نورالدين خليفة النمر

يتبدى واضحاً عزوف الناخبين في أنحاء متفرّقة من العالم عن انتخابات المؤسسة التقليدية للسلطة؛ الأمر الذي حطّ من شعبية الأحزاب السياسية، أحد أعمدة الديمقراطية التمثيلية السائدة. وهذا الموقف ليس وليد اليوم، بل يعود بنا إلى عام 1796.

فقد تبرّم جورج واشنطن، أول رئيس لأميركا، من الأحزاب التي أنشأتها رئاسته، وكأنه يتكلم باسم المنتقدين اليوم للحزبية، لأنها أتاحت الفرصة لرجال «مخادعين وطموحين وبلا مبادئ لتقويض سلطة الشعب».

كان يقلقه كمؤسس لدولة الاستقلال الأميركي تغلغل النشاط الحزبي داخل الحكومة، والتأثير السلبي الذي يحدثه على الوحدة الهشة للشعب. كان واشنطن الرئيس الوحيد في تاريخ الولايات المتحدة الأميركية الذي لم تكن لديه توجهات حزبية.

ورغم سعيه إلى اجتناب ذلك، إلا أنه ميز شخصه ضمن المؤيدين للذين أنشأوا الحزب الفدرالي منافساً للحزب الديمقراطيالجمهوري .

بعد خمس وأربعين سنة، عام 1831، أليكسيس دي توكفيل يقضي تسعة أشهر في الولايات المتحدة لدراسة إصلاحات السجن.

كان يأمل في العودة إلى فرنسا بمعرفة مجتمع يجعله لائقاً للمساعدة في تشكيل مستقبل فرنسا السياسي.

انطباعات الرحلة كان نتاجها كتاب «الديمقراطية في أميركا» الذي ما زال يحظى بشعبية كبيرة لأنه يتعامل مع قضايا مثل الدين والصحافة والمال والهيكل الطبقي والعنصرية ودور الحكومة والنظام القضائي وهي قضايا ذات صلة بالديمقراطية اليوم كما كانت في ذلك الوقتمما جعله في نظر المؤرخين الكتاب الأكثر شمولاً وإبداعًا الذي كتب عن الديمقراطية التي تمثلها الأحزاب السياسية.

الدعوة إلى اجتناب الأحزاب، كمعالجة لوضع وقتي يخص استقلال ليبيا، وليس كمبدأ له خلفيات معتقدية وشخصية، كما أعتقد من كتبوا في تقييم التجربة الليبيبة 1951 ـ 1969، يطلقها مؤسس كيان الاستقلال الليبي الأمير إدريس السنوسي، ويعني بها الأحزاب الطرابلسية التي أنشأتها المطالبة بالاستقلال، ومخاطر اختلافها بما يحدثه من تبعات على الوحدة الهشة للشعب الليبي الذي تجاذبته وقتها، كما هو اليوم، الانقساميات بكل أطيافها المحلية ومؤثراتها الخارجية.

السؤال الذي ينطرح في أوساط السياسة بما يشغل المتابعين لليبيا المتأزمة منذ 10 سنوات، وهي تشرع مضطرة دولياً في 24 ديسمبر 2021 في الدخول إلى معترك انتخابات ثالثة تشريعية ورئاسية:

هل من الممكن أن ينهض النظام الديمقراطي من دون أحزاب سياسية؟

المحاجج بإمكانية ذلك: يستند في رؤيته على بديل عن الأحزاب نموذجُه شكلُ من الديمقراطية المباشرة، التي يتم فيها انتخاب الأفراد، لا الأحزاب، على جميع مستويات الحكومة. بحيث يشمل النظام الجديد مجالس محلية واستفتاءات ويتصدره رئيس الدولة الذي وصل إلى منصبه بكفاءته كخبير، وعدم عضويته الحزبية، وبانتخابه مباشرة من الشعب.

أما المحاجج بالرفض: سيكون من السهل عليه رفض هذا النموذج باعتباره غير عملي ويشير إلى الشعبوية التي اختبرها الليبيون في أربعة عقود دكتاتورية فوضوية كخطر واضح وحاضر فيه.

