محمود عبدالرازق
ورجّح المختصون في علاج الإدمان بأن الحروب وغياب الرقابة الأسرية هي السبب الأول في إدمان الشباب وتعاطيهم للمخدرات، وتقصير الدولة في دمج الشباب وعلاجهم بعد الحروب التي خاضوها ومروا بها في السنوات الأخيرة.
وزادت وبشكل ملحوظ حالات الإدمان في غياب كبير للمستشفيات المتخصصة والإيوائية للحالات التي هي في أمس الحاجة لجلسات مكثفة للتخلص من مرض الإدمان.
وأثرت الحروب التي مرت بها ليبيا على الحالات النفسية للشباب الذين عاشوا ظروفا قاسية جدا بعد الحروب، ولم يتلقوا علاجا نفسيا وتهيئة نفسية للتخلص من الذكرى المؤلمة التي مروا بها طوال فترات الحرب.
وانتشرت الجريمة في ليبيا وزادت جرائم القتل بسبب الأنواع الكثيرة والمتعددة لحبوب الهلوسة التي تذهب العقل، التي دخلت للبلاد عن طريق منافذها الرسمية، وغير الرسمية “التهريب“، والتي سببت بذلك زيادة حالات الإدمان والتعاطي بين الشباب في المجتمع الليبي.
ضحايا الإدمان
حدثنا محمد الليبي، ذو الخمسين عاما، الذي دخل في برنامج علاجي مكثف، من أجل التخلص من الإدمان الذي دمر حياته.
وحسب تصريحاته لـ“الخليج 365″، فقد خاض محمد معركة كبيرة ليتخلص من إدمانه للمخدرات والخمور، بعد أن داهم الخطر بيته وطال ابنه البكر بدخوله طريق الإدمان.
تعرض محمد، الأب لأربعة أبناء، لمشاكل أسرية كبيرة ذهب على إثرها لطلب العلاج بعد تعاطيه الخمور والحشيش لعقدين من الزمن تقريبا، وصل خلالها لمرحلة الاضطراب والارتعاش من الإدمان، حتى أصبح شخصا عدائيا في كل تصرفاته.
يقول محمد إنه لم يشعر بأن تصرفاته تغيرت مع زوجته وأبنائه، وأسرته التي تعد أغلى ما يملك، وأصبح عدائيا لا يستطيع تسيير حياته الاجتماعية ودخل في نفق الإدمان لينتهي به المطاف في مصحات علاج الإدمان.
كان محمد لا يصحو من الخمر الذي أذهب عقله وحواسه، الذي يتعاطه بشكل يومي، وكان همه الأكبر هو كيفية الحصول على الخمر والمخدرات.
مرت السنوات، وأدرك محمد أنه وقع في سراب الإدمان، والنتيجة أدت إلى إدمان ابنه المراهق العشريني الذي يرى في والده القدوة والمثل الأعلى، وهو تسبب في إحباط كبير له بسبب ما آل إليه حال أسرته.
شعر محمد بأنه تغير من حيث معاملته لأسرته التي كانت عدوه الأول، حيث كان يعاملهم معاملة سيئة، وكان عديم الاهتمام بأبنائه علاوة على إهماله لصحته ومظهره الخارجي.
رحلة التحدي
أصرّ محمد بعد الظروف التي مر بها على خوض تجربة العلاج من تعاطي المخدرات، وتكثيف جلساته العلاجية بصحبة زوجته، زوجته التي كانت الحافز الأكبر في تلقيه الجلسات المكثفة التي وصلت إلى اثني عشر جلسة مكثفة، وكانت ذات تأثير كبير جدا في حياته.
ذهب محمد للعلاج من تلقاء نفسه، نظرا لشعوره بالفرق الكبير بينه وبين أصدقائه الأصحاء الذين اختلفوا معه، بسبب سلوكه الخاطئ وتصرفاته الغير مسؤولة، وعاشوا حياتهم الطبيعية بعيدا عن طريق الإدمان.
يقول محمد إن العلاج من الإدمان غالي وباهظ الثمن، مؤكدا بأن القطاع العام لا تتوفر فيه الإمكانيات، وأشار بأنه لا يشعر بأي حرج في تردده للعلاج من الإدمان.
غياب الرقابة الأسرية
وفي هذا الإطار، قالت الدكتورة سعاد المجبري، المتخصصة في علاج الإدمان إن أكثر من يتعاطى المخدرات هم صغار السن، ورجحت المجبري بأن سبب ذلك يرجع لغياب الرقابة الأسرية، وغياب الاهتمام بالشباب وكيفية قضاء أوقاتهم.
وتابعت المجبري، في تصريح خاص لـ“الخليج 365″، أن من أكثر الأسباب هو سهر الشباب وقضاء أوقات متأخرة خارج المنزل، ولفتت إلى أن الأم تكون هي الدافع الأول لذلك، لأنها دائما ما تكون هي المدافع عن تصرفات الأبناء، وهي أول من يلاحظ وجود رائحة ابنها الغريبة والأدوات التي يستخدمها في الإدمان، ولكن خوف الأم من غضب الأب على ابنها لا تخبر الأب بذلك.
دور رعاية الأب
تضيف المجبري أن عدم مواكبة الأب لأبنائه، وعدم معرفة التفاصيل الدقيقة عنهم وعدم معرفة من يرافق، وما هي احتياجاته من أكبر أسباب التعاطي، لافتة إلى أن اختلاف الأصدقاء من حيث الشكل والمستوى الثقافي والهيئة سبب أيضا يجب ملاحظته لتدارك خطر الإدمان، كما قالت يجب مراعاة كل هذه الأمور بين الأب وابنه.
وأوضحت أن ظاهرة عمل البنات في سن مبكر، بعيدا عن الرقابة الأسرية، وعدم معرفة مصدر الدخل الذي يتحصلن عليه، من أكبر أسباب الانحراف، وقالت يجب على العائلة مصادقة الأبناء كونها هي الأساس في هذه المراحل، ويجب تنوير الأبناء في أغلب المسائل وذلك لمعرفة الأمور الصحيحة من الخاطئة.
وأضافت المجبري أنه كان للجار دور كبير في مراقبة أبناء الجيران ولكن الآن لا يستطيع الجار التدخل في مثل هذه الحالات بسبب تغير أنماط المجتمع وعادات المواطنين.
ورجحت بأن هذه الظواهر ترجع أيضا بسبب عدم وجود التماسك الأسري وتفتت الأسرة بسبب تكثيف جلوس الأبناء على الإنترنت، وإهمال رعاية الأسرة.
انتشار الحبوب والمخدرات
وقالت المجبري: “انتشرت في الآونة الأخيرة الكثير من حبوب الهلوسة والمخدرات، التي دخلت عن طريق بعض المنافذ الرسمية للدول، عن طريق غياب الضمير لدى بعض المسؤولين وقبول الرشاوى هو السبب الحقيقي في ذلك“.
وتابعت: “انتشرت أنواع كثيرة من حبوب الهلوسة والهيروين، والترامادول، والاكسترا، وكل قرص جديد يدخل للبلاد، يسبب الكثير من الأضرار منها النشوى اللحظية، والمعاناة على مدار العمر“.
وأوضحت أن مخدر الحشيش انتشر بشكل كبير جدا، وهو الذي يؤثر على الذاكرة، بالإضافة لكونه سبب رئيسي في تشوه الأجنة، ومع تقدم الشباب في العمر يكون تأثيرات أكبر تصل إلى فقدان الذاكرة.
طرق العلاج
وقالت المجبري: “يفترض من الأسر متابعة أبنائهم وفي حال تم اكتشاف أن الابن في حالة إدمان في أعمار مبكرة، يجب أن يخضع لجلسات علاج فورية، والدخول لمراكز علاج الإدمان لمحاولة السيطرة على الابن، أفضل من استمراره في الدخول في السلك الإجرامي ويكون الضرر كبير“.
وشددت المجبري على ضرورة المحافظة على الأبناء بشكل أكبر بكثير من ذلك لأن الأبناء الصالحين هم النعمة الحقيقية والسعادة الكبرى.
رحلة العلاج
ومن جانبه، أوضح الاختصاصي في الطب النفسي والعلاج من الإدمان، الدكتور طارق شكبان، أن مرضى الإدمان يتم تعامل معهم كأنهم مرضى حقيقيين، لأنه بالفعل تم تصنيف الإدمان والاعتماد على المواد المخدرة مرض يحتاج لعلاج مكثف.
وتابع شكبان في تصريح خاص لـ“الخليج 365″ أن أكبر خطأ من المجتمع أو من أي شخص تجاه التعامل مع مريض إدمان، أي يتم اعتباره شخصا منحرفا ومجرما، مضيفا أنه من الممكن بالفعل أن يتصف الشخص المدمن بهذه الصفات، ولكن في بداية الأمر هو شخص مريض وبحاجة إلى علاج مثل أي مريض آخر.
وأوضح أن “الأمر مختلف بين المدمنين من حيث قبوله للعلاج من عدمه، وهل الشخص قادم للعلاج بإرادته وإذا كان يريد العلاج بإرادته هل هو متحفز للعلاج وبأنه يريد التعافي منه، أم أن في داخله أمر آخر، أما إذا كان لا يرغب في العلاج بإرادته وتم إرغامه لتلقي العلاج عن طريق الشرطة أو الأهل، ففي هذه الحالة يتم بدء العلاج بجلسات تعزيز يتم التوضيح من خلالها بطرق كيفية التخلص من الإدمان حتى تتولد لديه الرغبة والقناعة في ترك الإدمان“.
وأكد أن أهم طريقة للتعامل مع الشخص المدمن هو عدم معاملته كمجرم أو مذنب أو التعامل معه كشخص مريض، لافتا إلى أن أغلب حكايات وقصص الإدمان تكون في العادة تكون للشباب ذوي الأعمار الصغيرة.
ويقول: “من واقع عملي كطبيب نفسي وجزء كبير من العمل هو التعامل مع حالات المتهيجة والعنيفة وحالات التعاطي، متوقعا تصرفات عدائية من الأشخاص المدمنين الذين يمتثلون للعلاج“.
الأسباب الرئيسية
وقال الاختصاصي النفسي، رجب أبو جناح، إن العوامل كثيرة ومتعددة، ولكن أكثرها تأثيرا في ليبيا هي النفسية والاجتماعية والتي يمكن أن تتلخص في تأثير الرفاق من الأصدقاء، وحب التجربة والتقليد والمحاكاة، بالإضافة إلى الفراغ والبطالة، كما أن توفير المخدرات وسهولة الحصول عليها وعدم الاستهجان المجتمعي الكبير للمخدرات، وحالات القلق والاكتئاب والخوف والتوتر التي يعانيها الشباب.
كما أن ضعف الوازع الديني وضعف التربية الدينية، والتنشئة الاجتماعية الخاطئة والمشاكل الأسرية وعدم مراقبة الأبناء والإهمال والقسوة والدلال والأنانية والصراع الأسري، والأفكار والمعتقدات الخاطئة حول المخدرات بأنها تصنع السعادة والراحة.
كثرت حالات التعاطي بعد الحروب وحالات اليأس والنزوح التي تمر بها البلاد، بالإضافة إلى الاضطرابات المختلفة، وعدم التقدير وعدم الرضا عن النفس، والفقر والحرمان، كل الأسباب السابقة تجعل من الفرد متعاطي مخدرات، بالإضافة إلى الفراغ والذي يعتبر العامل الأساسي في ذلك.
مكافحة المشكلة
يقول أبوجناح، إن “ليبيا بلد غير زارع وغير منتج وغير مصنع للمخدرات، وهذا يعني أن كل المخدرات تأتي عبر المنافذ البرية والجوية والصحراوية، وأن اختيار العاملين الخيرين بمنافذ الدولة كفيل بالقضاء على هذه الظاهرة وتناقص كميات المخدرات التي تدخل للبلاد، كما أن الاهتمام بعمل وزارة الشباب والرياضة والتعليم والصحة والأوقاف والداخلية، والشؤون الاجتماعية لها دور كبير في ابتعاد الشباب عن هذه الظاهرة“.
وأكد على أهمية الدور الإعلامي لوسائل الإعلام في التوعية بمخاطر الإدمان ووقاية المجتمع منها، مشددا على “ضرورة إنشاء مصحات للعلاج من حالات التعاطي والإدمان على المخدرات، والعمل وفق خطط وطنية شاملة، تشترك فيها كل مؤسسات الدولة وفق تخصصاتها وإمكانياتها، بالإضافة إلى تأهيل وتدريب الأفراد العاملين في مجالات مكافحة المخدرات الضبطية والوقائية والعلاجية“.
دور الأسرة
وأضاف أن الدور الأهم يقع على الأسرة في التربية والمتابعة والمراقبة والاهتمام، وإقامة الدراسات العلمية حول مشكلة المخدرات ووضع الحلول والمقترحات وبرامج التوعية المستمرة حول المخدرات للمراهقين في المدارس الإعدادية والثانوية باعتبارها السن الأكثر عرضة للتعاطي.
________________