محسن المصري
تشهد الساحة الليبية تحركات إقليمية ودولية متسارعة بعد فترة من الجمود السياسي، خاصة بعد كارثة إعصار دانيال التي راح ضحيته آلاف الليبيين وأظهر تداعيات الانقسام والخلافات السياسية على البلد التي ترزح تحت حكومتين و3 مجالس حاكمة منذ سنوات.. فإلى أين تتجه ليبيا؟
شهدت ليبيا خلال الأيام الماضية حراكاً دبلوماسياً إقليمياً، حيث استضافت تركيا رئيس البرلمان عقيلة صالح في محاولة من الأخير لإقناع تركيا بالتخلي عن حكومة الدبيبة ودعم تشكيل حكومة ليبية جديدة تتولى إدارة ملف الانتخابات المرتقبة.
كما استضافت القاهرة يوم 16 كانون الأول الجاري، كل من رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي ورئيس مجلس النواب عقيلة صالح وقائد قوات الشرق الليبي خليفة حفتر، بحضور رئيس المخابرات العامة المصرية اللواء، عباس كامل.
يأتي هذا، في وقت دعت فيه اللجنة الأممية بليبيا إلى حوار خماسي بين الأطراف الليبية، من المقرر عقده في كانون الثاني المقبل للتوافق على قوانين الانتخابات وتفعيلها، وذلك أملاً في إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية خلال العام المقبل.
ووفقاً لمراقبين، فإن التحركات الأخيرة في الملف الليبي تمت بتنسيق مصري – تركي وبضغوط أممية خاصة في ظل دور القاهرة وأنقرة في الأزمة وعلاقة البلدين بأطراف الصراع، ووجود رغبة ليبية وإقليمية في التوصل لحل سياسي للأزمة الليبية بعد أكثر من عقد من الصراع خاصة بعد الحرب في غزة.
تأثير حرب غزة
يرى الباحث والمحلل السياسي، حكيم بوغرارة، أن “تطورات الملف الليبي هذه تعكس وعياً كبيراً لأطراف الأزمة من أجل التحرك بصورة عاجلة من أجل إيجاد تسوية سياسية للأزمة“.
وقال لوكالتنا: “أدرك الليبيون بعد ما حدث ويحدث في غزة أن العلاقات الدولية ليست بريئة وأن الاختراقات الأجنبية كبيرة جداً وأنه إذا لم يكن هناك تنازلات وتوافقات فإن الجميع سيخسر والتطورات المستقبلية قد تشهد تصعيداً خطيراً جداً“.
زيارة غير مفاجئة
وأشار إلى أن “زيارة عقيلة صالح لتركيا غير مفاجئة بل كان من المفترض أن تتم منذ فترة طويلة نظراً للاختراق الكبير من جانب تركيا للأزمة الليبية خاصة مع حكومة الدبيبة التي تحظى بالشرعية الدولية“.
ويعتقد الباحث أن “محور الجزائر ـ تونس ـ القاهرة ـ أنقرة، مهم جداً للمساعدة على تجاوز الأزمة الليبية، التي قطعت أشواطاً كبيرة جداً يمكن البناء عليها، خاصة أن قوانين الانتخابات والتعديلات الدستورية تقريباً استكملت بشكل كبير من أجل تمكين مسار سياسي والتوجه للانتخابات الرئاسية والتشريعية وإرجاع الكلمة للشعب الليبي لمنح الشرعية لمختلف المؤسسات، وبالتالي تتجاوز ليبيا فترة عدم الاستقرار خاصة في ظل التهديدات الإرهابية في الجنوب الليبي الذي يطل على منطقة الساحل المشتعلة. ناهيك عن بروز موجة كبيرة للهجرة غير الشرعية والإتجار في السلاح والبشر والكثير من الأزمات المترابطة خاصة بعدما حصل في النيجر ومالي وبوركينا فاسو“.
وحسب بوغرارة فإن “كل هذه المعطيات فرضت على أطراف الأزمة الليبية البحث عن مخارج جديدة في ظل انسداد وفشل كل المحاولات للتقريب بين الفرقاء الليبيين في مراحل سابقة، وعليه فإن تحرك الداخل الليبي واستعداد دول طوق ليبيا للمساعدة خاصة بعدما حدث في غزة، وتيقن الفرقاء الليبيين أن العلاقات الدولية لم تكن تؤتمن وأن السيناريو يمكن أن يتكرر في أي دولة إذا لم تسرع في إيجاد حلول فيما بينها“.
إعادة التموضع
وحسب الباحث في الدراسات الاستراتيجية، الدكتور نبيل كحلوش “تندرج زيارة عقيلة صالح إلى تركيا في إطار محاولات إعادة التموضع الجديد بعد تأجيل الانتخابات التي كانت من المزمع إقامتها قبل مدة“.
وقال لوكالتنا: “إن تأجيل الانتخابات وكذلك آثار كارثة الفيضانات قد أخّر الزمن السياسي لليبيا وانخفض بريق الحالة السياسية في الإعلام بعد كل من حرب أوكرانيا وحرب غزة، ما جعلها بدون أي أهمية نظراً لسطحية الملفات العالقة مقارنة بالملفات الدولية الأخرى“.
ورأى كحلوش “أن زيارة صالح لن تؤثر كثيراً على الوضع في الداخل الليبي؛ لأن أقصى ما يمكن أن تفعله تركيا حالياً هو الاتفاق مع رئيس مجلس النواب بتوجيه عدد من الشركات التركية وبالأخص في مجال البناء للإسهام في جهود إعادة الإعمار، أما عن حكومة الدبيبة فعلى الرغم من أدائها السياسي المتذبذب، فإنها لا زالت توصف بالحكومة الشرعية وهذا استناداً إلى الشرعية الدولية.”
وأشار إلى أن “ما يجب إدراكه من الناحية الاستراتيجية هو أن استقرار ليبيا قد يمكن من إطلاق مشاريع طاقوية نحو أوروبا، تلبية لحاجاتها التي تضررت بعد الحرب الروسية – الأوكرانية“، لافتاً إلى أن “ذلك سيتصادم مع الطموحات الإسرائيلية التي تريد مد خطوط الغاز من عسقلان الفلسطينية نحو قبرص ثم اليونان ثم إلى قلب الاتحاد الأوروبي، لذلك فإن الليبيين أمام فرصة تاريخية لإعادة الاستقرار لدولتهم واستغلال الأزمة الحرجة التي يمر بها الكيان الصهيوني.”
وعن الاجتماع الذي استضافته القاهرة بحضور حفتر وعقيلة صالح والمنفي، اعتبر الباحث أن “الاجتماع في القاهرة بحضور هذه الشخصيات يمكن قراءته أنه تنظيم للصف الموالي للقاهرة من أجل صيانة المصالح المصرية في ضوء المتغيرات المقبلة“.
واعتقد أن “هذا في الواقع لن يتعلق كثيراً بتحريك المياه الراكدة التي لم تتحرك منذ 2011، ما يعني أن الغياب المؤسساتي للدولة الليبية سيحتاج إلى المزيد من الجهود الأممية حتى تتحقق النقلة السياسية“.
________________