د. ميلاد الحراثى

تميزت أدبيات المجتمع المدني التي طرحها المثقفون العرب في المدة الأخيرة ببروز العديد من الاتجاهات والأطروحات حول ماهية المجتمع المدني المطلوب ؟

وما هو دور السلطة وأنظمة الحكم العربية ومدى توظيفها له، وعن طبيعة المناخ السياسى الذي سوف يكسبهُ المجتمع المدني في إيجاد هامش للحرية وعدم السيطرة من النظام العربي عليه، ومن ثم إستقلال المجتمع المدني عن مواقف الأنظمة العربية، وتوفير فرص اكبر للتعددية بديلاً لسيطرة الرأي الأحادي العربي الرسمي؟

ونذكر هنا أن ليبيا ليست استثناءأ.

 هذه الأسئلة لعلها شكلت إتجاهات جدل المجتمع المدني ومكوناتهِ وشروط قبولهِ كفكرة معبرة وملازمة لثقافية الديمقراطية.

والاشكالية التى تعتنى بها هذه الدراسة بأن الذي يؤمن بثقافية الديمقراطية عليه أن يقبل بمحتويات المجتمع المدني كفلسفة متضمنة لفكرة ثقافية الديمقراطية.

هذه القراءه تحاول أن تُجيب على طبيعة تلك الاتجاهات وعلاقتها بفكرة ثقافية الديمقراطية من خلال مصطلح المجتمع المدني والاشكالات الواقعه بينهما.

وتنقسم المحاوله الى تقديم مطالعة مختصرة للمجتمع المدنى وآليات التوظيف السياسى لهُ،  وفحص تحليلى لمشروطية تضمين المجتمع المدنى لثقافية الديموقراطية، واخيراً تقديم اراء لاستبدال مسارات فهم المجتمع المدنى.

اولاً: المجتمع المدنى والتوظيف السياسى

يُعتبر مصطلح المجتمع المدني الحديث نسبياً في ادبيات الثقافة العربية مثار جدل وحوار، وأنقسم المشهد الثقافي العربي نحوه وتنوعت ثقافية المجتمع المدنى العربى إلي عدة تيارات واتجاهات:

  • اتجاهات رافضة للمجتمع المدني كلياً .
  • اتجاهات تقبل المجتمع المدني بدون تحفظ .
  •  اتجاهات تقبل المجتمع المدني بتحفظ .
  •  اتجاهات لا تفهم طبيعة المجتمع المدني وتقبله .
  •  اتجاهات تقبل المجتمع المدني كحل للازمه ولكن لا تُدركها ادراكاً ثقافياً .

وهذه الاتجاهات المختلفه لفهم وتقديم ثقافية المجتمع المدنى واكبتها تطورات فرضتها التطورات الدولية والاقليمية وطبيعة النظام العالمى من خلال أجندة الدمقرطة والاصلاح والتنمية المستدامة وحقوق الانسان.

وهذه الاجندة صاحبها تنامي  وتوسع فى منظمات المجتمع المدنى الأمر الذى أثار اشكاليات عديدة فى معظم اقطار الوطن العربى فى ظل الطبيعة الخاصة للانظمة العربية واداءها السياسى الداخلي وسياقات العمل السياسى بها .

 تلك الاتجاهات تمخضت عنها نتائج مهمة شكلت  تحدياً لكلا الطرفين ( مجتمع السلطة والمجتمع المدنى) على ضوء رهان برامج الاصلاح والتنمية والمشاركة والديموقراطية وحقوق الانسان، الامر الذى افرز مشهداً سياسياً عربياً مضطرباً، وصاحبتهُ دلالات ومؤشرات دفعت بتلك الاتجاهات لتقديم ثقافية المجتمع المدنى العربى ” كمحدد اساسي للرهان الديموقراطى والتنمية والاصلاح السياسى وحقوق الانسان، وكسبيل وحيد لاعادة توصيف العلاقة بين الدولة والمجتمع”.

وتعاظم الدور الداعي الى أهمية تفعيل منظمات المجتمع المدنى فى الاقطار العربية من خلال الحركات الاحتجاجية والدفاعية والاجتماعية واتساع اجندتها لتشمل القضايا الحقوقية والبرامج التنموية. هذا السيناريو خلق فى مسرح تفعيل ثقافية المجتمع المدنى عدة محددات على هيئة اتجاهات سياسية فى كيفية توظيف هذا الحراك المدنى سياسياً :

  • لجؤ النظم السياسية العربية الى منظمات المجتمع المدنى لدعم مشروعاتها الوطنية.
  • الانسحاب التدريجى للدولة الوطنية العربية من مسرح العمل الاجتماعى مكن انصار المجتمع المدنى من الوصول الى الشرئح الدنيا والتى تحتاج الى خدمات، وانتشار المنظمات الاهليه فى معظم مدن الوطن العربى.
  • تحول منظمات المجتمع المدنى الى ساحة استقطاب سياسى لليمين واليسار والاعتدال من الانظمة العربيه، وللخارج ايضاً .

ومن هنا بدأ واضحاً اختلاف الرؤية والتباين فى درجات التوظيف السياسى من جانب كل معسكر يفرض نفسهُ كمحدد لمناخ عمل منظمات المجتمع المدنى ومدى المقدرة فى الدفاع عن قضايا المجتمع المدنى القطرى. الدولة القطرية تعمل من جانبها على استمالة المنظمات القطرية لمشروعاتها ومنظمات المجتمع المدنى تعمل على استمالة  الوسائط المجتمعية اليها.

 وعدم التوافق بين الدوله القطرية العربية ووسائطها المدنية والاهلية نحو تبنى ثقافية المجتمع المدنى عربياً أدى الى التباين فى قبول الدولة له وبيّن التطور الذى يصنعهُ المجتمع المدنى ووسائطه والاداء التفاعلى وعلاقة ذلك بالدولة من ناحية وبأجندة الدمقرطة والاصلاح  وحقوق الانسان والتنمية من ناحية اخرى

والامر الآخر ارتبط باهمية الفعل الجماعى فى مواجهة عنف الاقلية الحاكمة والذى تشهدهُ بعض الانظمة العربية، والذى يبدو كعامل يدفع الى أدوار جديدة لوسائط المجتمع المدنى العربى فى مواجهة الدولة التقليدية، خصوصاً فى أنشطة مستحدثة لم تكن مألوفة سابقاً.

ايضاً ارتباط هذا المتغير بعدد من قضايا التشابك بين منظمات المجتمع المدنى فى الداخل مع نظرائها فى الخارج، خصوصاً فى عمليات التمويل الخارجى وعلاقة ذلك بقضايا السيادة والامن القومى. إلا أن الخوف الذى إكتنف بعض الانظمة العربية من زيادة توظيف وسائط المجتمع المدنى فى العمليات السياسية والتنموية فى الدولة العربية أنتج مؤشرات تزيد من معدلات عدم الاطمئنان من تنامي دور منظمات المجتمع المدنى ومن ثم عدم امكانية السيطرة عليها

ومن ناحية اخرى تثير مشكلة العلاقة بين منظمات المجتمع المدني والدولة القطرية مسألة التدخل  للدولة فى الوطن العربى فى أنشطة وسائط المجتمع المدنى والعمل على توجيه برامجه بشكل مباشر وغبر مباشر.

وهنا يمكن الحديث عن بروز عدة مستويات من التفاعل والتفعيل لقضايا المجتمع المدنى العربى من حيث علاقتها بالدوله:

ـ دول عربية اكتسب فيها العمل المنظماتى المدني مساحات كبرى ومؤثرة مثل المغرب ومصر، ومن حيث الاعداد والانشطه،

ـ دول اخرى تمثل فيها النشاط المنظماتى المدني كامتداد لمؤسسات الدولة ومكملة لها، كما هو موجود فى سوريا ولبنان والسودان،

ـ النوع الاخير، يشمل بقية الاقطار العربية حيث لا يمكن الحديث فيها عن تواجد للعمل المنظماتى المدني.

يكشف التحليل الآنف الذكر أن الحديث عن قيام منظمات المجتمع المدني العربى  ينبغى ان يوجه الى كيفية إنجاز الشراكة بين فاعليات العمل المدني  والاهلي العربي والدولة مهما كانت طبيعتها، لانه لا يمكن التغلب على كل ما يعترض تقدم العمل الاهلي والمدني العربي إلا بعد التغلب على اشكالية العلاقة العدائية بين الطرفين وتحولها الى علاقة الاعتماد المتبادل، وهى فى معظم الاحيان علاقة صفرية.

وما يُعيب تحقيق هذه الابعاد أن المنظمات المدنية الحكومية وغير الحكومية وقطاعاتها غير قادرة الى هذه اللحظة على التأثير على العمليات السياسية وصنعها او التأثير فيها كمشروطية أساسية لبناء التوافق وتحقيق عمليات الاعتماد المتبادل.

لقيام المجتمع المدنى هناك مشروطية قيام الدولة القوية وليس العكس، فالدولة القوية هى التى تهيىء المناخات اللازمة لقيام المجتمع المدني القوي، وذلك لاحداث التوازن بين الطرفين. بمعنى قيام علاقة تمنع سيطرة النظام السياسي على العمل المنظماتي الاهلي المدني ، كما تمنع المجتمع المدني من سيطرته على سياسات الدولة وأجهزتها لتحقيق مصالح فئوية ضيقة.

والدوله القوية هى التى تملك امكانيات التنظيم للحراك المجتمعي وخلق مناخات التمكين وتعظيم القدرات وتأكيد معاني ومقاصد السيادة. ويقصد بالمجتمع المدني القوي فى هذا السياق هو ذلك الكيان الذى يتمتع بمشروعية جماهيرية وطنية واسعة يعبرعن توجهات مجتمعهِ وحاجاتهِ والقادر على استعمال معانى السلم والشراكة والاعتماد المتبادل.

ثانياً: مشروطية تضمين المجتمع المدنى للدمقرطة

ان الذهاب إلي المطلق في قبول أو رفض فكرة المجتمع المدني كشرطية لقبول مبدأ ثقافية الديمقراطية، طرحٌ يجانبهُ العديد من الخلل. الجدل في العلوم الاجتماعية غير محدد بخطوط ولا بفترة زمنية ولا بشروط مسبقة مؤدلجة أو غير مؤدلجة، وليس الرفض لفكرة المجتمع المدني هو رفض للديمقراطية لأنها ليست مُعبرة عنها.

 ثقافية المجتمع المدني قُدمت، وعلى هذا المنوال، كبديل للدولة أو الحد من اختصاصات سلطتها في محاولة كما يبدو، لإحلالها واستبدال أداة بأداة أخري. هذا الافتراض عزّز الاعتقاد أن نظم الحكم العربية (مجتمع السلطة) تُمثل الموقف المعارض لمقولة المجتمع المدني واستنبات فكرة الصراع بين الطرفين وإستحداث آليات له ومن ثم قيادته.

الفصل بين الدولة والمجتمع آلية أخري افرزها جدل مقولة المجتمع المدني.

فالدولة ومن خلال تعريفها الكلاسيكي عبارة عن نظام سياسي وإقليم وشعب ثم الاعتراف، وهو يتضمن وجود المجتمع، وبالتالي المجتمع هو من مكونات الدولة وليس بالجسم المحمل عليها. أيضا قوة الدولة هي فى قوة المجتمع، وبالتالي إذا كانت هناك مواجهة فهي بين النظام السياسي في الدولة والمجتمع وليس بين قوة النظام السياسي والدولة .

فإذا كانت الإشكالية لقبول المجتمع المدني جملة وتفصيلاً هي نظم الحكم العربي وأن المجتمع المدني هو القادر علي الحد من سيطرتها السياسية، فكيف يتطابق هذا السيناريو مع بقية دول العالم ؟

وما هي أهمية مثل هذا الطرح والجدل في ظل العولمة وتقنياتها السياسية ؟

وما هي فائدة الاتجاهات الجدلية لقبول فكرة المجتمع المدني وإنها مهمة لمواجهة الدولة والحد من سلطتها وسيطرتها ؟

وكيف نقبل إن فكرة المجتمع المدني متضمنة في ثقافية الديمقراطية، وعليه لابد على المثقفين العرب قبولها، ومن لا يقبلها فهو لم يستوعب بعد ثقافية الديمقراطية ؟!!!

 الحوار ينبغي أن لا يؤسس وفق هذا المنوال من أجل قبول أو رفض فكرة معينة، إن موقف التأكيد بالإلزام من جانب المثقفين العرب بقبول فكرة المجتمع المدني ما هو إلا مبدأ يناقض مبدأ الحرية وثقافية الديمقراطية .

 فلقد وُصف الرافضون والمتحفظون وغير المؤيدين لفكرة المجتمع المدني” بالأصوات الثقافية غير القادرة علي استيعاب الديمقراطية” وهي دوماً ترتكن إلي نظرية “المؤامرة” لرفض كل ما هو غربي ووافد للمنطقة العربية.

 إن الرفض الثقافي لأية فكرة محددة ذات أبعاد تعمل على المساس بخطوط مدنية وثقافية الحضارة العربية المجتمعية ينبغي أن لا يُعارض، وليس برفض الذين امنوا بها. وصحيح أيضا ان مفهوم المجتمع المدني متضمن في ثقافية الديمقراطية، ولكن ليس بالضرورة معبرة عنها، ولا يعني عدم قبول هدفية المجتمع المدني رفض فكرة الديمقراطية .

تلك الاتجاهات ذهبت بعيداً إلي حد خلق مواجهة حروبية وعدائية مستمرة وخاسرة بين المثقفين العرب والنظام السياسي العربي، فمن يؤمن بفكرة المجتمع المدني هو في مواجهة النظام السياسي العربي، ومن لا يؤمن به فهو من الذين لم يستوعبوا بعد ثقافية الديمقراطية، مثل هذه التصنيفات لا تقبلها ثقافية الديمقراطية.

 وعليه وجب القول أن وجود اتجاه في الوطن العربي ينطلق من خيبة للامل في الدولة الوطنية ليحتضن العالم خارج الدولة كمصدر بديل للإلهام والتنمية والاستقلال والمشاركة أدي إلي إيجاد او إستيراد مفهوم المجتمع المدني بديلاً شاملاً للدولة العصرية، وهذه حقيقة لا ينبغي إنكارها لدي الحاضنة الثقافية للمجتمع المدني.

ورغم وضوح الرؤية أن الوطن العربي قد أخفق في تحقيق آمال الانسان العربي فإن هناك مشكلة تقف أمام افتراض وجود بديل للاحتضان غير النقدي لمقولة المجتمع المدني، بوصفه بديل تجاه الازمة المستحكمة في الوطن العربي، ومعظمهم يعترضون علي الافتراضات الليبرالية التي تتخلل مفاهيم مصطلح المجتمع المدني !!!

وللمجتمع المدنى عناصر ومكونات تشكل قيامه: الجمعيات، الأندية، النقابات، التعاونيات، الروابط، والاحزاب ….الخ، فهذه التشكيلة للمجتمع المدني مُطبقة في كثير من دول العالم بما فيها الوطن العربي، ولكن لكل طريقتهُ في تعريف المجتمع المدني وتحديد دوره والشرائح المؤهلة لذلك، وهذه خصوصية من خصوصيات ثقافية الديمقراطية.

ولكن هذه التركيبة لكي يتم قبولها ما هو المانع في إعتبارالنظام السياسي في الوطن العربي هو متضمن لثقافية المجتمع المدني العربي، وبالتالي يمكن لنا القول أن ثقافية المجتمع المدني متضمنة في ثقافية الديمقراطية ؟؟

إن أصول” المجتمع المدني الحديث ” في الوطن العربي، أبعد ما يمكن من أن تكون بريئة: علي سبيل المثال خلال فترة الاستعمار للوطن العربي يختلط بالعنصرية والتبعية والاستغلال والتغريب، فلقد كان المجتمع المدني العربي في بداية ونهاية المطاف هو مجتمع المستعمرين، ومن هنا ينبغي ان يُعاد النظر في نظرية ومفهوم المجتمع المدني في الوطن العربي علي ضوء العلاقات التاريخية بين الدولة والمجتمع مع مراعاة جانب الخصوصية.

فالتحليل يتطلب إعادة النظر في الصياغة المفاهيمية للمصطلح، بحيث يشمل الدولة ومقومات المجتمع الذي نود وصفه ” بالمدني ” .

الطرح الحالي، والذي يعتبر أن مكونات المجتمع المدني ينبغى ان تكون في مواجهة النظام السياسي في الوطن العربي للحد من سلطتهِ وسيطرتهِ، يستند على المطالبة من قبل الفئات الاجتماعية، تحت مسميات المؤسسات والديمقراطية ، لاستنهاض قوي تقليدية وهياكل سياسية مهمشة من قبل نظامها السياسى.

ووفقاً لهذه الصعوبة في وضوح وتجلي المصطلح فيما اذا كان يلبي احتياجات المواطن العربي المتطلع إلي التنمية والإستقلال والإستقرار والمشاركة والتقدم والتحديث والتخلص من براثن الاقصاء والتهميش والتخوين، فأن الحقيقة والتي ينبغي التقدم لها, او ان تكون اكثر قرباً إلينا، هي ان ننظر إلي كل من الدولة والمجتمع كمواقع لديها القدرة علي إفراز خطابات وهذه الخطابات ليس لها إلا ان تُدمر او تُقوض نظاماً معيناً أو الاستسلام للوافد .

ان كلا من الدولة والمجتمع المدني، وبهذه الكيفية ووفق معيار ” ثقافية الديمقراطية ” لديها سياسات خاصة به، وينتج بالضرورة خطابات تتنافر اكثر منها تتقارب. والاقرب ان الدولة والمجتمع المدني ليسا منفصلين عن بعضهما.

تُري ماذا يمكن ان نسهم به من حيث فهم الدولة والمجتمع المدني في ظل خيبة أمل المواطنة العربية في ظل وضع دولتها الوطنية الراهن ؟

الجدل الذي صاحب مصطلح المجتمع المدني لا يمكن اسقاطه من ثقافة الديمقراطية سواء كان بالقبول او بالرفض او بالتحفظ، ولا يمكن ربط افكار المجتمع المدني بقبول او رفض الديمقراطية.

 المجتمع المدني ببساطة هو انتشار منظمات اهلية علي اوسع نطاق داخل المجتمع، وهذه حاجة تلقائية للمجتمع ضمن اطار التنظيم، ولكن الدعوة إلي إقامة منظمات اهلية داخل المجتمع من خلال افتعال عدو وهمي وهو الدولة والنظام القائم فيه، فالمسألة تحتاج إلي رصد وتحليل، والافتراض المبني علي الخطأ وضرورة الاقتناع به هو الذي يُوحي بأن هناك معارضة وان هناك عدم فهم واستيعاب لثقافية الديمقراطية .

وبالتالى فأن المشكل هو ” موقف النظام الرسمي العربي المعارض للمجتمع المدنى” لأن منظمات المجتمع المدني تتعارض مع ” استمرارية وتسلط النظام السياسي العربي”، ومن هنا ومن منطلق ثقافية المجتمع المدني يُطلب من المثقفين العرب موقفاً مؤيداً وإيجابياً تجاه المجتمع المدني ومنظماته، لأن تواجدها سوف يمنح أعضائها هامشاً للحرية والتحرر من النظام السياسي العربي، كلها مقولات علي نقيض تام مع فكرة التآصيل لثقافية الديمقراطية.

فكيف نستطيع قبول فكرة المجتمع المدني والتي تستهدف النظام السياسي العربي والحد من سيطرتهِ بمعني سيطرة الدولة، وفكرة العولمة والتي هي ايضاً تستهدف الدولة وتقليص دورها؟

والسؤال هو ماذا بقي لنا من الدولة في الوطن العربي ؟

بتقدير هذه المطالعه لا يوجد احد يرفض ما يعزز الديمقراطية وان يكون الكل في بؤرة العمل الديمقراطي، ولكن في ظل حوارية ثقافة الديقمراطية. فالدعوة مثلاً إلي إقامة منظمات داخل المجتمع العربي مسألة مفروغ منها وقد تجازها الزمن العربي، ففي احدي الاقطار العربية علي سبيل المثال، توجد نقابة للمعاقين كمنظمة راعية لحقوق الانسان المعاق، ولا توجد في العالم وحتى في زمن العولمة، منظمة ترتقي وتهتم بحقوق الانسان غير مسبوقة كهذه، لذلك فشرعية وجود منظمات للمجتمع المدني في الوطن العربي ملف يمكن تجاوزه ويبقى السؤال هو كيفية التوافق والتفعيل للدور المنظماتى المدنى العربى المفقود.

فاذا اخفقت الدولة في تحقيق طموحات وامال الانسان العربي، فالدولة تتكون من منظمات وبالتالي الفشل هو فشل تلك المنظمات والتي يراد بها ان تكون من ضمن مكونات مصطلح المجتمع المدني، وليس الدولة.

بكل الجزم ان فكرة المجتمع المدني هي فكرة وافدة وتآطيرها المنهجي هو تآطير وافد، ويمكن مراجعة ادبيات المجتمع المدني عربياً، ومن الذي آطر له ؟

ومن هنا ينبغى اعادة النظر فى طبيعة العلاقة بين الدولة وقيام منظمات المجتمع المدنى علي ضوء العلاقات التاريخية المجتمعية العربية.

أيضاً ما هو منظور المجتمع المدني المطلوب؟

ما هو أساس مفهوم الرضوخ في اسس العلاقة بين المجتمع المدني والدولة؟

ومن يرضخ لمن ؟

 بعبارة أخري، إن الأعمال المتوفرة في التاريخ العربي في جزئية المجتمع المدني تفترض أن علاقات القبيلة والعائلة والطائفة قد لعبت دوراً مهماً في الأبنية الإجتماعية والسياسية وفي كيفية ممارسة السلطة، إضافة إلي ذلك فإن النظرية الإجتماعية والسياسية العربية تحمل في طياتها تحديات كبيرة للافكار الوافدة عن المجتمع المدني والتي تري فيه أنه أكثر ديمقراطية من الدولة !!

وفي الوطن العربي وجب القول أن فكرة المجتمع المدني المقصودة فعلياً كما يمر بنا في مسألة العولمة وجدلها، هي إشارة في آن واحد إلي الحركات المطالبة بالتغيير والديمقراطية والاصلاح والمنظمات النسائية والجماعات الشبابية والعمالية والمثقفين والطلاب والمهمشين والفقراء والمبعدين عن ممارسة حقوقهم فى مواجهة عنف الاقلية الحاكمز.

كما تُشير ايضاً إلي القوى التقليدية، والهياكل السياسية المحلية والجماعات الدينية، فهذه القوى هي التي يعنيها خطاب المجتمع المدني الوافد قبل غيرها.

_____________

المصدر: صفحات التواصل الاجتماعي

مقالات مشابهة

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *