محمود شعبان
الجيش الليبي في غرب ليبيا
هيئة الأركان العامة لقوات حكومة الوحدة الوطنية، المتمركزة في طرابلس (غرب)، من جانبها أعلنت أنها وضعت وحداتها “في حالة تأهب“، وأمرتها “بالاستعداد لصد أي هجوم محتمل“.
وكان تبرير القوات البرية لحفتر بقيادة نجله الأصغر صدام حفتر، أن تحركاتها عبارة عن تنفيذ “عملية واسعة” بهدف ما وصفته بـ“تأمين الحدود الجنوبية للبلاد“.
ولكن وفقا للمراقبين فإن قوات حفتر هدفها من وراء تلك التحركات السيطرة على مدينة غدامس الحدودية – تخضع المدينة حاليا لسيطرة حكومة طرابلس– التي يوجد بها مطار دولي ومنفذ بري يربطها بالجزائر، والواقعة على بعد 650 كيلومترا جنوب غرب طرابلس.
الأمم المتحدة تتدخل
لكن بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا قالت إنها تشعر بالقلق إزاء التقارير التي تفيد بتعبئة قوات في طرابلس وتهديدات باستخدام القوة لحل أزمة السيطرة على المصرف المركزي الليبي.
وأبلغت نائبة الممثل الخاص للشؤون السياسية القائمة بأعمال رئيس البعثة ستيفاني خوري مجلس الأمن بأن الوضعين السياسي والعسكري في ليبيا تدهورا بسرعة خلال الشهرين الماضيين، بما يتضمن سلسلة من عمليات التعبئة تجريها فصائل مسلحة.
وقالت البعثة في بيانها “استعراض القوة العسكرية والمواجهات المسلحة في الأحياء المكتظة بالسكان أمر غير مقبول ويهدد حياة وأمن المدنيين“.
ما هو موقف المحافظ الجديد للمصرف الليبي؟
في المقابل وفي خضم هذه الأزمة الكبيرة التي يعيشها المصرف الليبي، جاء رد محمد الشكري المكلف بالمنصب بدلا من الصديق الكبير، في بيان رسمي على صفحته في ” فيسبوك” يوم الجمعة ٢٣ أغسطس/آب 2024، تضمن الحديث عن قرار تعيينه محافظا للمصرف الليبي المركزي وموقفه من ذلك.
وقال الشكري في بيانه: “بسم الله الرحمن الرحيم.. صدر قرار مجلس النواب رقم 3 في 2018 بتكليفي بمهام محافظ مصرف ليبيا المركزي وأديت القسم القانوني تبعا لذلك. ومنذ ذلك الحين تجري تجاذبات ومماحكات سياسية ما بين الجهتين المختصتين بذلك (مجلسي النواب والدولة) والتي تشترط الاتفاقات السياسية توافقهما بهذا الشأن“.
أضاف: “وحفاظاً على المؤسسة النقدية من التشظي وتأثر سمعتها أمام المؤسسات النقدية المناظرة في العالم، الأمر الذي قد يؤثر بشكل مباشر على حريتنا في إدارة أموالنا في الخارج وتمكين شعبنا من الاستفادة منها في تدبير أحواله المعيشية وتوظيفها لخلق تنمية مستدامة منشودة“.
أضاف: “لذلك تركت الجمل بما حمل رغم اتصالات كثيرة للتمكين بطرق لا تتوافق مع مبادئي وعقيدتي. اشترطت على الجميع لتفعيل القرار بأن يكون هناك توافق من الجهتين التشريعيتين المختصتين (مجلسي النواب والدولة)”.
كما قال: “لن أبخل على وطني بجهدي وعملي وخبرتي مستعيناً بكفاءات ليبيا وخبراتها لوضع حد لأزمات تنهك أهلنا (سعر الصرف، السيولة، محاربة التضخم وتفعيل أداء القطاع المصرفي ليقوم بدوره المنشود) على أن يكون ذلك وفقاً للتشريعات النافذة والقوانين السارية والاتفاقات الموقعة“.
أوضح: “تاريخي المهني والوظيفي وأخلاقي لا تسمح لي بالمطلق أن أكون جزءًا من هذا العبث، والله إن قطرة دم واحدة من دم أبنائنا لأعز علي من كل مغانم الدنيا ووظائف الدولة الليبية، اللهم إنني برىء مما يفعل الظالمون“.
محكمة ليبية تدخل في صراع منصب المحافظ
وفي ظل تمسك الصديق الكبير بمنصبه، قضت محكمة ليبية، الأربعاء، بوقف قرارات المجلس الرئاسي المتعلقة بإقالة محافظ المصرف المركزي، الصديق الكبير، وتشكيل مجلس إدارة جديد، وذلك استجابة لطلب الحكومة المكلفة من البرلمان.
يأتي هذا في ضوء الخلاف حول قراري المجلس الرئاسي، رقم 19 لسنة 2024 بشأن تكليف محمد الشكري قائمًا بأعمال محافظ المصرف، والثاني رقم 20 لسنة 2024 بشأن تشكيل مجلس إدارة المصرف.
ونصّ الأمر القضائي الذي أصدرته محكمة جالو الابتدائية، على انعدام قراري المجلس الرئاسي الصادرين برقمي 19 و20 لسنة 2024، واعتبارهما “هما والعدم سواء“.
أتى ذلك بعدما كان المجلس الرئاسي المدعوم من حكومة الوحدة الوطنية، قد قرر إقالة محافظ المصرف الصديق الكبير وتعيين محمد شكري عبد السلام بدلاً منه وتشكيل مجلس إدارة جديد، وهي الخطوة التي أثارت توترات سياسية بين الأطراف الفاعلة وقلقاً حول مستقبل أكبر مؤسسة سيادية في ليبيا، كما جددت الخلاف بشأن الصلاحيات.
فيما رفض الكبير تسليم منصبه إلى النائب المعيّن، ولم يعترف بمجلس الإدارة الجديد.
برلمان طبرق يرفض إقالة الكبير
كذلك عارض مجلسا النواب والدولة، قرار الرئاسي، وأعلنا دعمهما لاستمرار الكبير في منصبه إلى حين البت في المناصب السيادية، معتبرين أن تعيين أو إعفاء محافظ المصرف المركزي ليس من اختصاصات المجلس الرئاسي، حسب الاتفاق السياسي الموقع في جنيف عام 2021.
في حين قال رئيس الحكومة المكلفة من البرلمان، في شرق ليبيا، أسامة حماد، إن هناك “محاولات مشبوهة” للسيطرة على المصرف المركزي من أجل تحقيق “مآرب شخصية“. وأكد أن حكومته “لن تقف مكتوفة الأيدي أمام هذه الممارسات“.
وفي يوم الثلاثاء، أرسل المجلس الرئاسي وفداً من المسؤولين، بما في ذلك أحد أفراد الميليشيات، إلى البنك لإبلاغ السيد الكبير بالتنحي. ورد الكبير في بيان بأنه ليس مسؤولاً أمام حلفائه القدامى في غرب ليبيا، بل أمام البرلمان في شرق ليبيا. وأيد السيد دبيبة إقالة السيد الكبير، وأصدر تعليماته للسفارات الليبية في جميع أنحاء العالم بإبلاغ المسؤولين الأجانب بأن فترة ولاية السيد الكبير قد انتهت.
استئناف العمل
كان مصرف ليبيا المركزي قد سبق أن أعلن استئناف أعماله بعد توقفها يوما واحدا، إثر الإفراج عن مسؤول فيه بعدما خطفته مجموعة غير معروفة. وقامت مجموعة مجهولة بخطف مدير إدارة تقنية المعلومات مصعب مسلم من أمام بيته الأحد.
وأكد البنك المركزي إيقاف “أعمال المصرف” حتى “الإفراج” عن المدير المخطوف، مندّدا أيضا “بتهديد بعض المسؤولين الآخرين بالخطف“. وجاءت حادثة الخطف بعد أسبوع من محاصرة مسلّحين مقر المصرف في طرابلس.
في حين لم تعرف دوافع ما حدث، أشارت وسائل إعلام محلية إلى تقارير تفيد بمحاولة لإجبار محافظ المصرف المركزي الصديق الكبير على الاستقالة.
وندّد السفير الأميركي لدى ليبيا ريتشارد نورلاند بمحاولات وصفها “بغير المقبولة” لدفع محافظ المركزي إلى الاستقالة، محذرا من أن استبداله “بالقوة يمكن أن يؤدي إلى استبعاد ليبيا من الأسواق المالية العالمية“.
وفي منشور على منصة “إكس“، رأى نورلاند أن المواجهة في طرابلس “تسلّط الضوء على المخاطر التي يشكلها الجمود السياسي السائد في ليبيا“.
من جهتها، شدّدت بعثة الأمم المتحدة على “أهمية دور مصرف ليبيا المركزي في ضمان الاستقرار المالي لجميع الليبيين“.
التحكم في حركة الأموال
في سياق متصل قال المستشار العسكري السابق للجيش الليبي، المحسوب على غرب ليبيا، العقيد عادل عبدالكافي إن المجلس الرئاسي الليبي قام باستدعاء قرار البرلمان الليبي “برلمان طبرق” بإزاحة الصديق الكبير من منصبه في عام 2018، وقام بتنفيذه الآن وتعيين محمد الشكري بديلا عنه.
وقال إن الكبير كان يدرك اقترابه من هذه اللحظة وهي إزاحته من منصبه، لذلك سعى الكبير إلى التحالف مع أطراف كبيرة داخل ليبيا من أجل الاستمرار في منصبه، مشيرا إلى أن الكبير تحالف مع خليفة حفتر وسهل وصول أموال له بالمخالفة للقانون من أجل تمويل مشروعات داخل شرق ليبيا.
جدير بالذكر أن مجلس إدارة المصرف الليبي يتكون من تسعة أعضاء، الشكري محافظاً، بالإضافة إلى نائبين له، وعضو من وزارة المالية بحكومة الوحدة الوطنية، وخمسة أعضاء آخرين يمثلون مختلف الأطراف الليبية الأخرى.
في سياق مواز هدد رئيس مجلس النواب “برلمان طبرق“، عقيلة صالح، بإغلاق الحقول النفطية لمنع تحويل الإيرادات إلى مصرف ليبيا المركزي في حال مضي المجلس الرئاسي في إنفاذ قراراته بتغيير محافظ المصرف.
واتهم صالح المجلس الرئاسي بالسعي لنهب المال العام من خلال تغيير إدارة المصرف ومحافظه، وقال “لن نسمح باستمرار ضخ أموال الثروة الليبية وإيصالها إلى أيادِ أشخاص جاءوا إلى السلطة بطريقة مشبوهة“، محذرا من أن المساس بالمصرف ومحافظه في الوقت الحالي قد يهدد استقرار المؤسسة النقدية في ليبيا وتعاملاتها الدولية.
_____________