عبدالله الكبير
فشل انتخابات المجلس الأعلى للدولة عمقت من حالة الانقسام بين اعضائه، الخلاف الطارئ حول صحة ورقة التصويت كان بالإمكان حسمه مبكرا لأن الورقة لم تخالف ماجاء في اللائحة، لكن حدة المنافسة، الناتجة عن الانقسام، وتصلب المشري والكتلة الداعمة له، دفعا بالمجلس إلى حافة انقسامه إلى مجلسين، سيزعم كلاهما أنه هو الشرعي والآخر باطل، إذا لم يحسم الخلاف بأحد طريقين لا ثالث لهما، وهما ما أعلنه رئيس المجلس عقب الجلسة، انتظار فصل القضاء أو الذهاب إلى جولة ثالثة.
يقع الخلاف حول نتائج الانتخابات حتى في دول عريقة في ممارسة الديمقراطية، فيطالب مرشح أو حزب بإعادة الفرز والعد، أو إعادة التصويت في دوائر انتخابية محددة. قبل سنوات اعترض حزب العدالة والتنمية على نتائج انتخابات بلدية، فأعيد التصويت وجاءت النتيجة الثانية لتؤكد الأولى، واعترض المرشح لرئاسة أمريكا آل غور عام 2000 ضد جورج بوش، الذي فاز في النهاية، على نتائج ولاية فلوريدا مطالبا بإعادة الفرز لأن النتائج أظهرت فارقا ضئيلا بينهما، وأعيد فرز الأصوات أليا ثم يدويا.
ولكن اعتراض حزب بوش حول الخلاف إلى القضاء، وحسمت المحكمة العليا الأمريكية الأمر ليفوز جورج بوش بالرئاسة، فالمطلوب في نهاية أي انتخابات، هو حسم أي خلاف وفقا للقانون واللوائح، ليخرج الفائز من دون أي تشكيك في شرعيته، ويقتنع الخاسر بأن العملية ونتائجها سليمة، ولا مجال أمامه إلا التسليم بالنتيجة التي آلت إليها.
الإشادة بالانتخابات الدورية التي يجريها المجلس لمكتب رئاسته أمر مفروغ منه، فهي المظهر الوحيد الباقي من الممارسة الديمقراطية، فالرئيس في مجلس النواب لم يسمح بإجراء أي انتخابات لرئاسة المجلس، وتأبد في كرسي الرئاسة من دون اعتراض حقيقي وفاعل من النواب، ما أضعف مجلس النواب وحاد به عن مساره الطبيعي، ليتحول إلى طرف سياسي يدار من مربوعة رئيسه.
لكن هذه الممارسة الديمقراطية بالتدوال السلمي على رئاسة المجلس الأعلى للدولة، تشوبها عيوب كثيرة، فبعض الأعضاء لا يحضرون إلا في جلسة انتخابات الرئاسة، وبعضهم لديهم وظائف أخرى إلى جانب استمرار عضويتهم بالمجلس، وهذه مخالفة صريحة للوائح المجلس، يجري تجاوز إعمال بنود توقيع العقوبات المنصوص عليها في نفس اللوائح، على الأعضاء المخالفين.
و حتى يتحدد المسار الذي سيمضي فيه مجلس الدولة لمعالجة هذه الأزمة، يتعين على أعضاء المجلس، بصرف النظر عن من سيشغل موقع الرئيس، التفكير بشكل جدي في أسرع وأفضل السبل للمغادرة مع مجلس النواب، عبر انتخابات تأخرت أكثر مما ينبغي، يتم فيها تجديد الشرعية لمجلس نواب جديد، يتحمل مسؤولية إخراج البلاد من هذا الوضع المتأزم، من دون أي تحايل للاستمرار بتمديد بقائهم سنوات أخرى.
_______________