ولو أوكل صنع السياسة، للخبراء فقط، سيصبح فجأة ما هو «صحيح وموضوعي» في السياسة والعلم أمرا مقصورا فقط على نخبة من المختصين، وستتحول الديمقراطية إلى «حكم الخبراء»، الذي لن يستطيع المواطن شبه الأمي في التجربة الحزبية فهمه ولن يستطيع التأثير عليه.

المفكر ماثيو جيدير يلقي بالمسؤولية في كتابه: «خونة الثورة» على كاهل أولئك الذين واجهوا الأنظمة الديكتاتورية وعجلوا في انهيارها، وتكمن خيانتهم لحركيات ماسُميّ إعلاميا بـ «الربيع العربي»، في كونهم ممثّلين للديمقراطية المدنية التابعة للنظام القديم، وخُدّامًا أوفياء للأحزاب والحركات الإسلامية القائمة، والمعتمدة على الدين والشريعة في إدارة نظم الحكم الجديدة.

الصعوبة التي تواجه الباحث السوسيولوجي حصْرُ هؤلاء الـ “خونة للثورة” ضمن فئة أو طبقة أو شريحة اجتماعية معينة، إنهم بِنية متعددة وغير متجانسة؛

  • فهم الشباب الذين قادوا الاحتجاجات في الشوارع والميادين،
  • وفي الحالة الليبية المنتفضون بكل أطيافهم المسلحة الذين قاتلوا الدكتاتور ونظامه وتشتتوا في رقعة الجغرافيا الليبية الشاسعة،
  • وهم الذين يؤمنون بالتغيير الجذري دون أن يكون قائمًا بالضرورة على مرجعيات إسلامية،
  • وهن النساء المتعلمات اللواتي قدن حملات التعبئة بعواطفهن المكلومة ضد النظام الساقط،
  • وهم من يصفون أنفسهم بالليبراليين واليساريّين والمثقفين، الذين وجدوا أنفسهم مهمّشين من طرف المجتمع ومقصين من طرف الحكومات الجديدة، التي أظهرت أولى الانتخابات انقسامهم، وضعف أو انعدامالدعم الشعبي لهم، وضعف تنظيمهم الواضح، وقصور أنساقهم الأيديولوجية في مواجهة الإسلاميين والقوى المحافظة .

انتهت ليبيا اليوم إلى أربعة أجسام مؤسسة لأزمتها السياسية:

  • البرلمان المأزوم والعاطل عن العمل والتشريع في طبرق،
  • ومجلس الدولة المُعطل بتجاوزه لوظيفته التي قرّرها الاتفاق السياسي وتأكيده على تقاسم سلطة التشريع مع البرلمان،
  • والمؤسسة العسكرية المصطنعة لإعادة الدكتاتورية الساقطة بالثورة الشعبية عام 2011.
  • والملتقى السياسي الذي اصنطعته البعثة الأممية باسم ممثلتها الأميركية كمخرج وكبديل عن هذه الأجسام الثلاثة المنسدّة ولكنه ظهر أخيراً أنه أيضاً مُنسدّ بإاغلاقاتها العدمية .

نُعيد السؤال عن الأحزاب، التي لم يبق منها في المشهد إلا: مكون حزب العدالة والبناءكهيكل بدون محتوى، تدعمه على الأرض جهوية مصراتة المدججة بالمال والسلاح، وبإيديولوجية جماعة الأخوان المسلمين وملحقاتها السلفيات والجهاديات السابقة وميليشياتها الفوضوية المعتاشة على الأتاوات المصرفية، والقوتين مستنصرتين بالدولة التركية.

كما يلخصها الكاتب المختص في فقه السياسة في الإسلام، رضوان السيّد، إن مقولات الإسلاميين العَقَدية تركز على قضيتين:

الأولى، الشريعة (وليس الأمّة) هي أساس المشروعية في الدولة والمجتمع.

والثانية، الدولة ضروريةٌ لحفظ الدين، ولها مهمة دينية أساسية وهي تطبيق الشريعة.

وما يثبته المؤرخون المعاصرون من أنه لا يوجد ترابط بين النضال من أجل الديمقراطية وجماعات (أحزاب) وتيارات الإسلام السياسي، حتّى على مستوى التنظير والخطاب السياسي لم يكن الإسلاميون يتبنون الديمقراطية ولا يؤمنون بالانتخابات .

_____________

مقالات مشابهة

4 CommentsLeave a comment

  • Алкогольный запой — это тяжелое и опасное состояние, при котором человек не способен контролировать свое потребление алкоголя. Это приводит к сильной интоксикации организма, нарушению функций внутренних органов и развитию серьезных осложнений. Важно понимать, что алкогольный запой требует незамедлительного вмешательства, так как продолжительное употребление алкоголя может привести к необратимым последствиям, таким как поражение печени, почек, сердца, а также психические расстройства и даже летальный исход. В таких ситуациях крайне важно получить квалифицированную медицинскую помощь как можно скорее.
    Подробнее – [url=https://vyvod-iz-zapoya-14.ru/vivod-iz-zapoya-v-kruglosutochno-v-sankt-peterburge/]вывод из запоя круглосуточно наркология в санкт-петербурге[/url]

  • 1Block Casino: Full Platform Overview
    1Block Casino is a modern gaming platform that offers a wide range of gambling entertainment for players worldwide. From classic slots to unique games like Plinko, the service provides everything needed for gambling enthusiasts. Let’s take a closer look at the main features of the platform, game categories, and key advantages.

    Game Categories
    1Block Casino boasts an extensive collection of games divided into several categories:

    Originals
    This section features exclusive games developed specifically for the platform. It’s a great choice for those seeking a unique gaming experience.
    Slots
    Classic and modern slots with various themes, bonuses, and mechanics are available here. Whether you prefer traditional fruit machines or innovative video slots, there’s something for everyone.
    Live Games
    Immerse yourself in the atmosphere of a real casino with live dealer games. These games are streamed in real-time, offering an authentic experience with professional dealers.
    Fishing Games
    A unique category that combines gambling with interactive gameplay. Fishing games are gaining popularity due to their engaging mechanics and potential for big wins.
    Poker
    Test your skills against other players in various poker formats. The platform offers both traditional and fast-paced poker games.
    Esports Betting
    Bet on your favorite esports teams and tournaments. This section caters to fans of competitive gaming who want to add excitement to their matches.
    Lucky Bets and High Rollers
    1Block Casino caters to all types of players, from casual gamers to high rollers. The Lucky Bets section highlights random wins, while the High Rollers section showcases impressive payouts from large bets. Whether you’re betting small or large amounts, the platform ensures fair play and exciting opportunities.

    Our Community and Partnerships
    1Block Casino values its community and collaborates with trusted partners to enhance the gaming experience. The platform proudly works with leading providers, ensuring top-quality games and services for its users.

    Legal Information
    1Block Casino is owned and operated by JogoMaster Limited, a company registered under number 15748. The company’s registered address is located in Hamchako, Mutsamudu, Autonomous Island of Anjouan, Union of Comoros.

    The platform is licensed and regulated by the Gaming Board of Anjouan (License No. ALSI-152406032-FI3). 1Block has passed all regulatory compliance checks and is legally authorized to conduct gaming operations for all games of chance and wagering.

    Why Choose 1Block Casino?
    Diverse Game Selection : From slots to live games, there’s something for every type of player.
    Transparency : All bets and payouts are clearly displayed, ensuring trust and fairness.
    Crypto-Friendly : The platform supports cryptocurrency transactions, making it convenient for modern players.
    Licensed and Regulated : With a valid license from the Gaming Board of Anjouan, players can enjoy a secure and legal gaming experience.
    Whether you’re a fan of classic casino games or looking to explore unique options like Plinko, 1Block Casino offers a comprehensive and enjoyable platform for all gambling enthusiasts.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *