حاوره: عبد الحميد صيام
في يوم 6 كانون الثاني/يناير 2020 قدّم الممثل الدائم الجديد لليبيا لدى الأمم المتحدة طاهر محمد السني، أوراق اعتماده للأمين العام أنطونيو غوتيريش، خلفا للسفير المهدي المجربي. قبل تعيينه مثلا لبلاده لدى الأمم المتحدة، كان السني المستشار السياسي الأول لرئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني الليبية، فايز السراج، بدءًا من عام 2016. كما عمل مستشارا سياسيا لمجلس النواب وعضوا مفاوضا خلال الحوار السياسي الليبي عام 2015 بعد أن شغل منصب وزير مفوض ومستشار لوزير الخارجية للشؤون الدبلوماسية والعلاقات الدولية عام 2014.
قبل انضمامه إلى وزارة الخارجية والتعاون الدولي، كان للسني 22 عامًا من الخبرة الدبلوماسية والسياسية والإدارية في الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية. وفي عام 2012 كان مديرا لمشروع مشترك بين الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي لإنشاء أول مركز لإدارة الأزمات في جامعة الدول العربية.
في عام 2011 كان عضوًا في فريق التقييم لإنشاء بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا «UNSMIL» وفي البعثة التي قامت بتقييم احتياجات البلاد بعد الصراع وفي فريق دعم الانتخابات التابع للأمم المتحدة. وخلال العام نفسه، شارك في تنسيق الأنشطة الإنسانية والإغاثية.
شغل السني منصب رئيس العمليات في مكتب الأمم المتحدة في غزة عام 2009 ومستشار العمليات الأول في المكتب الإقليمي للأمم المتحدة للدول العربية عام 2008 ورئيس وحدة دعم البرامج والمشاريع التنموية في مكتب المنظمة للدول العربية عام 2003 ورئيس وحدة دعم البرامج والمشاريع في مكتب الأمم المتحدة في ليبيا عام 1988.
حصل على درجة البكالوريوس في هندسة الكمبيوتر من جامعة طرابلس، ليبيا، ودرجة الماجستير في العلوم من جامعة مدينة نيويورك. وهو من مواليد مدينة مِزدة بليبيا.
التقت «القدس العربي» بالسفير الليبي طاهر السني وأجرت معه حوارا وهنا نصه.
هل لك أن تعطينا مقدمة أولية لوصف ما يجري في ليبيا من نزاع بين الإخوة والأقارب. فالشعب الليبي، كما نعرف، من أكثر الشعوب تجانسا، من حيث العرق والدين والمذهب واللغة والثقافة. فلماذا هذا النزاع الذي دخل عامة الرابع عشر؟
إن ما يجري في ليبيا ليس معزولا عما يجري في المنطقة. كل ما يجري من تطورات في المنطقة جاءت في أعقاب «الربيع العربي» عام 2011. والربيع العربي أيضا لم يأت من فراغ بل من مجموعة تطورات سبقته تمتد لعقود، يمكن أن نعود بها إلى ما بعد الحرب العالمية الأولى ودخول المنطقة مرحلة الاستعمار ثم انطلاق حركات التحرر المحلية ضد القوى الاستعمارية. جاءت بعدها مراحل الحكم المحلي والانقلابات العسكرية. ومرّت ليبيا بعد الاستقلال في مرحليتن– الملكية ثم الحكم العسكري بعد الانقلاب الذي قام به معمر القذافي عام 1969.
ولنظام القذافي كغيره إيجابياته وسلبياته إذا ما أردنا مراجعة الماضي، وكان لنظام جمال عبد الناصر في مصر والمد القومي في الوطن العربي وهجه وجاذبيته، والقذافي حاول أن يتبع هذا النموذج وكانت ليبيا مهيئة لمثل هذا التطور.
الملك كان ضعيفا، فجاء نظام القذافي، لكنه تحول إلى نظام سلطوي يقوم كل شيء فيه حول الفرد وأهمية الفرد. الفرق في ليبيا أنها بلد غني وخاصة بعد اكتشاف النفط، كان عدد سكانها لا يزيد عن المليونين. اليوم عدد سكان ليبيا نحو 7.5 مليون نسمة.
فالمشكلة في ليبيا كانت تنبثق من شخص يريد أن يبني له صورة خارج البلاد أكثر مما كان ينتبه للأمور الداخلية. فمن يهتم بالقضايا الخارجية ومناهضة قوى الهيمنة، يعتقد أن القذافي قائد عظيم كان يتصدى لتلك القوى ويمثل موقفا صلبا منها ولا يساوم. فكان محبوبا لدى الأجيال الصاعدة في الوطن العربي بسبب مواقفه من القوى الخارجية.
لكن لا أحد كان يعطي أي أهمية لما كان يجري في داخل البلاد. فمن ينظر إلى وضع ليبيا اليوم ويقارنها بدول الخليج التي تملك نفس الثروات النفطية وقلة عدد السكان للاحظ ضعف البنى التحتية في ليبيا. سياسة العقيد كانت: لا نريد أن يكون الناس فقراء ولا أغنياء. واستخدم ثروات البلاد لطموحاته الشخصية. فلو زرت أي بلد أفريقي لوجدت الاستثمارات الليبية، ولكن ليس داخل ليبيا.
هذا ما سبب إحباطا كبيرا لدى الشعب الذي كان يتساءل لماذا لا يكون الاستثمار أولا داخل ليبيا ثم ينطلق إلى الخارج. لذلك كان من السهل اندلاع الثورة الليبية عام 2011 التي كانت انعكاسا لتلك المرارة. هناك حقائق أخرى وخاصة طريقة تعامله القاسية والعنيفة مع المعارضة الليبية. فهناك 40 سنة من الحكم والقصص كثيرة لا نريد أن ندخل في تفاصيلها.
أود فقط أن أثير مسألة غياب القيادة في ثورة 2011 وهذا سؤال مهم في الثورات الفورية بدون قيادة، هل تستطيع أن تحقق أهدافها وهل الثورات بقائد معروف يمكن أن ينزلق مرة أخرى إلى نظام السلطوية وديكتاتورية الفرد؟ وأترك هذا الموضوع للدراسات الأكاديمية.
القائد العسكري خليفة حفتر يحاول إعادة إنتاج النظام العسكري القائم على الفرد وهذا ما لا يقبله الشعب الليبي بعد تجربة القذاقي ولا يريد إعادة إنتاج التجربة. مشكلتنا الآن ليس لنا قيادة واضحة تماما وهناك تدخل دول عديدة في الشأن الليبي.
ونحن الآن نمر في مرحلة الوساطة الدولية التي تقودها الأمم المتحدة، وبانتظار تعيين مبعوث خاص جديد لليبيا ليكون المبعوث العاشر بمعدل مبعوث لكل سنة وعدة أشهر، وهذا شيء غير مسبوق. هل المشكلة تكمن في المبعوث الأممي أم في الدولة الليبية أم في التدخلات الخارجية أم في هذه العناصر مجتمعة؟
هناك من يدعو إلى تأجيل الانتخابات لغاية ترتيب الأمور الداخلية لكن الأمم المتحدة أحيانا تحاول أن تستعجل الانتخابات ظنا منها أنها ستخرج البلاد من أزمتها؟ فما هو رأيكم في هذا الطرح؟
أولا علينا أن نقر بأن الأمم المتحدة ليست دائما طرفا محايدا. وحتى يجب أن نصحح اللغة عندما نقول الأمم المتحدة قررت، الأمم المتحدة عملت، فالصحيح الذي قرر والذي عمل أو لم يعمل هي إرادة الدول التي تتحكم في الأمم المتحدة، هؤلاء الذين يقررون الأمور ويتفقون أو لا يتفقون على تسمية المبعوث الخاص، وأحيانا يتجادلون داخل المجلس حول من هو المسؤول عن إرسال الأسلحة لليبيا.
فنحن أحيانا نقع تحت رحمة هذه الدول، فهم يتخذون قرارات ولا أحد يلتزم بها، انظروا ماذا يحدث في غزة. الأمين العام يصرخ باستمرار لتنفيذ القرارات التي اعتمدها مجلس الأمن وما هي النتيجة؟ هذا مثال فقط.
