القوى الخارجية الراغبة في إيجاد آلية بديلة للتصرف في الأموال الليبية تتخوف من انتقال بعض تلك الإيرادات إلى روسيا.

أثار بيان أميركي ينتقد الإنفاق الحكومي شرق ليبيا وغربها، عقب تصريحات للمحافظ المركزي المعزول الصديق الكبير، حذر خلالها من سيناريو “النفط مقابل الغذاء”، التكهنات في ما إذا بات هذا الخيار مطروحا على الصعيد الدولي لمواجهة العبث بثروات البلاد.

والتزمت حكومتا طرابلس وبنغازي الصمت تجاه الاتهامات الواردة في تقرير الشفافية للعام 2024 الصادر عن الخارجية الأميركية والتي تتعلق بالإنفاق دون مساءلة في ليبيا التي فشلت على غرار السنوات الماضية في اعتماد متطلبات الشفافية المالية وفق معايير وضعها الكونغرس.

وطالب التقرير المسؤولين الليبيين بالعمل على “إنفاق الأموال العامة بطريقة شفافة وخاضعة للمساءلة”، ودعا إلى “التوصل إلى حل وسط بشأن التوزيع العادل لعائدات النفط الليبية”، مناديا بوضع ميزانية موحدة، والإفصاح علنا عن كيفية استخدام الإيرادات العامة.

وأشار التقرير إلى دور الانقسامات الداخلية في استمرار الأزمة حيث أنها “تمنع الحكومة من تنفيذ عمليات الميزانية العادية، الأمر الذي أثر سلبًا على الشفافية المالية”، ووجه انتقادات لاذعة لسياسات حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها برئاسة عبدالحميد الدبيبة من حيث “عدم تقديم مقترح للميزانية التنفيذية” إضافة إلى “صرف الأموال دون موافقة من مجلس النواب”.

وتطرق التقرير إلى مجموعة من الخطوات التي يمكن أن تتخذها ليبيا لتحسين الشفافية المالية، أبرزها نشر وثائق الميزانية في مدة زمنية معقولة ووفقا للمبادئ المقبولة دوليا، والكشف في وثائق ميزانيتها عن المعلومات المتعلقة بالتزامات الديون، بما في ذلك ديون الشركات الكبرى المملوكة للدولة، مع ضمان أن تكون وثائق الميزانية قابلة للمقارنة من سنة إلى أخرى ، ودعا إلى “إخضاع الميزانيات العسكرية والاستخباراتية للرقابة البرلمانية أو المدنية العامة، وضمان أن تفي المؤسسة العليا للرقابة المالية والمحاسبة بالمعايير الدولية للاستقلال وضمان إفصاح صندوق الثروة السيادية عن البيانات المالية وإستراتيجية الاستثمار”.

ويرى مراقبون أن التقرير الأميركي يمكن أن يكون مؤشرا على جدية تحذير الكبير من أن “سيناريو ‘النفط مقابل الغذاء’ قادم إلى ليبيا إذا طالت أزمة المصرف المركزي”، وذلك في ظل استمرار عجز المشاورات بين مختلف الفرقاء عن حلحلة الأزمة المتفاقمة منذ 19 أغسطس الماضي.

ويضيف المراقبون أن الجانب الأميركي وحلفاءه الغربيين لا يثقون بالسلطات الحالية في ليبيا، ولا بالآليات المعتمدة في التصرف في إيرادات النفط والغاز، خاصة في ظل الصراع المحتدم بين القوى الإقليمية والدولية على النفوذ في ليبيا، ومخاوف واشنطن من انتقال بعض تلك الإيرادات إلى روسيا ليتم استعمالها من قبل موسكو في توسيع نفوذها في شمال أفريقيا وغربها وعلى امتداد منطقة الساحل والصحراء.

وكانت الأمم المتحدة قد طبقت برنامج “النفط مقابل الغذاء” مع العراق، بمقتضى قرار صادر عن مجلس الأمن في عام 1995، حيث تم السماح للعراق بتصدير جزء محدد من نفطه، ليستفيد من عائداته في شراء الاحتياجات الإنسانية لشعبه، تحت إشراف دولي، بعد فرض عقوبات اقتصادية عليه عقب حرب الكويت.

ورغم أن الوضع الحالي في ليبيا يختلف عما كان عليه في العراق في تسعينات القرن الماضي إلا أن فشل الفرقاء الليبيين في حلحلة أزماتهم واستمرار استعمال النفط كأداة ضغط وغياب التوزيع العادل لإيراداته وتدخل القوى السياسية في عمل المؤسسات المالية، ومنها المصرف المركزي، يطرح إمكانية لجوء المجتمع الدولي إلى فرض الوصاية على إيرادات الثروة النفطية التي تصل إلى 95 في المئة من مجمل إيرادات الدولة الليبية، بما يساهم في تأمينها والتحكم في قنوات صرفها.

ويعتقد محللون أن القوى الخارجية الراغبة في إيجاد آلية بديلة للتصرف في الأموال الليبية يمكنها الاعتماد على التحقيقات والتقارير المتعلقة بالفساد المالي والإداري في المؤسسات المالية ومن قبل الجهات الحكومية وبغياب الرقابة واتساع دائرة العبث بالمال العام سواء بالتهريب أو الإهدار أو المضاربة أو التلاعب بالاعتمادات المستندية.

وأكد الكبير في تصريحات صحفية الأسبوع الماضي أن هناك 29 مؤسسة مالية دولية رئيسية أوقفت تعاملها مع المصرف المركزي، مشيرا إلى أنه “على تواصل مستمر ومباشر مع رئيس مجلس النواب عقيلة صالح ورئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري وأنهم على إحاطة بشكل مستمر بشأن تطورات هذه الأزمة الخطيرة على البلاد”، وتابع أن الأطراف الدولية غير مستعدة للتعامل مع جهة جلبها قرار معيب وهم على دراية بالاتفاق السياسي والوضع في ليبيا، لافتا إلى أن المؤسسات الدولية أوقفت تعاملها مع ليبيا وإذا استمر الوضع الحالي فإنه يخشى سيناريو “النفط مقابل الغذاء”، في إشارة إلى البرنامج الذي وضعته الأمم المتحدة في العراق عام 1995.

ويمكن اعتبار تحذيرات الكبير رسالة واضحة إلى الفرقاء الليبيين والقوى المالية والاقتصادية، انطلاقا من علاقاته الواسعة مع المؤسسات المالية الدولية، ومن اتصالاته مع عدد من العواصم الإقليمية والدولية المؤثرة في المشهد الليبي، لاسيما أن واشنطن وعواصم غربية أخرى كانت طرحت في مناسبات عدة إمكانية اعتماد آلية للتصرف في مداخيل النفط في ليبيا، كما أن المبعوث الخاص الأميركي إلى ليبيا ريتشارد نورلاند كان قد دعا القادة الليبيين إلى وضع آلية شاملة للتحكم في الإيرادات النفطية كطريقة بناءة لمعالجة التظلمات حول توزيع عائدات النفط ولإرساء الشفافية من دون المخاطرة بسلامة اقتصاد ليبيا أو الطبيعة غير السياسية للمؤسسة الوطنية للنفط، وطالب الفاعلين السياسيين الليبيين بالابتعاد عن التهديد بإغلاق النفط الذي من شأنه أن تكون له تداعيات مدمرة على الاقتصاد الليبي وستضر بكل الليبيين، وفق تقديره.

وفشلت البعثة الأممية في إقناع المجلس الرئاسي ومجلسي النواب والدولة بالاتفاق على حلحلة أزمة المصرف المركزي رغم اتفاق مجلسي النواب والدولة على جملة الشروط المطلوب توفرها في المترشحين لمنصب المحافظ.

وقالت أوساط برلمانية إن البعثة أخطأت خطأ فادحا عندما دعت المجلس الرئاسي إلى المشاركة في اجتماع مع مجلسي النواب والدولة بهدف حلحلة الأزمة، الذي كان من المفترض أن يكون توافقيا بين مجلسي النواب والدولة وفق الاتفاق السياسي واتفاق منتدى الحوار المشترك بينهما في أبوزنيقة المغربية، والذي تم توقيعه في يناير 2021 بخصوص التعيينات في المناصب السيادية ومنها مصرف ليبيا المركزي.

_________________

العرب

مقالات مشابهة