أحمد الخميسي
أكدت مصادر من إدارات مختلفة داخل مصرف ليبيا المركزي لـ“العربي الجديد” أن أصول المصرف، بما في ذلك النقد واحتياطيات الذهب والسندات، لا تزال سليمة ولم يُمس بها، مشيرة إلى أن عمليات جرد دقيقة تجرى تحت إشراف إدارة المراجعة والمحاسبة، ومن المتوقع الانتهاء منها قريباً.
وأفادت المصادر بأن الإفصاح عن التفاصيل المالية الحساسة، مثل احتياطيات الذهب وكميات النقد المتوفرة، ليس ممكناً في الوقت الحالي عبر وسائل الإعلام، في إطار الحفاظ على السرية المطلوبة لحماية الأصول المالية للمصرف.
يأتي ذلك في خضم نزاع قانوني محتدم حول إدارة مصرف ليبيا المركزي، حيث أصدر المجلس الرئاسي قراراً بتعيين مجلس إدارة جديد، وهو ما قوبل برفض من مجلسي النواب والدولة اللذين اعتبرا التعيين مخالفاً للاتفاق السياسي القاضي بأن المناصب السيادية يجب أن تُقرر بتوافق بين المجلسين.
أصول قيمة في مصرف ليبيا المركزي
وفي تصريح أدلى به لصحيفة فاينانشال تايمز، أكد الصديق الكبير، المحافظ من قبل المجلس الرئاسي، وجود “أصول قيمة” داخل المصرف، لكنه امتنع عن تقديم أي تفاصيل إضافية حول حالة تلك الأصول في ظل الأوضاع الحالية.
ورفضت الإدارة الشرقية إقالة الكبير الذي يتولى إدارة المصرف منذ 2011 بعد إطاحة نظام القذافي، وهددت بوقف جميع عمليات إنتاج وتصدير النفط ما لم يُعَد إلى منصبه، وهو ما يهدد بوقف ما يقارب 90% من إنتاج النفط في ليبيا. في ظل هذا المشهد، يواجه مصرف ليبيا المركزي تحديات هائلة في الحفاظ على الاستقرار المالي وضمان إدارة الأصول بكفاءة.
ويتعين على مجلس الإدارة الجديد التحرك بسرعة لمواجهة هذه التحديات وضمان استمرار عمل المصرف. ووفقاً لقرارات مجلس الأمن الدولي، فإن مصرف ليبيا المركزي في طرابلس هو الجهة الوحيدة المخولة إدارة عائدات النفط.
وقد دعت الأمم المتحدة والولايات المتحدة إلى حوار ليبي–ليبي لتسوية الخلافات وحل الأزمة المتصاعدة. في حال استمرار النزاع على إدارة المصرف، فإن ذلك سيؤدي إلى تعثر دفع رواتب الموظفين الحكوميين، وتعطيل التحويلات بين البنوك، وإيقاف خطابات الاعتماد اللازمة لتأمين الواردات، ما سيشل الاقتصاد الليبي ويعوق تجارتها الخارجية.
فتح الاعتمادات المستندية يخفف هلع الأسواق
انعكس ارتياحًا في الأسواق قرار مصرف ليبيا المركزي فتح طلبات الاعتمادات المستندية الواردة من المصارف التجارية اعتباراً من أمس الخميس، بعد توقف طويل، لا سيما مع تأكيد بدء العمل في منظومة طلبات التغطية للمصارف التجارية، بما يشير إلى عودة الحياة إلى النظام المصرفي الذي شهد انقطاعاً في الفترة الأخيرة.
وكان المصرف قد أعلن، الخميس، استئناف جميع عملياته المصرفية بعد إصلاح الأنظمة المعطلة، مشيرًا إلى عودته إلى “حالته الطبيعية“، لكن الأزمة الاقتصادية في ليبيا تفاقمت خلال الأيام الأخيرة، حيث شهدت أسعار السلع قفزات كبيرة وتدهوراً حاداً في سعر الصرف بالسوق الموازي، ما أدى إلى حالة من الهلع بين المواطنين الذين هرعوا لتخزين السلع الأساسية.
في هذا الصدد، وفي منطقة إنجلية غرب طرابلس، تحدث حسين الزروق، تاجر صغير، عن تأثير الأزمة على أعماله. وقال لـ“العربي الجديد” إن “الأخبار عن النزاع داخل مصرف ليبيا المركزي بدأت تتسرب، ومعها بدأت الاضطرابات. الأسعار بدأت في الارتفاع بشكل غير مبرر، مما اضطرني لرفع الأسعار في متجري، وهو ما أضر بالزبائن بشكل كبير“.
وفيما تتعرض الأسواق في العاصمة طرابلس لازدحام شديد، حيث يسعى المواطنون لتخزين السلع خوفًا من تفاقم الأزمة. يقول صالح عون (66 عامًا) في سوق ماماش بمنطقة السراج: “أشتري السلع لغرض تخزينها، فالأوضاع غير مطمئنة“. وفي سوق المهارى وسط طرابلس، أكد مسعود الفرجاني أنه اشترى سلعاً غذائية تكفيه شهراً كاملاً بسبب الهلع المنتشر وسط تصاعد أزمة مصرف ليبيا المركزي.
وقد شهد سعر الدولار في السوق الموازي قفزات ملحوظة، حيث ارتفع إلى 7.25 دنانير للدولار، بعدما كان قبل الأزمة لا يتجاوز 6.9 دنانير. كما ارتفع سعر بيع الدولار بالصك المصرفي إلى ثمانية دنانير في ظل أزمة السيولة التي تعانيها البلاد، بينما لا يزال سعر الدولار المشمول بالضريبة مستقرًا على 6.1 دنانير والسعر الرسمي 4.8 دنانير.
وفي هذا الإطار، يقول لـ“العربي الجديد” عدنان الجلالي، أحد المتعاملين في السوق الموازي: “هناك طلب كبير على الدولار من المواطنين، والشراء بكميات كبيرة منذ أزمة المصرف المركزي، والسعر في صعود“، في وقت تتفاقم الأزمة الحالية نتيجة النزاع العميق داخل مصرف ليبيا المركزي بين الإدارة الجديدة التي عينها المجلس الرئاسي والإدارة السابقة المدعومة من السلطة التشريعية.
هذا النزاع حول الشرعية قوّض ثقة الأسواق في النظام المالي الليبي، وأدى إلى أزمات اقتصادية متتالية. وأرسلت الإدارة الجديدة رسائل إلى البنوك الأجنبية تزعم حصولها على تفويض تشريعي لتولي المسؤولية، ما زاد من تعقيد الوضع وأثار أزمة ثقة عميقة في الأسواق المالية.
وقد أوضح أحمد أبولسين، مدير مركز أويّا للدراسات الاقتصادية، في تصريح لـ“العربي الجديد“، أن “الأسعار تشهد مساراً تصاعدياً مع عدم وجود الاعتمادات المستندية جديدة، فضلًا عن قفزات في سعر الصرف بالسوق الموازي“، مشيرًا إلى أن “الأزمة تسببت في ارتفاع كبير في أسعار السلع الأساسية، والاضطرابات في عمليات الاستيراد وسعر الصرف أدت إلى زيادة حادة في تكاليف المعيشة“.
وأشار إلى أن انخفاض قيمة الدينار الليبي قد ساهم في رفع أسعار الواردات، مما أثر بشكل مباشر على قدرة المواطنين على تأمين احتياجاتهم الأساسية. كما يعاني ميزان المدفوعات من عجز كبير بلغ 9.1 مليارات دولار خلال الأشهر السبعة الأولى من العام، حيث بلغت استخدامات النقد الأجنبي بين يناير/ كانون الثاني ويوليو/ تموز 21.5 مليار دولار.
ختامًا، يشير مورد السلع الغذائية سالم بن سعيد، في تصريح لـ“العربي الجديد“، إلى أن “آخر الاعتمادات المستندية كانت قد صدرت في نهاية يوليو“، مضيفًا أن “السلع تصل إلى الموانئ الليبية خلال فترة تتراوح بين 15 و30 يوماً. وحتى الآن، لا يوجد شحّ في السلع في الأسواق، بل وفرة حتى نهاية سبتمبر/أيلول، لكن المخاوف من المضاربات قد تؤثر في الوضع“.
_____________