة بين المدن الليبية بشكل دوري.
هذا الشعار الذي لا تفتأ تصدح به اجتماعات الأطراف الليبية المختلفة، وآخرها اجتماع أعضاء مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة في القاهرة الأسبوع قبل الماضي، يُقدَّم وكأنه عصا سحرية قادرة على حل تعقيدات أزمة عقد كامل.
ويبدو للوهلة الأولى تعبيراً عن إرادة وطنية خالصة. لكن تتبّع تاريخه الطويل في بيان الأطراف الليبية يبيّن أنه وهم يُخفي وراءه تناقضات عميقة، فكيف تنتج أطراف مرتبطة بشبكات دولية، تتنازعها الولاءات، حلاً خالصاً من مصالحها؟
الأكثر عجباً أن الأطراف التي ترفع شعار الدعوة إلى الحل الليبي ـ الليبي، هي نفسها من فتح الباب على مصراعيه للتدخّل الخارجي، وتسليم مقدرات البلاد لقوى عسكرية أجنبية تحت شرعية اتفاقيات، بعضها معلن في طرابلس وآخر تحت الطاولة في بنغازي، وحوّلت البلاد إلى ساحة استقطاب دولي حاد.
ويزداد العجب أن حوارات هؤلاء لا تنعقد إلا في العواصم الخارجية، ولا يصلون إلى أي اتفاق بينهم إلا فيها، وما اتفاق جنيف عام 2020 والصخيرات قبله عام 2015، ببعيد.
لقد تحوّل هذا الشعار الزائف إلى أداة لعرقلة الحل، فكل طرف يلوّح به كسلاح لتهميش الآخر واتهامه بالولاء لـ“الخارج” الذي تحوّل إلى “كيان مجهول” يُستخدم كشماعة لتعليق الإخفاقات عليه بتصوير أزمة البلاد كمؤامرة خارجية كلياً، بينما الواقع أن “الخارج” لم يجد له طريقاً إلى البلاد إلا عبر الفراغ الذي تسبب فيه صراعهم.
شعار الحل “الليبي ـ الليبي” صار ورقة توت تستر عورات السلوك السياسي الفاشل للأطراف المتصارعة
وصار جلياً أن “الحل الليبي” يتطلب تحرير القرار الوطني عبر آليات تنبع من واقع الإقرار بتداخل الداخل والخارج معاً في الأزمة.
فالنزاعات المعقّدة، كما هي الحالة الليبية، في أكثر الأحيان لا تحل بمعزل عن المتدخّلين فيها، خصوصاً أن هؤلاء المتدخلين صاروا جزءاً من الأزمة، وأصبح من الضروري التعاطي مع وجودهم بدلاً من إنكاره، للوصول إلى فهم طبيعة عناصر الأزمة وتفكيكها وإرساء حلول تبني التعامل مع الخارج في إطار المصالح المشتركة لا الأطماع.
______________