عبدالله الكبير

 ماتزال أزمة محافظ مصرف ليبيا المركزي في تصاعد بين أطراف الصراع، ولا يظهر في الأفق المنظور مؤشرات على انفراجة قريبة، بل مايبدو قريبا هو العكس تماما، أي المزيد من الصدام عبر القرارات المحتمل صدورها من المجلس الرئاسي ومجلس النواب، فهما البارزان في مقدمة الصورة، أما الأطراف الأخرى فهي غير منظورة لأنها تتحرك في الظل.

 كل المواقف الدولية المعلنة تدعو للتهدئة وتجنب التصعيد، وتطرح البعثة الأممية مبادرة لحوار عاجل بين أطراف الصراع، سعيا للوصول إلى توافق يستند إلى الاتفاقات السياسية، ولم يعلن أي طرف موقفا واضحا بقبول المبادرة أو رفضها، باستثناء بيان لرئيس المجلس الرئاسي أكد فيه تنفيذ قرار تعيين محافظ ومجلس إدارة جديد للمصرف المركزي، كرد صريح على دعوة البعثة الأممية تعليق العمل بكل القرارات التي وصفتها بالأحادية المتعلقة بالمصرف المركزي.

بيان البعثة أشار أيضا إلى هذه المستجدات كفرصة لإجراء عملية سياسية شاملة، ترعاها الأمم المتحدة للعودة إلى مسار الانتخابات، والتوافق على حكومة موحدة، وهي بالفعل فرصة لبعث حوار سياسي جديد، لا يهدف إلى معالجة أزمة المصرف المركزي فحسب، وإنما البحث عن سبيل لمعالجة جذور الأزمة.

 فالتفاعلات الجارية لا تنحو باتجاه البحث عن حلول جذرية للأزمة الطارئة حول المصرف المركزي، أو الأزمات الأخرى، وفي مقدمتها أزمة الشرعية التي تدعيها كل الأطراف، وترفض كل محاولات تجديد هذه الشرعية عبر مسار الانتخابات، فما يجري هو العمل على تكريس واقع الانقسام والتشظي، وسعي كل طرف إلى تعظيم نفوذه ومكتسباته وسلطته.

 وبالتوازي مع أزمة المصرف المركزي، يستمر الخلاف في مجلس الدولة حول نتائج انتخابات مكتب رئاسته، وبعد فشل كل الجهود والوساطات، بين كتلة رئيس المجلس محمد تكالة وكتلة منافسه خالد المشري، عقدت كتلة المشري جلسة تسلم فيها رئاسة المجلس، واستكمل انتخاب نائبيه، فيما دعا تكالة إلى جلسة جديدة للمجلس خلال الأيام القليلة المقبلة.

وبذلك يتكرس الانقسام في مجلس الدولة، من دون أي أمل في التئام المجلس وتماسكه مجددا، إذا لم يتوصل الأعضاء إلى حلول مقبولة من الجميع، و تأسيسا على احتمال استمرار الانقسام، سيفقد المجلس فاعليته في تشكيل المشهد السياسي المقبل، وهذا سيزيد من ضعف مجلس النواب، الذي يصطف التيار المسيطر فيه إلى جانب تكتل المشري، ليتفادى حالة الضعف التي لا مندوحة عنها إذا انهار شريكه في الاتفاق السياسي، وفي نفس الوقت يقدم الدعم للمشري، باعتباره الأقرب لقبول قرارات رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، بشأن الانتخابات والمناصب السيادية والسلطة التنفيذية الجديدة.

في المدى القريب قد يبدو للبعض أن تعطل مجلس الدولة سيمكن عقيلة ومجلسه من قيادة المشهد السياسي والتشريعي من دون قيود، وهو ما يعني ميل كفة الصراع إلى طرف السلطة في الشرق، ولكن هذه الرؤية قاصرة عن إدراك الخلل الذي سيصيب منظومة السلطة برمتها، شرقا وغربا، فما عملت من أجله كل أطراف السلطة بتكتيكات مختلفة، وحققت فيه نجاحا منقطع النظير، هو اجهاض التغيير للاستمرار في التمتع بكل مزايا السلطة والنفوذ، وبضعف أو تعطل جزء أصيل في هذه المنظومة سيؤدي إلى التعجيل بانهيارها.

______________

مقالات مشابهة