عبدالله الكبير

سيمتد موسم سقوط الطغاة إلى عدة عقود، وسيفرح الأحرار بكل سقوط متسائلين.

من التالي؟

فالزلزال الذي ضرب المنطقة العربية عام 2011، مايزال في أعلى مراحله، رغم ما يبدو ظاهريا أنه انتهى إلى الفشل، نعم. مايزال لدى طائفة من الشعوب حنين جارف إلى زمن الذل العبودية، لذا تراهم في تيه وحيرة، ولا يهدأ لهم بال حتى يقيموا صنما جديدا، يسلمونه رقابهم ويسبحون بحمده، ويدفعون بأبنائهم في حروبه، ويزج بعضهم في سجونه الباذخة.

لكنهم نحو الانحسار ماضون، فالقوى المضادة للثورات أو ما عرف في الأدبيات بالثورات المضادة، استنفذت كل رصيدها وكل قوتها لتحطم الثورات وتعيد الشعوب إلى حظائر القمع والصمت والاستبداد، بعد أن سخرت كل امكانياتها المالية والسياسية والدبلوماسية الإعلامية، فغرقت بلاد الثورات في الصراعات والحروب الداخلية.

وعاد المستبدون للسلطة في بلدان أخرى، وتدخلت قوى خارجية لتؤجج الصراعات بين أطراف متنازعة على السلطة، حتى باتت الحياة في بلدان الربيع العربي جحيما لا يطاق

في هذا المناخ تراجعت أحلام التغيير، وانتشر اليأس في نفوس الشعوب المقهورة، إلى حد الردة عن الثورة واعتبارها مؤمراة خارجية، وتنفس سدنة الرجعية والطغيان في السعودية والإمارات ومصر الصعدأ، ظنا منهم أن حمى الثورة قد زالت، وأن الطغيان آخذ في التعافي، فأعادوا تأهيل طاغية الشام واحتضنوه في قممهم الساقطة، ثم استأنفوا تآمرهم على المقاومة الفلسطينية، بتقديم الدعم والمساندة للعدو الغاصب للأرض والمقدسات والتاريخ، فهم لا يملكون أي شرعية تمنحهم امتياز السلطة، ومن ثم فالخضوع لسياسات العدو والتبعية لأمريكا هي التي تضمن لهم العروش.

 ولكن الشعب السوري العظيم فاجأهم كما فاجأ كل العالم، ونهضت قواته الباسلة شامخة واثقة لتدك عرش الطاغية الذي أوغل في الدماء، وتجبره على الهروب خلسة تحت جنح الظلام، لتنشر الصحف في اليوم التالي تحوله إلى لاجئ في موسكو. نهاية مذلة بائسة شهدها العالم بأسره، وبقايا حياة قاتمة مطوقة بالخوف من العدالة.

 كل دارس بعمق للتاريخ الإنساني بشكل عام، وللثورات والتغيير بشكل خاص يدرك منذ اندلاع شرارة التغيير في تونس نهاية عام 2010، أن العدوى ستنتقل على امتداد الجغرافيا العربية وماجاورها، وأن حقبة جديدة تولد في هذه السنوات.

ولكن الاستقرار النهائي لن يتحقق قبل عدة عقود ربما تصل إلى خمسة، فالتغيير الشامل لا يكون قبل زوال الأجيال التي تكونت في زمن الاستبداد ولا تعرف غيره، لا بد من أجيال جديدة مارست الحرية ووعت قيمتها، ولا يمكن أن تقبل بالعبودية لفرد يحكم هو وعائلته بمزاجه ونزواته.

لقد استغرق التغيير في بلدان أمريكا اللاتينية قرن ونيف، زمن بالغ الطول والقسوة والطغاة، مع كل صنوف التعذيب والقمع والقتل والتخريب على كافة المستويات، ولكن النضال لم يتوقف، ولم يستنكف المناضلون عن التشوق للتحرر وتحطيم الأغلال، ولما حان قطاف رؤس الطغاة كرت السلسلة عليهم جميعا، وبعد عدة عقود استقرت الشعوب على النظم الديمقراطية، وبات استقلال القرار الوطني حقيقة واقعة يمارسها حكام منتخبون

 هنيئا للشعب السوري الصبور، ولكل الأحرار الذين لم ييأسوا وبقوا على عهدهم وعهد من سبقهم من رفاقهم إلى الشهادة، ليستمر النضال والكفاح حتى إسقاط آخر الطغاة في بلاد العرب، وقطع دابر سلالتهم بتنظيف البيئة من الجراثيم المساعدة على ظهورهم ونموهم.

_____________

مقالات مشابهة