أسامة علي
أعادت جريمة ذبح ثلاثيني لوالدته في مدينة سرت، وسط ليبيا، بعد خلاف شخصي معها، جرائم عنف الأقارب إلى الواجهة، والمطالبات بضرورة الاقتصاص سريعاً من مرتكبي تلك الجرائم بعد أن سجلت البلاد عدداً من الجرائم المماثلة خلال السنوات الماضية.
وعقب الجريمة التي أثارت غضباً واستهجاناً واسعاً، أعلنت مديرية أمن سرت القبض على الجاني، واتخاذ الإجراءات القانونية لتحويله إلى القضاء. كذلك دعت المواطنين إلى مد يد العون لكل من يحتاج إلى الدعم النفسي أو الاجتماعي، في إشارة إلى معاناة الشاب من مشكلات نفسية واقتصادية، وأكدت في بيان: “ليس هناك أخطر من ضياع الوازع الإنساني، وليس أشد إيلاماً من أن يكون الجاني أقرب الناس إلى ضحيته“.
وخلال الأشهر الثلاث الماضية، سجلت الأجهزة الأمنية الليبية عدداً من الجرائم المشابهة، من بينها ضبط شاب قتل والدته أيضاً في منطقة الجفرة (وسط جنوب)، خلال الأسبوع الأخير من يناير/ كانون الثاني الماضي.
وكشفت مديرية أمن الجفرة أنها تلقت بلاغاً بشأن انتحار سيدة، لكن التحقيقات كشفت عن وفاتها طعناً بسلاح أبيض على يد ابنها، وبمساعدة صديقه وأشقائه من أبيه، مشيرة إلى أن السبب هو خلاف بين الأم وابنها على بيع سيارة، قبل أن يحاول مع شركائه إخفاء الجريمة، ومحاولة إظهار القتل على أنه انتحار.
وفي مطلع يناير الماضي، ألقت فرق مديرية أمن طرابلس القبض على قاتل متورط في العديد من الجرائم، ومن بين ضحاياه والدته. وقالت المديرية، في بيان، إن القبض على الجاني جاء وفق جهود مشتركة بين عدة أجهزة أمنية، وإنه أقر بارتكابه جرائم عدة، وباستخدام عدة وسائل، من بينها أسلحة نارية وأسلحة بيضاء،
كما اعترف بقتل والدته خنقاً، من دون أن يوضح البيان سبب القتل.
وفي ديسمبر/ كانون الأول الماضي، أعلنت مديرية أمن أجدابيا (شرق)، القبض على امرأة قتلت زوجها بإطلاق الرصاص عليه من بندقية قبل 12 سنة، قبل أن تنكشف جريمتها، ويتم إيداعها السجن، لكنها تمكنت من القرار من السجن، والاختفاء داخل مدينة أجدابيا.
وإضافة إلى جرائم القتل السابقة، جرى الإعلان عن ضبط متهمين في أكثر من خمس جرائم سرقة نفذها أفراد داخل أسرهم خلال الأشهر الثلاث الماضية، وجرائم أخرى تشمل الضرب والتعدي على الأقارب، من بينها جريمة نفذها شاب في مطلع يناير الماضي، اعتدى فيها على والده وعمه في مدينة نسمة (وسط جنوب).
وخلال الأشهر الأخيرة، توسعت الجهات الأمنية في ملاحقة مختلف الجرائم، وملاحقة متورطين في جرائم قديمة، لكن كان لافتاً ارتفاع جرائم القتل والسرقة التي تقع بين الأقارب. ما يعتبره أستاذ علم الإجرام، أبوبكر الكوشلي “ظاهرة يتوجب دراستها“.
ويوضح الكوشلي لـ“العربي الجديد” أن “جرائم الأقارب كانت تنحصر في جرائم الشرف سابقاً، رغم ندرتها في المجتمع الليبي، لكن أنواع الجرائم التي كشفت عنها عمليات الضبط الأخيرة تظهر أصنافاً وطرقاً جديدة في ممارسة الجريمة. ليس مستبعداً أن تقف تأثيرات تعاطي المخدرات أو الأمراض النفسية وراء بعض الجرائم، خاصة المرتبطة بالسرقة، لحاجة المتعاطي إلى المال“.
لكنه يستدرك قائلاً: “هناك أسباب أخرى كالانحرافات التي أدى إليها امتلاك السلاح، ومشاركة البعض في الحروب والصراعات المسلحة، ما أثر في تشكيل نفسياتهم وتصرفاتهم، وأصاب بعضهم باضطرابات سلوكية حادة، انعكست على الأخرين، ومن بينهم أفراد الأسرة.
لكن الجرائم المرتبطة بقتل الأزواج، أو قتل الأمهات تؤشر على وجود مشكلات اجتماعية طرأت على حياة الأسرة الليبية“.
يضيف: “العنف، وإهمال المسؤوليات، وغياب الدفء الأسري كلها عوامل تزيد القلق، وبعضها يعود إلى التهجير والنزوح، وزيادة حالات الطلاق. المعالجة الأمنية لتلك الجرائم، والاقتصار على المعاقبة وحده لا يكفي لمكافحتها، وهناك ضرورة لممارسة المجالس الاجتماعية دورها.
نتائج أي دراسة أو استطلاع جاد ستكشف عن كون جرائم القتل داخل الأسرة تجري بعيداً من الحيز القبلي وقيوده، والتي كانت لوقت طويل أشد ضبطاً من القوانين والتشريعات، وهناك الكثير مما يجب على المجالس الاجتماعية فعله، كمتابعة المهجرين والنازحين، فهم الأقدر على حل المشكلات الاجتماعية قبل وقوع الجرائم“.
_______________