أنا أيضا أضع لوما أساسيا على أنفسنا، مع علمنا بمدى التدخل الخارجي، لكنني لا أعفي مسؤوليتنا كليبيين لأخذ المبادرة في أيدينا والتقدم نحو حل ليبي. للأسف فالأموال التي تتدفق والأسلحة والتدخلات الخارجية لم تترك لنا مجالا للتنفس. هناك من يعمل على دب الخلافات بين أفراد العائلة، نريد أن يتركونا لوحدنا ونحن قادرون على حل مشاكلنا بأنفسنا.
تتعرض ليبيا لتدخلات واسعة من عديد من الدول كل له مصالحه الخاصة. كيف يمكن أن تفسر لنا هذه التدخلات الواسعة من دول قريبة وأخرى بعيدة؟
إذا راجعت خريطة الدول التي تتدخل في الشأن الليبي لوجدت خلافات سياسية كبيرة بينها، لكنها كلها تلتقي في مسألة البحث عن مصالحها وإبقاء الوضع على ما هو عليه. هناك من يريد النفط ويريد أن يأخذ حصته بسرعة. ورغم السنوات الثلاث عشرة التي شهدت البلاد فيها النزاع الداخلي، لم يتوقف إنتاج النفط إلا ثلاث مرات وكان توقف النفط خطا أحمر فتأتي التعليمات للاستمرار في إنتاج النفط، شيء مذهل، فرغم النزاعات المتعددة ما زالت هذه الدول تراعي توافق المصالح بينها وذلك بالاستمرار في إنتاج النفط لأن ذلك يؤثر على أسعار النفط عالميا.
بعض الدول ترى مصلحتها انطلاقا من تأثير الأوضاع الليبية على بلادها داخليا فيصبح الفشل في التحول الديمقراطي في ليبيا مصلحة وطنية لتلك الدولة، وهناك أمثلة عديدة من دول المنطقة ترى من مصلحتها ذلك. بعض الدول ترى مصلحتها الجيوسياسية ليس في ليبيا فحسب بل في المنطقة وخاصة دول الساحل.
انظر التغيير الذي حدث في النيجر ومالي وتشاد وبوركينا فاسو وجمهورية أفريقيا الوسطى وغيرها، هذه دول كانت تحت النفوذ الفرنسي، الآن أصبحت علاقاتها قوية مع روسيا. ليبيا ليست معزولة عن الوضع، تركيا مثلا لها طموحات في التوسع التجاري خاصة، وهذا من حقهم، ولذلك يحاولون التوسع أيضا باستخدام القوة العسكرية حفاظا على مصالحهم بعد تدخل القوة الروسية في ليبيا، هناك ثماني دول على الأقل تتدخل في الشأن الليبي.
لنتحدث أكثر عن المصلحة التركية في ليبيا. كيف دخلت تركيا إلى المشهد الليبي؟ هل بسبب التدخل الروسي أم ماذا؟
تركيا تعمل على التمدد الاقتصادي في المنطقة وخاصة في أفريقيا وتريد أن يكون لها بصمات واضحة في المنطقة فهذه حقيقة. لكن الفرق بين تركيا ودول أخرى، من وجهة نظري، أن الأتراك عمليون ونفعيون وبإمكانك أن تعقد صفقة معهم. صحيح أنهم موجودون في المشهد الليبي بشكل أو بآخر، لكنهم يحاولون أن يتصلوا بالجميع ومع كل الأطراف الليبية وخاصة تجاريا لحماية مصالحهم.
لكن هناك من يتدخل في الشأن الليبي عسكريا، وهو بعيد آلاف الأميال، وليس هناك ما يبرر هذا التدخل. على الأقل يمكن أن تفهم تدخل بعض دول الجوار حفاظا على مصالحها الوطنية، حتى يمكن أن تفهم تدخل بعض دول حوض البحر المتوسط.
ولكن هناك دولا، دون أن نسميها، بعيدة جدا عن المنطقة، وتتدخل في عديد من الدول بدون أي مبرر معقول إلا التأثير سياسيا على هذه الدولة أو تلك. هناك تخوف من أن تأخذ ليبيا دورها الصحيح والمشرق في المنطقة تجاريا وسياسيا خاصة وأنها بوابة على أفريقيا وموقعها مثالي أيضا وتستطيع أن تربط الشرق بالغرب والشمال بالجنوب،
وهذا ما تعتبره بعض الدول تهديدا لها، فهذا أحد أسباب التدخل من بين مجموعة أسباب أخرى، وعلينا أن نراجع شريط الأحداث لنفهم التدخل التركي، فقد كان الجنرال حفتر وأتباعه على وشك مهاجمة طرابلس من الشرق في نيسان/أبريل عام 2019 وكان مدعوما بمرتزقة الفاغنر آنذاك، الفكرة كانت السيطرة على طرابلس.
كانت الحكومة في طرابلس تحاول صد قوات حفتر لأكثر من ثمانية أشهر لكن القوى المتجهة للسيطرة على طرابلس كانت أقوى من قدرة الحكومة، وهنا عرضت الحكومة التركية التدخل والمساعدة، عندها طلبت الحكومة في طرابلس رسميا من الحكومة التركية التدخل والمساعدة، ولكن لننظر إلى وضع تركيا، فهي عضو في حلف الناتو.
أليس من مصلحة دول الناتو أن تمنع روسيا من السيطرة على طرابلس، وبالتالي تصبح طرابلس أقرب إلى الحلف الغربي؟ فعندما دخلت تركيا أيدت الولايات المتحدة هذا لوقف التقدم الروسي.
الآن البلاد منقسمة بين الشرق والغرب ويعيشان شهر عسل ولكن من مصلحة الناتو ألا تسيطر روسيا على ليبيا لأنها لو سيطرت على ليبيا لأعادت إنتاج النظام السابق، ودائما تؤكد روسيا في كلماتها أمام مجلس الأمن أنهم طعنوا في الظهر عندما وافقوا على تدخل الناتو في ليبيا (قرار مجلس الأمن 1973 -2011).
القذافي كان مدعوما من روسيا، والآن دعم حفتر يعني وضعه على قمة السلطة وإعادة إنتاج النظام السابق. الدول الغربية لا تريد ذلك ولذلك قامت تركيا بهذا الدور، وهناك شبه في المشهد السوري بين تركيا وروسيا. وكذلك حاولت تركيا التدخل في أفغانستان بعد سيطرة طالبان على البلاد. نعم لدى تركيا مصالح، لكن ليبيا وضعت بين شطري الساندويتش التركي والروسي. ولكن من السهل التعامل مع تركيا بينما التعامل مع روسيا أكثر تعقيدا.
وهل الولايات المتحدة تؤيد الجنرال حفتر؟
سؤال معقد قليلا. كان حفتر مسؤولا للقوات البرية المسلحة أيام العقيد القذافي، وكانت هناك حرب بين ليبيا وجارتها الجنوبية تشاد. لقد أسرت القوات التشادية حفتر في إحدى المعارك ووضعوه في السجن. انشق عن القذافي وانتهى به الأمر في ولاية فرجينيا بالولايات المتحدة الأمريكية لمدة عشرين سنة، وأصبح مواطنا أمريكيا وكان يعمل على قيادة المعارضة الليبية للقذافي.
عند اندلاع الربيع العربي عام 2011 أعيد حفتر إلى ليبيا لقيادة الثورة الليبية ضد القذافي. فالسؤال كيف يمكن أن يصل إلى هذا الموقع بدعم أمريكي وفي نفس الوقت مدعوم من روسيا؟
في عام 2024 زار نائب وزير الدفاع الروسي ثلاث مرات خليفة حفتر في شرق البلاد. وترى كذلك أسبوعا بعد آخر مسؤولا أمريكيا من قيادة القوات في أفريقيا «AFRICOM» يقوم بزيارته كذلك؟ وفي استعراض عسكري أخير نظمه حفتر شوهد الملحق العسكري الأمريكي يجلس على المنصة. وكان هناك الممثل الروسي أيضا موجودا.
لقد أعلنوا عن نهاية وجود ما يسمى قوات «الفاغنر» وتشكيل ما يسمى «قوات الفيلق الأفريقية» مع قوات حفتر. ولذلك لا جواب شافيا عندي.
لماذا لا يكشف الأمريكيون أوراق حفتر ويسمونه بالإسم ويلحقون به العار؟
لماذا لا يفرضون عليه عقوبات؟
كل هذه الأسئلة متروكة للمستقبل. حديثا تم تعيين سفيرة أمريكية جديدة وعندما سئلت عن حفتر كان جوابها غامضا تتجه فيه يمينا وشمالا بدون إعلان موقف واضح. هم يعرفون سجل الرجل وعليه محاكم في فرجينيا.
وماذا عن الدور المصري في ليبيا؟
الوضع مختلف بالنسبة لمصر. قد تجد السبب في أن مصر تريد ضمان الأمن مع إسرائيل. وهناك مصالح للنظام المصري وخاصة قضية الحدود وحمايتها وهو ما يمكن أن يفسر دعم مصر لحفتر والذي يملك القوة في الشرق ويستطيع تأمين الحدود ووقف تهريب السلاح وضمان الاستقرار ما ينعكس إيجابيا على مصر. فقد مرت منطقة الحدود بفترة فوضى وتهريب سلاح أيام الرئيس السابق مرسي وبعض الأسلحة وصلت إلى سيناء وحتى غزة. فالموقف المصري نابع من هذه المسائل المتعلقة بالأمن القومي.
المغرب رعى محادثات الصخيرات لفترة طويلة نتج عنها اتفاق الصخيرات عام 2015 والذي مهد لقيام حكومة الوفاق الوطني. كيف تقيمون علاقاتكم بالمغرب؟
المغرب له موقف جيد يتعلق بالوساطة في الموضوع الليبي. كل الأطراف الليبية لا مانع لديها أن تطير إلى المغرب من أجل المفاوضات. وأنا كنت من المشاركين في المحادثات ووقعت على اتفاق الصخيرات، وقضينا عاما كاملا من المفاوضات حتى أنجزنا اتفاقية الصخيرات المسماة «الاتفاق السياسي الليبي» والذي انبثقت عنه حكومة الوفاق الوطني التي استمرت مدة خمس سنوات.
لعب المغرب هذا الدور وأمن وجود منصة للمفاوضات، وحاولوا مؤخرا أن يجددوا وساطتهم إلا أن الأمور تغيرت كثيرا وأصبحت أكثر صعوبة. نحن نقر بحساسية الوضع بين المغرب والجزائر، وكنا إذا سافرنا إلى المغرب لا بد من المرور بالجزائر وإذا سافرنا إلى قطر نمر بالإمارات وإذا نريد أن نسافر إلى مصر نتجنب زيارة تركيا. ل
قد تعبنا من تلك الحساسيات. ولكن الدور المغربي في الماضي كان مهما لكن لم يعد الآن مؤثرا بسبب تطورات الأوضاع في المنطقة.
حول المبعوثين الخاصين للأمين العام– تسعة منهم استقالوا أو تركوا المنصب بدون انجازات والبحث جار الآن عن المبعوث العاشر بعد استقالة عبد الله باتاليني. أين الخلل في المبعوث أم في ليبيا أم في مؤسسة الأمم المتحدة؟
أنا سألت نفس السؤال داخل مجلس الأمن. المعضلة لا تتعلق بشخصية المبعوث فحسب، ربما تجد إشكالية في شخصية واحد من التسعة لكن المشكلة أكبر من المبعوث، فليس معقولا أن العلة في جميع المبعوثين. لكن التوقعات من المبعوثين زادت بسبب وعي الشعب الليبي أيضا. وقد التقيت بغسان سلامة (اللبناني) وقلت له عندك فرصة لمدة ثلاثة أشهر، إذا لم تحقق شيئا خلالها فاعلم أن مهمتك ستفشل. وقلت للمبعوث الأخير باتيلي (السنغال) معك شهر واحد فقط، إما ان تحقق الاختراق أو مهمتك ستفشل.
فالحقيقة أن المشكلة لا تتعلق بشخصية المبعوث بقدر ما تتعلق بأسلوب الأمم المتحدة في مسألة الوساطة. وقد تكون لدى المبعوث آراء عظيمة ولكنه لا يستطيع تنفيذها لأن القوى المتنافسة في ليبيا تجره مرة نحو اليمين ومرة نحو الشمال، وقد تكون المشكلة في الميعوث الخاص نفسه إذا لم يكن قادرا على الإبداع وتقديم أفكار ريادية، وعادة عندما يأتي مبعوث جديد يبدأ من الصفر وقد طلبت من أعضاء مجلس الأمن عندما يتفقون على مبعوث خاص جديد أن يتابع من حيث انتهى سلفه ويبني عليه.
لننتقل إلى الحديث عن غزة والمأساة التي نشاهدها جميعا بعد 76 سنة من النكبة. أين تتجه الأمور في الأمم المتحدة؟
هذه من أحلك لحظات التاريخ المعاصر. ونحن نتكلم عن الإنسانية، وليس عن مواقف سياسية مختلفة. فما يجري في غزة غير مسبوق. عندما حدث غزو روسيا لأوكرانيا الكل هنا وقف ضد ذلك الغزو، صوتنا ضده، انظروا إلى كمية النفاق وازدواجية المعايير في موضوع غزة وخاصة حجم الخسائر البشرية من نساء وأطفال؟
هذه مسألة نفاق غير مسبوق، الكل يتحدث عن حل الدولتين بما فيها الولايات المتحدة، فما هو تعريف الدولة، كيف يمكن أن تتفاوض مع طرف لا يعترف أصلا بك؟ فإذا كان طرف يعامل من موقع متدن مع الطرف الآخر فكيف سيكون هناك نجاح للمفاوضات وسلام؟
الولايات المتحدة تدعي أنها الوسيط ولكنها تدعم إسرائيل بلا حدود ما سبب عزلة كبيرة لها حتى شعبيا داخل الولابات المتحدة وحتى داخل قطاعات يهودية مهمة داخل الولايات المتحدة الذين يرفضون ما يجري في غزة لأنها مسألة إنسانية قبل كل شيء. وما يجري في غزة ينعكس سلبيا على عملنا في الأمم المتحدة– في كل المجالس وكل اللجان، فحتى الموقف من أوكرانيا تغير بسبب ازدواجية المعايير هذه.
لماذا تتوقعني أن أقف معك هنا بينما تأخذ مثل هذا الموقف من حرب غزة؟ لا أعتقد أن الاعتراف بدولة فلسطين المستقلة قريب لكنه آت لا محالة. لقد تغيرت الأمور بعد السابع من أكتوبر، فالوضع الآن يشير إلى وعي جماهيري عام بالقضية الفلسطينية شبيه بالوعي بعد 11 أيلول/سبتمبر 2001 عندما بدأ الناس يتعرفون على الإسلام ومعنى الحجاب ومعنى الرفض للقيم الغربية.
نعم الثمن كان كبيرا لكن حركة الوعي كانت كبيرة وهو ما يحدث الآن بالتعرف على القضية الفلسطينية. أنظروا وعي الشباب والطلاب وخاصة بسبب وسائل التواصل الاجتماعي، لقد تم كشف مدى النفاق في المواقف حول فلسطين ونأمل أن يستمر الوعي بالقضية لتتغير المعادلة لصالح الشعوب.
وأخيرا ما هو المخرج في ليبيا؟
أنا أريد دولة موحدة، ليس هناك تجاذب بين أحزاب، ليس هناك قواعد مؤسسية للتنافس، علينا أن نضع قوانين اللعبة أولا، ان نتفق على دستور وعلى قواعد انتخابية، وأحزاب سياسية.
كيف يمكن أن تدخل في مباراة رياضية دون قواعد وأحكام؟
ما أراه دولة منقسمة وحكومتان وهذا أمر غير صحي، نريد وحدة البلاد أولا، هل نتحد عبر الانتخابات أو نتحد أولا ثم نذهب للانتخابات؟
ليس عندنا دستور، نحتاج إلى انتخابات شفافة ومراقبة دوليا، ثم نحترم نتائج الانتخابات. أعتقد أن الانتخابات هي المخرج لكن ليس هناك ضمان باحترام النتائج ولكن لنجرب أن نذهب إلى الصناديق ونرى كيف تتطور الأمور.
______________