عبدالرحمن أميني
تثير التغييرات السياسية الجارية في أوروبا ونتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية المقبلة التكهنات بشأن انعكاسها على عدة ملفات دولية وإقليمية، من ضمنها المسألة الليبية التي تعيش حالة جمود وانسحاب المجتمع الدولي، بشكل يكاد يكون كاملا من الانخراط في جهود حل الأزمة المستعصية.
وبعد صعود أحزاب أقصى اليمين في البرلمان الأوروبي، وتحديدا في كل من فرنسا وإيطاليا والنمسا وتصاعد النعرات العنصرية بسبب الهجرة والوضع الاقتصادي السيء في القارة العجوز والدعم الأوروبي لأوكرانيا، دفعت نتائج الانتخابات الأوروبية المخيبة، الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لحل البرلمان وهو أمر قانوني ينص عليه الدستور ويجري اللجوء إليه عندما يغيب توازن الكفة في مجلس النواب ويصبح معرقلا لإصدار القرارات. وقد استحوذ هذا التيار المتطرف على المركز الأول في فرنسا وإيطاليا والنمسا، وحل ثانيا في ألمانيا وهولندا.
تقاطع مواقف اليمين المتطرف بشأن ليبيا
وفي وقت تستعد أحزاب اليمين لاستغلال ملف المهاجرين للانقضاض على السلطة هذا الصيف الانتخابي الساخن، أعربت زعيمة اليمين المتطرف الفرنسية، مارين لوبان، عن استعدادها لتولي السلطة في فرنسا، في ضوء الانتخابات المبكرة التي أثارها الفوز الساحق، الذي حققه حزب «التجمع الوطني» في انتخابات البرلمان الأوروبي. وقالت لوبان في باريس: «نحن مستعدون لممارسة السلطة إذا وضع الشعب الفرنسي ثقته فينا في هذه الانتخابات البرلمانية المقبلة»، وفقا لوسائل إعلام فرنسية.
وتتقاطع مواقف لوبان مع السياسية اليمينية رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني التي عززت مواقعها في شرق وغرب ليبيا عبر عدة اتفاقيات حول الهجرة والطاقة، أسفرت في النهاية عن انخفاض كبير في تدفق المهاجرين نحو بلادها. وقالت ميلوني، في تصريحات قبل أيام، إن «التزام حكومتي مكّن حتى الآن من تقليل عدد المهاجرين غير النظاميين بنسبة 60% مقارنة بالفترة نفسها من السنة الماضية». وأضافت أن ذلك «تحقق بفضل علاقات التعاون مع دول شمال أفريقيا، تونس وليبيا في المقدمة».
ففي 16 يوليو 2023، وقّعت إيطاليا والاتحاد الأوروبي من جهة، وتونس من جهة أخرى، مذكرة تفاهم للتعاون في ملف الهجرة غير النظامية، وجرى توقيع العديد من الاتفاقيات المشابهة مع ليبيا أيضا.
ليبيا في قلب السياسة الأوروبية لكن القرار أميركي
وفي قراءته للتغييرات الجارية، يؤكد أستاذ الجغرافيا السياسية في جامعة باريس عماد الدين الحمروني، أن ليبيا تقع في قلب السياسة الخارجية الأوروبية والقرار أميركي بامتياز، مشيرا إلى أن منطقة غرب وشمال أفريقيا أضحت منطقة صراع أميركي روسي أوروبي ومستقبل أوروبا الجيو سياسي مرتبط بهذه المنطقة.
ويعتقد الحمروني في تصريح إلى «جريدة الوسط» أنه بخصوص المسألة الليبية، مهما كانت النتائج سواء اليمين أو حكم اليسار لن تتغير السياسة الخارجية لهذا الملف لأن القرار أميركي، وأوروبا هي فقط أداة، مضيفا أن الوضع الليبي مرتبط بنتائج الانتخابات الأميركية.
وعاد المحلل السياسي ليوضح أن التوازنات السياسية لم تتغير كثيرًا على المستوى الأوروبي، فقط هناك تغيير داخلي في ألمانيا وفرنسا، وبروز أحزاب اليمين المتطرف التي ربما ستصل إلى الحكم.
متسائلا إن كانت التطورات المرتبطة بالملف عملية استخباراتية أنجلوسكسونية للإعداد لحرب قادمة مع روسيا وتوريط هذه الأحزاب وضرب مصداقيتها، مختتما بقوله «نحن في انتظار مفاجآت كثيرة على مستوى نتائج انتخابات فرنسا وأميركا والوضع السياسي بألمانيا».
موقف أميركا من الإخفاق الأوروبي في ليبيا
بدوره، شرح رئيس رابطة الأحزاب الليبية فتح الله بشير السعداوي، في تصريح إلى «جريدة الوسط»، كيف أصبح الاتحاد الأوروبي يمثل ثقلا على أميركا، لأن واشنطن ترى سبب التوغل الروسي في أفريقيا وسيطرته على دول الساحل كان سببها فشل فرنسا وإيطاليا بدرجة أولى، لأن موسكو توغلت من ليبيا.
ولفت السعداوي إلى وضع واشنطن الملف الليبي في يد فرنسا لثلاث سنوات ثم أوكلت إيطاليا لمدة أربع سنوات، وعقب إخفاقهما أصبحت الآن ممسكة بالقضية بيدها، لأن الأمر بالنسبة للأميركيين أصبح يشكل خطرا محققا، خاصة وأن أفريقيا بلد النفط واليورانيوم والخيرات الزراعية والحيوانية، وإذا سيطرت روسيا على هذه القارة يمكن أن تحقق مكاسب اقتصادية كبيرة على حساب الغرب.
دوافع استلام الأميركيين الملف الليبي
وأكد فتح الله دوافع استلام الأميركيين مباشرة الملف الليبي، ومحاولة تشكيل حكومة موحدة في ليبيا ليس حبا في الليبيين وإنما للوصول إلى الجسم التشريعي الموحد القادم، والذي بدوره سوف يطالب بطرد القوات الأجنبية، وهنا أميركا سوف تغلق المجال على روسيا في العمق الأفريقي انطلاقا من ليبيا، وهو المتنفس الوحيد للقوات الروسية سواء كانوا في تشاد أو بوركينافاسو.
وعندما تخنق واشنطن الروس في ليبيا سيكون من السهولة خنقها في أفريقيا، مرجحا حدوث تغييرات سياسية كبيرة في الاتحاد الأوروبي وفي أميركا والتي ستظهر للسطح خلال السنة القادمة بعد نتائج الانتخابات في واشنطن.
وقدمت واشنطن خطتها العشرية حول ليبيا في العام 2023، وقالت إن من أهدافها «دمج الجنوب الليبي المهمش تاريخيا في الهياكل الوطنية بشكل أفضل، مما يؤدي إلى توحيد أوسع وتأمين الحدود الجنوبية». وبموجب الخطة أيضا، ستعمل الحكومة الأميركية على زيادة المشاركة مع كافة جهات المجتمع المدني ودعمها، لا سيما في جنوب ليبيا في البداية.
انعكاسات سلبية على أوروبا وإيجابية لروسيا
أما بخصوص ما ينتظر برنامج مكافحة الهجرة غير الشرعية والتدفقات من ليبيا وجنوب الصحراء الكبرى، يقول السعداوي إن اليمين المتطرف وسيطرته على البرلمان الأوروبي هو تحصيل حاصل بعدما رأى اليمين في أوروبا، القارة العجوز وأحس أنها لا شيء مقارنة مع روسيا والعملاق الصيني وأميركا وهو يريد تجديد تموقعه.
قضية الهجرة سوف تكون لها انعكاسات سلبية على الاتحاد الأوروبي وإيجابية لروسيا. وفي نظر السياسي الليبي فإن التضييق على المهاجرين غير الشرعيين، خاصة في بريطانيا وفرنسا وألمانيا، وعموما الضغوط عليهم في أوروبا، سيُترجم إلى حقد في أفريقيا على الأوروبيين، ويتيح توغلا أكبر لروسيا في القارة السمراء لا سيما من النيجر وغانا التي تعد من أكبر الجنسيات المتدفقة بصورة غير نظامية إلى أوروبا.
ويؤكد أن ليبيا تعد منطقة عبور لآلاف المهاجرين غير النظاميين، وبمجرد أن يغلق البحر المتوسط سوف تنتج عنه إشكالية في زيادة أعداد المهاجرين في ليبيا وتونس.
الطاقة تحرك السياسة الأوروبية
في المقابل، لا يعتقد المحلل السياسي حسام الدين العبدلي تأثر الملف الليبي سواء بصعود الأحزاب اليمينية أو اليسارية لأن جميع من يصل الحكم منها يهمه المصالح الطاقوية، إذ تملك فرنسا «توتال إنرجيز» وإيطاليا «إيني» إلى جانب اهتمامها بمحاربة الهجرة.
وذكّر العبدلي بضعف التواصل الأوروبي مع الأطراف الليبية لتشكيل جيش وحكومة موحدة منذ سنوات، لافتا إلى انعكاسات النفوذ الروسي في عدة ملفات من ليبيا إلى أفريقيا، فبعد دول الساحل النيجر ومالي وبوركينافاسو، تتجه تشاد اليوم للتخلي تدريجيا عن فرنسا وهو ما يعكسه التقارب بين نجامينا وموسكو، عقب صفقة تبادل الجنود التشاديين التي ساعدت موسكو في عودتهم من أفريقيا الوسطى.
_________________