ماثيو بس

نشر موقع «ذا جيوبولوتيكس» الأمريكي التحليلي مقالًا للكاتب المستقل، ماتيو بيس، الذي درس العلاقات الدولية في جامعة تورين، حول تأثير الحرب الأوكرانية في الأمن الغذائي في الشرق الأوسط واحتمال تجدد احتجاجات الربيع العربي التي أطاحت عدة أنظمة في المنطقة منذ 10 سنوات، مع ارتفاع أسعار المواد الغذائية واستعداد أعداد أكبر من الناس للانضمام إلى الاحتجاجات العنيفة.

ويستهل الكاتب مقاله بالقول: أثار غزو أوكرانيا وما أعقبه من عقوبات فُرِضت على روسيا، قلقَ الدول الأوروبية بشأن إمكانية الحصول على الغاز الطبيعي، الذي طالما اعتمدت عليه. وعزَّزت الحرب الضغط على موارد الطاقة، وجاء بصفة خاصة من خلال زيادة أسعار الغاز والنفط والفحم. لكن الأمر لا يتعلق بإمدادات الطاقة للدول الأوروبية فحسب، بل إن سوق الغذاء العالمي يتعرض لخطرٍ أيضًا.

وتُعد روسيا أكبر منتج ومصدِّر للقمح (بعد الصين والهند)، بينما تُعد أوكرانيا واحدة من أكبر خمس دول مصدِّرة للقمح في العالم. وتعرقل حرب بوتين سلسلة توريد القمح في عديد من دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، والتي تعتمد اعتمادًا كبيرًا على هذه الصادرات نظرًا إلى الدور المهم الذي يؤديه القمح في وجباتها الغذائية الإقليمية

ويمكن أن يُسْهِم ارتفاع أسعار المواد الغذائية في حدوث مجاعة قائمة بالفعل وإثارة غضب الجماهير.

ويوضح الكاتب أنه في عام 2021، أنتجت أوكرانيا نحو 80 مليون طن متري من الحبوب (وهي فئة تشمل القمح والذرة والشعير)، ومن المتوقَّع أن تحصد أقل من نصف هذه الكمية هذا العام. وقال وزير الزراعة الأوكراني، رومان ليشينكو، إن المزارعين غرسوا ما مجموعه 6.5 مليون هكتار من القمح الشتوي لمحصول 2022، لكن بسبب الحرب في عديدٍ من المناطق الأوكرانية يمكن أن تكون المساحة التي تُحصَد نحو 4 ملايين هكتار فقط.

روسيا تعرقل استخدام موانئ البحر الأسود

ويلفت الكاتب إلى أنه مع إعاقة الجيش الروسي استخدامَ موانئ البحر الأسود مثل ميناء أوديسا أو ميناء ميكولايف، تُنقَل الحبوب الأوكرانية الآن عن طريق القطارات عبر رومانيا وبولونيا. ويجب تغيير عجلات العربات عند الحدود لأن عربات القطارات الأوكرانية، على عكس السكك الحديدية الأوروبية، تسير على مسارات أوسع تعود إلى الحقبة السوفيتية. وهذا يجعل الخدمات اللوجستية بأكملها بطيئة للغاية ومكلِّفة وغير فعَّالة.

وتُعد دول شمال أفريقيا والشرق الأوسط أكبر مستوردي القمح في جميع أنحاء العالم، حيث تأتي الشحنات بالأساس من روسيا وأوكرانيا. وتستورد مصر، أكبر مستورد للقمح في العالم، منهما نحو 80% من احتياجاتها. وتستورد المغرب أكثر من 50% من الحبوب، وتستورد تونس حوالي 70%، وتستورد ليبيا 90%. وتشير هذه الأرقام إلى ضعف جيوسياسي ملحوظ، يمكن مقارنته بطريقة ما باعتماد الدول الأوروبية على واردات الغاز.

ويشير الكاتب إلى أن بلدان شمال أفريقيا تتعرض بالفعل لضغوطٍ بسبب الجفاف الشديد الذي يهدد الإنتاج المحلي للحبوب. ويمتد موسم الأمطار في الجزائر والمغرب وتونس عادةً من أغسطس (آب) إلى ديسمبر (كانون الأول). لكن في عام 2021، كان هطول الأمطار المتراكم لهذه الأشهر أقل بنسبة 36%، وكان أقل من متوسط ​​10 سنوات في الجزائر، وأقل بنسبة 46% من المعدل الطبيعي في المغرب، وأقل بنسبة 48% من المعدل الطبيعي في تونس. وانخفض إنتاج الجزائر من الحبوب لعام 2021 بنسبة 38%، بسبب انخفاض معدل هطول الأمطار والجفاف.

ونظرًا إلى أن معظم الحبوب الأوكرانية عالقة في موانئ البحر الأسود، بدأت هذه المناطق في البحث عن بدائل. لكن المورِّدين البديلين يضيفون تكلفة شحن أعلى، أو فترات نقل أطول أو جودة مختلفة، مما يزيد من تسارع تضخم أسعار المواد الغذائية، كما تدخل الهند إلى سوق التصدير، وتتفاوض للوصول إلى الأسواق في مصر وتركيا والصين، بعد أن احتفظت دائمًا بمحاصيل القمح الضخمة في الداخل بفضل السعر الذي تحدده الحكومة، وتتوقع البرازيل تحقيق أعلى صادراتها من الحبوب في عقد من الزمان. ومن المقرر أن تصل إلى 2.1 ملايين طن في الأشهر الثلاثة الأولى من العام، أي ما يقرب من ضعف كل صادراتها في عام 2021.

هل ننتظر ربيعًا عربيًّا جديدًا؟

وألمح الكاتب إلى أن الأمم المتحدة حذَّرت من أن أسعار المواد الغذائية – التي ارتفعت بالفعل بنسبة 25% خلال العام الماضي – قد ترتفع بنسبة تصل إلى 22% أو أكثر. وسجَّلت تكلفة سلة الغذاء الأساسية – الحد الأدنى من الاحتياجات الغذائية لكل أسرة في الشهر – زيادة سنوية بنسبة 351% في لبنان، وهي الأعلى في المنطقة. وتلتها سوريا بنسبة 97% واليمن بنسبة 81%.

وقبل عقد من الزمان، كانت الزيادة في أسعار المواد الغذائية أحد دوافع الاحتجاجات والاضطرابات التي أدَّت إلى الربيع العربي في عام 2011. وقد أثَّر التقلب الشديد في الأسعار في الأسواق الزراعية العالمية في البلدان المعرَّضة بشدة لواردات القمح. وأوضحت دراسات عديدة أن هناك علاقة سببية بين ارتفاع أسعار المواد الغذائية (بنسبة 40% في أواخر عام 2010)، وتزايد انعدام الأمن الغذائي، والانتفاضات في مصر وسوريا.

وبعد مرور 10 سنوات، لا يزال عديد من التحديات الاقتصادية والسياسية التي أثارت الاحتجاجات بحاجة إلى معالجة. وأدَّت جائحة كوفيد-19 إلى زيادة ضعف الوضع الاجتماعي والاقتصادي وتؤثر في ارتفاع معدلات البطالة، وخاصة بين الشباب. والنتيجة هي أن أسعار المواد الغذائية المتزايدة يمكن أن تقلل من تكلفة الفرصة البديلة للتمرد، مع زيادة عدد المواطنين المستعدين لتحمل مخاطر الانضمام إلى الاحتجاجات العنيفة.

ولمنع الانتفاضات الاجتماعية، ظل الغذاء مدعومًا دعمًا كبيرًا عبر التاريخ بوصف ذلك جزءًا من «العقد الاجتماعي» لبلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. واليوم، هناك عدد من الأسباب التي تُزيد من المخاوف بشأن قدرة الحكومات على دعم سوق الغذاء على المدى الطويل: قيود الميزانية والتعافي البطيء من جائحة كوفيد-19، وتأثير الاضطرابات المرتبطة بالمناخ في الزراعة العالمية، وأخيرًا، الحرب في أوكرانيا.

ولسوء الحظ، لن تُحَل مشكلة نقص الحبوب في أي وقت قريب، لكنها ستزداد سوءًا مع استمرار الحرب في أوكرانيا. وعندما يحدث ذلك، يمكن أن نتوقع حدوث اضطرابات سياسية كبيرة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

ويختتم الكاتب مقاله بالقول: إن الحرب تؤدي إلى زيادة انعدام الأمن الغذائي، ويزيد انعدام الأمن الغذائي من فرص الاضطرابات والعنف. وتُسْهِم الحرب في أوكرانيا في الجوع ودفع الناس إلى انعدام الأمن الغذائي في أجزاء أخرى من العالم، مع احتمال نشوء صراعات وأعمال عنف.

_____________________________

مقالات مشابهة

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *