الحبيب الأسود
تأكيد على الالتزام القوي بعملية سياسية شاملة يقودها الليبيون وتسيّرها الأمم المتحدة.
هدّد أعضاء مجلس الأمن الدولي بتسليط عقوبات مشددة على معرقلي الحل السياسي في ليبيا، مؤكدين التزامهم القوي بعملية سياسية شاملة يقودها ويملك زمامها الليبيون، وتسيّرها الأمم المتحدة، فضلا عن دعمهم القوي لدور المبعوث الأممي إلى ليبيا عبدالله باتيلي في تحقيق العملية السياسية الشاملة.
بدأ تضييق الخناق يشتد على الفرقاء الليبيين على غرار رئيس حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها عبدالحميد الدبيبة، فيما يتجه رئيس مجلس النواب عقيلة صالح إلى القاهرة للاجتماع بكبار المسؤولين المصريين قبل المضي في اتجاه أنقرة حيث سيلتقي مع القادة الأتراك لبحث عدد من الملفات المتعلقة بالأزمة الليبية، وذلك استعدادا للقاء الذي سيجمعه في باريس برئيس مجلس الدولة محمد تكالة بوساطة فرنسية تهدف إلى تحقيق توافق بين مجلسي النواب والدولة على وضع رزنامة سياسية للمرحلة القادمة بما في ذلك تشكيل حكومة موحدة على أنقاض حكومتي الوحدة الوطنية برئاسة الدبيبة وحكومة “الاستقرار” برئاسة أسامة حماد.
ولوح أعضاء مجلس الأمن الدولي بعقوبات مشددة على معرقلي الحل السياسي، وأكدوا على ” التزامهم القوي بعملية سياسية شاملة يقودها ويملك زمامها الليبيون، وتسيّرها الأمم المتحدة، تبنى على القوانين الانتخابية المحدثة التي اتفقت عليها لجنة 6+6”، في إشارة إلى مخرجات اللجنة المشتركة المشكلة من مجلسي النواب والدولة، معتبرين أن من شأن تلك المخرجات أن “تمكن من إجراء انتخابات وطنية رئاسية وبرلمانية حرة ونزيهة وشفافة وشاملة للجميع في عموم ليبيا وفي أقرب وقت ممكن”.
وجددوا في بيان صحفي أصدروه، الثلاثاء، التأكيد على دعمهم القوي للممثل الخاص للأمين العام رئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، عبد الله باتيلي، “ولا سيما لدوره في الوساطة ومساعيه الحميدة لتعزيز عملية سياسية شاملة، بما يتماشى مع قرارات مجلس الأمن ذات الصلة، والبناء على الاتفاق السياسي الليبي وخريطة الطريق لملتقى الحوار السياسي الليبي، فضلا عن القوانين الانتخابية المحدثة التي اتفقت عليها لجنة 6+6”.
وأبدى أعضاء مجلس الأمن والمجتمع الدولي تبنيا واضحا للمبادرة التي كان باتيلي أطلقها في الثالث والعشرين من نوفمبر الماضي، وتتعلق بمائدة حوار خماسية تجمع بين رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي ورئيس مجلس النواب عقيلة صالح والقائد العام للجيش الوطني خليفة حفتر ورئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة ورئيس مجلس الدولة
الاستشاري محمد تكالة، ودعوا إلى تقديم الدعم الكامل لباتيلي وبعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا في تنفيذ ولايتهما، مجددين التأكيد على دعمهم لجهود باتيلي “لعقد اجتماع للأطراف المؤسسية الليبية المعنية”، مبرزين أن دعمهم لهذا الاجتماع يهدف إلى “دعم إحراز تقدم نحو إجراء انتخابات وطنية، رئاسية وبرلمانية، حرة ونزيهة وشفافة وشاملة للجميع في أرجاء ليبيا كافة في أقرب وقت ممكن، بما في ذلك عن طريق ضمان المشاركة الكاملة والمتساوية والهادفة والآمنة للمرأة على جميع المستويات”.
وطالب أعضاء مجلس الأمن الدولي جميع الأطراف الرئيسية بالانخراط الكامل مع باتيلي انطلاقا من”حسن نية ودون شروط مسبقة وتقديم التنازلات اللازمة للسير بالبلاد قدما نحو الانتخابات”، مشددين “على أهمية إحراز تقدم ملموس على المسارات الأمنية والاقتصادية والسياسية، ومساري القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان، وعلى أهمية توفير بيئة آمنة لمنظمات المجتمع المدني للعمل بحرية وحمايتها من التهديدات والأعمال الانتقامية”.
وجدد مجلس الأمن التحذير من أن “الأفراد والكيانات الذين يهددون السلام أو الاستقرار أو الأمن في ليبيا، أو يعيقون أو يقوضون استكمال عملية الانتقال السياسي بنجاح، بما في ذلك عن طريق عرقلة الانتخابات أو تقويضها، قد يجري وضعهم تحت طائلة عقوبات مجلس الأمن، مشددا على “أهمية عملية مصالحة شاملة تقوم على مبادئ العدالة الانتقالية والمساءلة”
ورحب أعضاء المجلس “بجهود المجلس الرئاسي لإطلاق عملية المصالحة الوطنية، بدعم من الاتحاد الأفريقي، بما في ذلك تيسير المؤتمر الجامع للمصالحة الوطنية المقرر عقده يوم 28 أبريل في سرت”، وأكدوا من جديد دعمهم القوي لسيادة ليبيا واستقلالها وسلامة أراضيها ووحدتها الوطنية، وكذلك دعوتهم لانسحاب جميع القوات الأجنبية والمقاتلين الأجانب والمرتزقة من ليبيا دون تأخير، بما يتماشى مع بنود اتفاق وقف إطلاق النار الموقع في 23 أكتوبر 2020، وقراري مجلس الأمن (2701) لسنة 2023 و(2702) لسنة 2023”، معربين عن “قلقهم إزاء التوترات المتزايدة في ليبيا، بما في ذلك انتشار الميليشيات المسلحة”، مؤكدين أن “استكمال عملية الانتقال السياسي في ليبيا بنجاح يوفر أفضل الفرص لإحلال السلام والاستقرار والأمن للشعب الليبي”.
وكان باتيلي، بيّن أن أهم الأطراف الرئيسية المؤسسية في ليبيا غير مستعدة لتسوية الأمور الخلافية التي تحول دون إجراء الانتخابات، رغم انتهاء الإطار القانوني والدستوري للانتخابات من قبل اللجنة المشتركة “6+6” واعتماده من مجلس النواب في عملية استغرقت 11 شهرا”.
وشدد باتيلي، على أنه لا يمكن قبول المزيد من التأخير في تشكيل حكومة موحدة تجمع شمل كافة المناطق، شرقا وغربا وجنوبا، لإعادة النسيج الاجتماعي، وإنعاش الاقتصاد، واستعادة سيادة الأمة وكرامتها، على حد تعبيره، وقال في إحاطته أمام مجلس الأمن، أواسط فبراير الجاري، إن الأطراف الرئيسية مستمرة في فرض شروطها ولم يتحرك أي منها في موقف حاسم بعيدا عن موقفها الأول للمحافظة على الوضع الراهن الذي يناسبها، مشيرا إلى أنه أكد خلال مناقشاته الأخيرة مع رئيس مجلس النواب عقيلة صالح أن المهمة الأساسية أمامه ستكون تشكيل حكومة موحدة للمضي قدما في العملية السياسية. وأضاف أن صالح أكد له “أنه لن يشارك في الاجتماع الخماسي إلا إذا شاركت الحكومة المكلفة من مجلس النواب برئاسة أسامة حماد أو جرى استبعاد حكومة الوحدة الوطنية الموقتة برئاسة عبدالحميد الدبيبة”.
وبشأن موقف الدبيبة، قال باتيلي إنه يصرّ على أنه لن يتنحى عن منصبه الحالي إلا بعد إجراء الانتخابات، ما يعني أن حكومة الوحدة الوطنية التي يرأسها ستشرف على العملية الانتخابية المقبلة”، بينما يرفض تكالة القوانين الانتخابية التي أصدرها مجلس النواب ويطالب بالعودة إلى المسودة التي اتفق عليها أعضاء لجنة “6+6” في بوزنيقة، ويرى أن الاجتماع الخماسي “ينبغي أن يركز النقاش على تنقيح القوانين الانتخابية لإعادتها إلى ما يسميه النسخة الأولية من النص”، في حين لا يريد المنفي أن يكون طرفا بين تلك المؤسسات ويبدي استعداده للعب دور الميسر للاجتماع الخماسي.
وقد دعت الولايات المتحدة قادة ليبيا إلى تحديد ممثليهم استعدادا للمشاركة في الحوار الذي دعا إليه باتيلي لمناقشة الخطوات اللازمة لتنفيذ العملية الانتخابية، مشددة على ضرورة التزامهم بحل المسائل العالقة التي تحول دون تنظيم الانتخابات، وقال ممثلها في مجلس الأمن الدولي إن “على القادة الليبيين أن يحددوا ممثليهم من أجل الشروع في المحادثات اللازمة وحل المسائل العالقة التي تحول دون تنظيم الانتخابات، وعلى غرار ما قلناه المرة السابقة المسؤولية ستكون كبيرة على كل من يقف ضد تنظيم هذه الانتخابات”.
وجاء أول ردّ فعل على بيان مجلس الأمن، من الدبيبة الذي رحب به، واعتبر أن موقف مجلس الأمن المعلن في البيان الأخير هو ما دعا ” إليه مرارا وتكرارا لاتفاقه مع رؤيتنا للحل السياسي في ليبيا القائمة على طي المراحل الانتقالية الطويلة، التي عانتها بلادنا وشعبنا، عبر عملية انتخابية نزيهة وشفافة تقوم على أسس دستورية وقانونية عادلة”، وأكد أيضا أن ذلك هو ما دعاه أيضا “إلى قبول دعوة المبعوث الخاص إلى ليبيا لطاولة الحوار الخماسي وسرعة الاستجابة لها”، منتهزا “مناسبة إصدار هذا البيان، لنجدد دعوة جميع الأطراف للجلوس إلى طاولة الحوار لتدشين مرحلة الاستقرار الدائم التي يستحقها شعبنا”.
ويرى مراقبون، أن ترحيب الدبيبة، لا ينفي حقيقة مهمة وهي أنه أحد معرقلي الحل السياسي برفضه القبول بمبدأ تشكيل حكومة جديدة موحدة تدير شؤون البلاد وتشرف على تنظيم الانتخابات في كامل الجغرافيا الليبية، مشيرا إلى أن أغلب القوى الداخلية والخارجية باتت مقتنعة بأنه من غير الممكن تنظيم انتخابات في ظل حالة الانقسام الحكومي والسياسي والأمني والعسكري والاجتماعي السائدة في البلاد. ويضيف المراقبون، أن الدبيبة بات متمكنا من اللعبة السياسية، وهو يعطي لكل طرف ما يود سماعه، بما في ذلك مجلس الأمن، ويتظاهر في مثل هذه الظروف بأنه موافق على كل قرارات وخيارات المجتمع الدولي، بينما هو يعمل عكسها تماما، مع محاولته توريط بقية الأطراف وخاصة مجلس النواب وقيادة الجيش.
واتهمت أوساط ليبية الدبيبة بالتدخل على نطاق واسع لمنع الاجتماع المهم الذي كان سينعقد في تونس، الأربعاء، بمشاركة أكثر من مائة نائب يمثلون مجلسي النواب والدولة، وأضافت أن الدبيبة استعمل مختلف الأدوات التي يمتلكها لإفشال الاجتماع حتى لا تنبثق عنه قرارات مهمة يمكن أن تكون تمهيدا للقاء الذي سيجمع في باريس بين صالح وتكالة.
_________________