المسؤولون الأميركيون يُسمعون كل طرف ليبي ما يريد سماعه.
سلطت زيارة قائد القيادة العسكرية الأميركية في أفريقيا (أفريكوم)، الفريق أول مايكل لانغلي، إلى بنغازي ثم طرابلس الضوء على سياسة الحياد التي تتبعها الولايات المتحدة مع أطراف الصراع في ليبيا، والتي تثير الكثير من الاستغراب خاصة مع الوجود العسكري الروسي في البلاد.
وتصف أوساط سياسية الموقف الأميركي في ليبيا بـ”الحياد السلبي”؛ ذلك أن واشنطن تكتفي بمراقبة ما يجري عن كثب دون تدخل ينهي حالة الفوضى العاصفة بالبلاد منذ سنوات.
وحرص لانغلي على إسماع كل طرف ما يريد سماعه، فخلال لقائه في بنغازي الثلاثاء بالقائد العام للجيش المشير خليفة حفتر أشاد بدور الجيش في دعم استقرار ليبيا، مؤكدا على “أهمية تطوير الشراكة بين البلدين بما يخدم الأهداف والمصالح المشتركة وتبادل الخبرات في المجالات العسكرية والأمنية”، دون الإشارة إلى التحشيدات العسكرية والاستعداد للهجوم على غدامس، وهو ما اعتبر ضوءا أميركيا أخضر لحفتر.
والخميس التقى لانغلي برئيس حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها عبدالحميد الدبيبة، وعبر عن مخاوف بلاده من التهديدات المحيطة بليبيا “بسبب تردي الأوضاع الأمنية في عدد من الدول الإقليمية”.
وجاء في بيان صادر عن حكومة الوحدة الوطنية أن “الدبيبة استقبل الفريق أول مايكل لانغلي، والقائم بأعمال السفارة الأميركية جريمي برنت، وعددا من القيادات العسكرية بحضور رئيس الأركان العامة الليبي الفريق محمد الحداد”.
وقدّم لانغلي، وفق البيان، “موقفًا حول مخاوف الولايات المتحدة من التهديدات المحيطة بليبيا بسبب تردي الأوضاع الأمنية في عدد من الدول الإقليمية وعدم الاستقرار الذي تعيشه دول الساحل”.
وأشار المسؤول الأميركي إلى وجود قوات (لم يذكرها) قال إن “لديها تحركات مشبوهة”، مشددا على “ضرورة توحيد الجهود العسكرية والأمنية داخل ليبيا للوقوف أمام هذه الأوضاع”.
من جانبه رحب الدبيبة “بالتعاون مع الولايات المتحدة وتوحيد الجهود الأمنية والعسكرية في ليبيا لمواجهة أي أعمال تهدف إلى زعزعة الاستقرار”، بحسب البيان ذاته.
كما أكد “ضرورة العمل بشكل جاد مع الأطراف المحلية والدولية لتأمين الحدود بالجنوب الليبي والقضاء على التحركات المشبوهة مختلفة التوصيف والتبعية”.
وقبل أسبوعين أثير جدل حول انتقال قوات حفتر إلى مناطق ومدن بالجنوب الغربي متاخمة لدول جوار ليبيا، الأمر الذي اعتبرته القوات العسكرية التابعة لحكومة الوحدة الوطنية تهديدا أعلنت إثره حالة الطوارئ.
وفي وقت لاحق أعلن الجيش أن انتقاله “لا يستهدف أحدا” بل جاء “لتأمين حدود ليبيا في ظل ما تشهده دول الجوار من توترات أمنية”.
لكن تقارير تحدثت عن استعداد قوات حفتر، مدعومة من الفيلق الأفريقي – الروسي، للهجوم على غدامس من أجل السيطرة عليها، وسط أنباء عن ضغوط تمارسها روسيا على حفتر لإتمام العملية التي تهدف إلى قطع الطريق على مشروع خط الغاز النيجيري – الليبي الذي سبق أن اقترحه الدبيبة.
وفي خطوة مفاجئة قررت حكومة الوحدة الليبية قبل سنتين الدخول في معترك المنافسة لنقل غاز نيجيريا إلى أوروبا عبر ليبيا. ورغم الأوضاع الأمنية غير المستقرة التي تعاني منها البلاد، راهن الدبيبة على ميزة أفضلية مرور أنبوب نقل غاز نيجيريا عبر ليبيا نحو أوروبا، حيث يوفر ألف كيلومتر على الأقل مقارنة بالجزائر والمغرب.
وأثار إدخال حفتر لفاغنر خلال حرب طرابلس قبل سنوات غضبا أميركيا شديدا، لكن التصريحات الأميركية الغاضبة بشأن المرتزقة الروس تبددت خلال الأشهر الأخيرة، وهو ما يثير تساؤلات كثيرة.
وتأتي زيارة لانغلي في خضم صراع متصاعد على عائدات النفط والسيطرة على المصرف المركزي. ورغم انخراطها بشكل أكبر في الأزمة الليبية، مقارنة بالسنوات التي تلت مقتل السفير كريستوفر ستيفنز، اكتفت الولايات المتحدة ببيان يحذر من خطورة تغيير محافظ المصرف الصديق الكبير بالقوة.
وأثار توسط الولايات المتحدة قبل أسابيع في اتفاق يفضي إلى تقاسم الميزانية بين حكومة الدبيبة في طرابلس وحكومة أسامة حماد في بنغازي الكثير من الاستغراب، خاصة أن ذلك تزامن مع الحديث عن صرف الصديق الكبير مبالغ لفائدة الحكومة الموازية استخدمت لصرف رواتب المرتزقة الروس.
وذكرت صحيفة فايننشال تايمز الجمعة أن محافظ مصرف ليبيا المركزي قال إنه وموظفين كبارا آخرين في البنك اضطروا إلى مغادرة البلاد لحماية أنفسهم من هجمات محتملة من قبل فصيل مسلح.
وقال الكبير للصحيفة عبر الهاتف “المسلحون يهددون ويرهبون موظفي البنك ويختطفون أحيانا أطفالهم وأقاربهم لإجبارهم على الذهاب إلى العمل”. وأوضح أيضا أن محاولات الدبيبة لاستبداله غير قانونية وتتعارض مع الاتفاقات التي تفاوضت عليها الأمم المتحدة بشأن السيطرة على مصرف ليبيا المركزي.
وفي وقت سابق من الأسبوع الجاري دعت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا إلى تعليق القرارات أحادية الجانب وإلغاء حالة القوة القاهرة في حقول النفط ووقف التصعيد واستخدام القوة، فضلا عن حماية موظفي المصرف المركزي.
وعبّرت بعثة الاتحاد الأوروبي، وبعثات دول التكتل، لدى ليبيا الجمعة عن شعورها بقلق بالغ إزاء تدهور الوضع في البلاد. وأضافت أن ترهيب أعضاء المجلس الأعلى للدولة في طرابلس وموظفي المصرف المركزي وإغلاق حقول النفط وتعطيل الخدمات المصرفية يؤدي إلى المزيد من تردّي الوضع.
_______________