د. عمران محمد بورويس

خلال يومي 24 و 25 نوفمبر 2011، عقد بمدينة مونبلييه التاريخية بجنوب فرنسا المطلة على حوض البحر الأبيض المتوسط مؤتمر تحت عنوان (مسؤولية صانعي السياسة في عالم متغيّر: البحر المتوسط وموجات التغيير) تحت إشراف منتدى السياسة الجديدة (منتدى الرئيس السوفييتي الأسبق جورباتشوف) وبرعاية محافظة لانجدوك ـ روسيليون.

الجزء الثاني

عهد الجمهورية الأولى (1969 ـ 2011)

أطاح ضباط الجيش الليبي من الشباب بقيادة الملازم معمر القذافي يوم 1 سبتمبر 1969 بالنظام الملكي، واعتقلوا ولي العهد المرحوم الحسن الرضا وأسقطوا الدستور الليبي وأقاموا النظام الجمهوري وعلى رأسه مجس قيادة الثورة واعتقلوا كبار الضباط من الجيش والشرطة، والوزراء السابقين. وأقاموا المحاكم العسكرية ومحاكم أمن الدولة ومحكمة الشعب، وهي محاكم خاصة، إلى جانب المحاكم القضائية العادية، ثم شرعوا فيما أسموه الثورة الثقافية وندوة الفكر الثوري، ونظام الاتحاد الاشتراكي.

استمر النظام الجمهوري على منواله إلى يوم 15 أبريل 1973 المعروف بيوم خطاب زوارة وإعلان القذافي لنقاطه الخمس وفي مقدمتها إلغاء القوانين، وصاحبها اعتقال العديد من النشطاء السياسيين المعارضين له، ثم بدأ ما أسماه “الثورة الإدارية” وشرع في هدم مقومات الدولة العصرية.

بإعلان سبها يوم 2 مارس 1977 أطبق القذافي سيطرته على ليبيا بإعلان قيام ما أسماه “السلطة الشعبية” وقيام ما أسماه “النظام الجماهيري” وتغير إسم البلاد إلى “الجماهيرية العربية الليبية الاشتراكية” ثم أضاف إليها كلمة “العظمى” لتكتمل الصورة الهزلية.

وشرع يشطح في غرب البلاد وشرقها وجنوبها: فألغى مجلس قيادة الثورة وأقام مؤتمر الشعب العام واللجان الشعبية ثم اللجان الثورية ومكتب الاتصال باللجان الثورية، وأضاف المعتقلات تحت الارض وفوق الأرض، وأمم التجارة الداخلية والخارجية، فأقفل جميع المتاجر والمحلات وألغى مهنة المحاماة الحرة ومهنة تحرير العقود (توثيق العقود)، وأحرق السجلات العقارية المتعلقة بالملكية، وحل الجيش الوطني وبعثر كوادره العليا والمتوسطة وأنشأ محلها كتائبه الأمنية وسلحها، وشن حملة تصفيات جسدية لمعارضيه بالداخل والخارج. وهدم البنية التعليمية والصحية، وأفسد الذمم، وأمر بارتكاب مذبحة سجن بوسليم حيث اعدم 1269 سجين سياسي في يوم واحد وردمهم تحت الانقاض.

أما مغامراته الخارجية فكان منها: تفجيره لطائرة بان آم الأمريكية فوق لوكربي، وتفجير الطائرة الفرنسية يو تي آى فوق صحراء النتجر وليبيا، وتفجير الملهى الليلي ببرلين، مما كلف الليبيين مبالغ باهظة دفعها كتعويضات بمليارات الدولارات، وقام بمعاداة جيرانه في مصر وتونس وتشاد، وأهدر مال الشعب الذي وزعه على المرتزقة والأفاقين وأبنائه وحاشيته.

وختم عهده بتنصيب نفسه ملكا لملوك أفريقيا عام 2008.

وخلال تلك الحقبة التي دامت 42 سنة لم يكن الشعب الليبي مستكينا، بل صارع الظلم والاستبداد عبر أفراده وتنظيماته الوطنية والسياسية المعارضة بالداخل والخارج بشتى أنواع المعارضة السلبية والسلمية، الفكرية والثقافية، والعسكرية وقدم أفواجا من شهداء الحرية.

عهد الجمهورية الثانية

بدأ الربيع العربي بثورة الياسمين بتونس يوم 14 يناير 2011، فأسقطت حكم بن علي وأسرته، ثم بثورة التحرير بمصر يوم 25 يناير فأسقطت حكم مبارك وأسرته، وحل الجواد العربي ثالثا يوم 17 فبراير في سباق ربيع التحرير. إضافة إلى الحراك الشعبي المتزايد باليمن وسوريا وغيرها.

وقعت الواقعة يوم 17 فبراير وسجلها قلم المناضل والاديب والمدون والصحفي أ. أحمد الفيتوري بشئ من الإنجاز:

(( كانت بنغازي المدينة الثانية قبلة ميديا العالم. أذهلت العالم انتفاضة الليبيين السلمية ضد نظام قمعي استمر لعقود أربعة، وما جوبهت به هذا الانتفاضة من عنف النظام السلطوي ما وصل إلى حد استخدام الرشاشات. فلم يفطن أحد أن الليبيين قد أنجزوا على الأرض: إسقاط النظام في شرق البلاد وجزء من غربها وأن ذلك تم في أربعة أيام. تكوين مجلس وطني انتقالي، وأن ذلك تم في الاسبوع الثاني للانتفاضة. وتشكلت هيأة الدعم والمشورة إلى جانب ائتلاف 17 فبراير، والمجالس المحلية بشرق البلاد فكانت تلك الهيأة تمحص الأفكار وتقترح الحلول وتختزل المشورة، كمنظمة من منظمات المجتمع المدني …))

ثم تسارعت الأحداث: فسقطت كتيبة أمن القذافي ببنغازي يوم 20 فبراير 2011 وبسقوطها بدأ العد العكسي لإسقاط النظام في شرق البلاد وجزء من غربها وأن ذلك تم في أربعة أيام. وفي 20 أغسطس 2011 أسقط معسكر باب العزيزية وحررت طرابلس، وفي 20 اكتوبر 2011 حررت مدينة سرت وقتل الطاغية، حدث كل ذلك والعالم شاهد على شجاعة الليبيين جنودا وثوارا.

أما في 19 مارس 2011 فكان أطول الأيام، أرتال من جحافل كتائب القذافي الأمنية من دبابات ومدرعات وآليات عسكرية وراجمات صواريخ بلغ طولها 60 كيلومتر بدأت تقصف مدينة بنغازي منذ الصباح الباكر، لإبادة المدينة بمن فيها ثم إبادة كامل المنطقة الشرقية لليبيا، فتصدى لها طيارون ليبيون بواسل، وشباب يحملون أسلحة خفيفة وبكثير من الشجاعة والإقدام نجحوا في إيقاف الرتل عند مدخل المدينة الغربي إلى أبادته القاذفات الفرنسية بدءً من الساعة السادسة مساء.

قبل ذلك كان قد صدر قرار مجلس الأمن الدولي رقم (1970، 1973) حيث شرع حلف الناتو بأداء دوره الانساني لحماية المدنيين وفرض حظر جوي على سماء ليبيا.

من الجذور إلى الثمرات

تلك كانت ـ في عجالة ـ بعضا من جذور الربيع العربي الليبي، وهو جزء لا يتجزأ من الربيع العربي الحال والقادم. أما الثمرات المرجوة فإنها تتمثل في العمل على تحقيق الشعارات والاهداف التالية:

لا رئاسة مدى الحياة .. لأي كان                      نعم للتداول السلطة سلميا

لا للحكم الشمولي الديكتاتوري                        نعم للديمقراطية

لا لتحكم الحزب الواحد                                 نعم للتعددية الحزبية

لا للإنقلابات العسكرية                                 نعم لصناديق الاقتراع الشفافة

لا للفساد والإفساد                                       نعم للحكم الرشيد والحكومة

لا لتغييب المرأة نصف المجتمع                      نعم لمشاركة المرأة في صنع القرار 

لا لحرمان أي منطقة أو جهة                         نعم للتنمية المتوازية لكامل الوطن

لا للعسف والجور والظلم                              نعم للعدالة والحرية وحقوق الانسان

لا لإبعاد الخبرات الوطنية                              نعم لمشاركة خبراء الوطن

لا للتطرف الديني                                       نعم للإسلام السمح

لا لإقصاء أي طرف في البناء                         نعم للجميع لبناء الوطن 

***

لكن كيف السبيل إلى تحقيق ذلك في لييبا

الجواب: عن طريق حزمة من الإجراءات المتتابعة، منها:

تم تكوين هيآت ومنظمات ومؤسسات المجتمع المدني وفي مقدمتها هيآة الدعوة والمشورة التي أتشرف برئاستها، وهي هيأة نشطت منذ يوم 21 فبراير 2011، عبر لقاءات أعضائها المؤسسين والمنضمين، يوميا وأسبوعيا، طيلة الشهور الثمانية الاولى، وأصداراتها الورقية والإلكترونية، وندواتها الموسعة، واستبيانها المتعلق بالخيارات الدستورية لدولة ليبيا الجديدة، وموقعها الإلكتروني الخاص على شبكة المعلومات العالمية ودعمها ومساندتها لإنشاء “منظمة الحقوقيين الليبيين” التي تأسست بمدينة مصراتة يوم 30 اكتوبر 2011، لتغطي كامل تراب الوطن والتي من المتوقع أن ينضم إليها من 3000 إلى 5000 حقوقي ليبي.

مع التنويه أن في عهد القذافي كان العمل التطوعي والتنظيمات بكل أنواعها وأشكالها ممنوعة، وعدد منظمات المجتمع المدني التي أنشئت منذ 17 فبراير يتجاوز الخمسين مؤسسة وجمعية في مدينة بنغازي وحدها.

كما تم إنشاء السجل الوطني للخبراء والمختصين الليبيين بالداخل منذ شهر مايو بهدف الاستفادة من الموارد البشرية الليبية في كافة المجالات والانشطة لتحسين الفاعلية ورفع الكفاءة ، وإعداد الخطط والبرامج المتعلقة بإعادة الإعمار ويمكن زيارة موقعه الإلكتروني الموقوف على محتوايته. وبشكل متواز تم تأسيس المنتدى العالمي للخبراء الليبيين بالمهجر الذين يقدر عددهم بأكثر من 3000 خبير على مستوى علمي، حيث تأسس بالفعل بمدينة درنة يوم 5 اكتوبر 2011 لتحقيق ذات الاهداف أعلاه.

أما الأحزاب والتنظيمات السياسية المتنوعة فقد شرعت في تنظيم صفوفها لتنظم إلى قافلة حراس الثورة وحماية مسيرتها ومكتسباتها.

أما الصحافة الليبية الجديدة فقد بدأت تمارس سلطتها الرابعة منذ اندلاع ثورة 17 فبراير وهي في طريقها لان تنضج مهنيا، وهي دعامة أساسية من دعائم الديمقراطية. فقبل الثورة كان عدد المطبوعات من جرائد وصحف لا يتعدى العشر مطبوعات، وبعد الثورة بلع عدد الصحف والمجلات أكثر من 150  مطبوعة على كامل التراب الليبي.

عندما تتمكن السلطة الجديدة في ليبيا ممثلة في المجلس الوطني الانتقالي والحكومة المؤقتة والبنك المركزي منم تذليل الصعوبات القانونية والإدارية لتسييل الأموال المجمدة البالغ مجموعها 130 مليار دولار، ووضع يدها على الأموال والاصول التي أودعها القذافي وأبنائه ومؤسساتهة في الخارج فإن السلطة الجديدة في ليبيا يكون بإمكانها عندئد من التغلب الفعلي على المشاكل المتعددة التي تواجهها حاليا وهي من صنع تصرفات غير حكيمة لحاكم تحكّم في العباد والبلاد طيلة عقود أربعة من الزمان.

إن الأموال الليبية المجمدة، عند تحريرها وتسييلها بالكامل ستمكّن المسؤولين من تقديم الخدمات اللازمة للجرحى والمصابين في المعارك (الذي تجاوز عددهم العشرون ألفا) ودفع تعويضات لجبر الاضرار المادية والمعنوية اللاحقة بالمواطنين، والبدء الفعلي في إرساء دعائم عدالة انتقالية بمعاييرها وضوابطها الدولية والمحلية، وإعادة الإعمار، ودعم القضاء ليؤدي بدوره بشكل فاعل. وإعادة تنظيم الجيش والشرطة وحل التشكيلات المسلحة بعد اكتمال التحرير ودمجها بالجيش والشرطة.

تم تشكيل الهيئة الوطنية لصياغة دستور البلاد تمهيدا لاجراء انتخابات في موعدها لاختيار رئيس للدولة وتشكيل حكومة دائمة يكون من أولوياتها خدمة الوطن والمواطن باتباع اسلوب الحكم الرشيد، وعدم تصدير المشاكل والفتن للدول المجاورة القريبة والبعيدة.

لذا نأمل ونعمل في الوقت نفسه على تحقيق تلك الغايات والاهداف ، بالتعاون المتبادل والثقة المتوفرة بين الشعوب كافة لإعادة بناء فضاء عالمي إنساني.

___________

المصدر: “المواطنة” مجلة دورية تعنى بالشؤون الفكرية والثقافية والسياسية ـ السنة الاولى ـ العددان الأول والثاني (2011) ـ المجلة صادرة عن منتدى المواطنة للديمقراطية والتنمية البشرية.

مقالات مشابهة

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *