كريمة ناجي

مراقبون يقولون إن التحركات الروسية والتركية والصينية صوب أفريقيا دفعت واشنطن إلى الظهور بأجندة جديدة. ووالمبعوث الأمريكي يلتقي مع مرافقيه بكل من خليفة حفتر وعقيلة صالح في الشرق ومحمد المنفي، وفرحات بن قدارة وعبدالحميد الدبيبة في الغرب، وأيضا مع عبدالله باتيلي.

سجلت ليبيا حراكاً دبلوماسياً حثيث الخطى قاده المبعوث الأميركي إلى ليبيا ريتشارد نورلاند الذي التقى بصحبة وفد مرافق له يضم نائب مساعد وزير الخارجية الأميركي جوشوا هاريس والقائم بالأعمال في سفارة الولايات المتحدة لدى ليبيا جيريمي برنت، قائد القيادة العامة المشير خليفة حفتر ورئيس مجلس النواب عقيلة صالح (شرق) لينتقل بعدها إلى طرابلس (غرب).

وفي طرابلس اجتمع نورلاند مع رؤساء مصرف ليبيا المركزي الصديق الكبير والمجلس الرئاسي محمد المنفي والمؤسسة الوطنية للنفط فرحات بن قدارة وحكومة الوحدة الوطنية عبدالحميد الدبيبة، إضافة إلى المبعوث الأممي إلى ليبيا عبدالله باتيلي.

نشاط دبلوماسي

وقالت السفارة الأميركية عبر حسابها على منصة إكسإن الوفد الأميركي ناقش مع حفتر أهمية دعم جهود الممثل الخاص للأمين العام باتيلي للجمع بين أصحاب المصلحة المؤسسين والزعماء الليبيين من جميع الأطراف للعمل معاً لضمان بيئة مواتية لليبيين لاختيار ممثليهم بحرية بينما تستعد البلاد للانتخابات البلدية المقبلة“.

وتابعت السفارة أن الوفد الأميركي أكد في لقائه مع حفتر دعم الولايات المتحدة لجهود توحيد المؤسسة العسكرية وإعادة الإعمار في درنة وبقية المناطق المتضررة بالشرق من إعصار دانيال“.

نشاط دبلوماسي يأتي مباشرة بعد إعلان الرئيس الأميركي جو بايدن عن ترشيحه الدبلوماسية جينفر غافيتو لمنصب سفيرة فوق العادة ومبعوثة خاصة لأميركا لدى ليبيا بدلاً من السفير والمبعوث الحالي نورلاند، فهل غيرت واشنطن من أجندتها في ليبيا لضخ الدماء في شريان العملية السياسية أم هي مجرد خطوات لتمكين حفتر سياسياً حفاظاً على مصالحها المهددة من قبل التمدد الروسي في الجناح الجنوبي الليبي المطل على القارة الأفريقية التي خلع عدد من بلدانها أخيراً جلباب القارة العجوز؟

تصحيح البوصلة 

وصف الدبلوماسي السابق محمد المصباحي التحركات الأميركية الأخيرة بـالسريعة، موضحاً أنها جاءت لإنقاذ العملية السياسية التي دخلت في جمود منذ فترة طويلة، بخاصة بعد عجز باتيلي عن إيجاد مخرج للأزمة الليبية.

وقال المصباحي في حديثه إلى اندبندنت عربيةإن فشل انعقاد الطاولة الخماسية (مجلس الدولة ومجلس النواب والمجلس الرئاسي وحكومة الدبيبة وخليفة حفتر) التي دعا إليها باتيلي سببه الأساسي عدم التوازن بين القطب الغربي (مجلس الدولة والمجلس الرئاسي وحكومة الدبيبة) والقطب الشرقي (حفتر والبرلمان)، وهو ما رفضه المشير الذي اشترط حضور حكومة أسامة حماد المكلفة من البرلمان حتى تتحول مبادرة باتيلي من طاولة خماسية إلى سداسيةأكثر توازناً، مما دفع أميركا إلى التحرك لتصحيح تلك البوصلة عبر العمل في مرحلة أولى بصورة منفردة عن الأمم المتحدة لتسوية الصفوف بين الأطراف السياسية والعسكرية المتداخلة في الأزمة.

خطوة أميركية تستهدف، بحسب المصباحي، تفعيل الحراك السياسي من جديد، بخاصة بعد ظهور حراك في مصراتة رافض لحكومة الدبيبة وتوجه أكثر من 30 بلدية إلى بنغازي (شرق) للقاء رئيس حكومة الشرق ومستشار رئيس البرلمان وجميعها مؤشرات تأتي قبيل الانتخابات البلدية لتؤكد وجود خلل في القطب الغربي لمصلحة الشرقي الواقع تحت سيطرة حفتر.

أنصار جدد 

لم يخفِ الدبلوماسي الليبي السابق المصباحي أن هذه المستجدات دفعت الحراك الأميركي إلى التوجه للشرق في محاولة لكسب ود حفتر الذي أثبت قدرته سابقاً على دحر الإرهاب عن الشرق الليبي وكفاءاته في إعادة إعمار درنة وبدا ذلك من خلال جاهزية أول عمارة سكنية لمصلحة المتضررين من كارثة درنة، إضافة إلى الثقل الذي يتمتع به والمؤثر في نجاح العملية السياسية من عدمه (تعثر انعقاد الطاولة الخماسية بسبب اعتراض حفتر على حضور حكومة الدبيبة وغياب حكومة حماد)، مما دفع الوفد الأميركي إلى اختيار المشير خليفة لمناقشة ملفي إعادة الإعمار وتوحيد الجيش الليبي دون غيره من بقية الأطراف، بحسب تأكيدات السفارة الأميركية.

وقال المصباحي إن تمكين حفتر سياسياً هو هدف أميركي فرضه الواقع بحكم أن الرجل يسيطر على الشرق والجنوب وجميعها مناطق تحاول روسيا حالياً التمدد فيها تجاه بقية البلدان الأفريقية، مما دفع البيت الأبيض إلى إعادة ترتيب أوراقه في الملف الليبي ومن بينها كسب أنصار جدد وعلى رأسهم قائد الجيش نظراً إلى أن ليبيا محط أنظار الروس وتركيا والصين التي بدأت هي الأخرى تتلمس طريقها نحو هذا البلد، باعتباره بوابة مفتوحة للقارة الأفريقية التي انسلخ عدد من بلدانها حديثاً عن أوروبا، وجميعها عوامل أثرت في أجندة واشنطن.

مناورات أميركية 

في المقابل، قال الباحث في الشأن الليبي فرج دردور إن إيجاد مخرج للأزمة الليبية ليس من أولويات الولايات المتحدة، فتحركاتها الأخيرة هدفها فحسب تمكين حفتر سياسياً، ولعل إعطاءه الإذن لاجتياح طرابلس عام 2019 هو أكبر دليل على ذلك وسبق أن وثقه حديث جون بولتون مستشار الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب.

واعتبر دردور الخطى الأميركية الأخيرة مجرد مناورات دبلوماسية لفرض حفتر على رأس العملية السياسية، موضحاً أن هناك اتفاقاً ضمنياً بين موسكو وواشنطن على ذلك، ولعل وجود الروس في الرقعة الجغرافية التي يسيطر عليها حفتر أميركي الجنسيةأكبر دليل على أن الصراع الروسيالأميركي على ليبيا هو شكلي هدفه خلط الأوراق فقط.

وتابع أن روسيا تدرك جيداً ما تصبو إليه الأجندة الأميركية في ليبيا، لذلك تدعم سياسياً سيف الإسلام القذافي ابن حليفها السابق معمر القذافي على رغم دعمها الأمني لخليفة حفتر، شارحاً أن تحركات موسكو هذه لا تشكل خطراً على الولايات المتحدة أو حليفتها أوروبا، كما أن إدراج مجموعة فاغنركجهة إرهابية من قبل إدارة الرئيس جو بايدن هو غطاء سياسي على التوافق غير المباشر بين البلدين.

وقال دردور إن أميركا مارست وتمارس ضغطاً على الحكومة في المنطقة الغربية ونزعت منها التنازل تلو التنازل، في إطار الدفع بالعملية السياسية، وفي المقابل لم تفرض أي شروط على حفتر الذي لوحظ أنه ينشط ويتمادى أكثر عقب كل لقاء مع الأميركيين، وهي جميعها مؤشرات على رغبة الولايات المتحدة في تمكينه سياسياً.

_____________

مقالات مشابهة

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *