في تقريرٍ جديدٍ مشترك صادرٍ عنهما، ناشدت كلّ من منظمة محامون من أجل العدالة في ليبيا و منظمة سيفر وورلد المجتمع الدولي من أجل إعادة توجيه مشاركته في ليبيا نحو مقاربةٍ مبنيةٍ على حقوق الإنسان تضع الشعب الليبي في سلّم الأولوية.
فمنذ الانتفاضة الليبية عام 2011، تدخّلت عشر دول أجنبية على الأقلّ في النزاعات التي عصفت بليبيا. وقد عملت هذه الجهات الدولية، مدفوعةً بمزيج معقد من المصالح الجغرافية السياسية، والأمنية، والاقتصادية على التأثير على القوى المحرّكة الليبية بفعل خصوماتها العالمية والإقليمية.
ولعلّ إحدى أبرز الوسائل التي تدخّلت من خلالها الدول الأجنبية في ليبيا قد تمثّلت في تقديم الدعم العسكري للفصائل المتنازعة، ولا سيما بشكل عمليات نقل للأسلحة، في انتهاك واضح لحظر توريد السلاح الصادر عام 2011. وكان أن ساهمت الأسلحة المتطوّرة المستوردة من الخارج في أن جعلت الصراع أكثر فتكاً، سيما وأنها استُخدمت في المناطق المدنية المكتظة بالسكّان.
“لا أشعر بالأمان وأكثر ما يقلقني الجماعات المسلّحة والأسلحة المنتشرة من حولنا” – امرأة من طرابلس قابلتها منظمة محامون من أجل العدالة في ليبيا عام 2021.
كما تعاونت جهات أخرى بما فيها فرنسا ومصر والإمارات العربية المتحدة والولايات المتحدة الأميركية مع الميليشيات المحلية والجماعات المسلّحة باسم مكافحة الإرهاب. وقد عمدت تلك الدول من خلال إعطاء الأولوية لهذه الشراكات الأمنية القصيرة المدى إلى إرسال رسالة واضحة إلى الليبيين مفادها انّ مكافحة الإرهاب ضرورة أما حقوق الإنسان فخيار.
“تعرّض مجتمعي المحلّي لغارات عنيفة شنّها حلف الناتو ودُمّرت جرّاءها منازلنا وممتلكاتنا.” – مدرّس من سرت قابلته محامون من أجل العدالة في ليبيا في العام 2020.
وبالإضافة إلى مكافحة الإرهاب، طُبعت مشاركة أوروبا في ليبيا بهاجسٍ متصاعدٍ تمثّل في خفض وتقييد أعداد الوافدين من أفريقيا والشرق الأوسط إلى السواحل الأوروبية. وقد أدّت تلك السياسات إلى تقطّع سبل المهاجرين واللاجئين في يلبيا ليبقوا عالقين فعلياً على أراضيها. ويواجه هؤلاء المهاجرون واللاجئون وملتمسو اللجوء الذين تقارب أعدادهم 600 ألف شخص في ليبيا مستويات غير مسبوقة من الاستغلال، والابتزاز والاسترقاق في أعمالٍ يمكن أن ترقى إلى جرائم ضدّ الإنسانية.
ويمكن أن تختصر نتيجة المشاركة الدولية في ليبيا في أكثر من عقدٍ من الزمن عرف فيه الليبيون العنف وانتهاكات حقوق الإنسان المنتشرة على نطاقٍ واسع والادعاءات الخطيرة بوقوع جرائم حرب.
ويطالب ضحايا أعمال العنف والانتهاكات المنتشرة منذ ما قبل عام 2011 وما بعده أيضاً بالعدالة عمّا لحق بهم من ضرر.
“لم يلق أحد عقابه حتى اليوم. إنّ غياب المساءلة يعني غياب الحقوق، وأنا أتخوّف لكون العديد من الضحايا قد فقدوا الأمل في تحقق المساءلة الفعلية عن الجرائم التي وقعوا ضحيتها.”– مدافع عن حقوق الإنسان من تاورغاء قابلته منظمة محامون من أجل العدالة في ليبيا عام 2021.
وإذ يفتقر الضحايا إلى سبل انتصاف محلية ملائمة، فإنّ دور الجهات الدولية يحظى بأهميةٍ أكبر لضمان المساءلة عن الجرائم المرتكبة في ليبيا. ومع ذلك، ما زال من الواجب القيام بالمزيد من الجهود لكسر حلقة السياسات الضارّة والعنف المنتشر في ليبيا.
يدعو هذا التقرير المجتمع الدولي إلى الابتعاد عن عقدٍ كاملٍ من الإفلات من العقاب في ليبيا أتاح للجهات الوطنية والأجنبية أن تسعى وراء أهدافها ومصالحها الذاتية وتجاهل القانون الدولي والمعايير الدولية. لا بد للمشاركة الدولية من أن تدرج في سلّم الأولوية مقاربةً مبنيةً على حقوق الإنسان تضع الشعب الليبي في المقدّمة.
_______________