من يمكنه إدارة وضع سياسي متشرذم بدون قيم وأخلاق وضوابط ؟
ربما يعيش الوطن اليوم في ظلّ هذه الإنتخابات غير الناضجة ظروف وعوامل لهدم كل ماتبقى من أركان الدولة الليبية بل وكل ما له علاقة بجذورنا وتاريخنا .
فالانتخابات التي طال انتظارها في ليبيا و روّجت لها العديد من الدول الأجنبية وغيرها على أنها المخرج الحقيقي والفعلي لأوضاع ليبيا المأساوية، بأعتبارها العصا السحرية التي سوف تنقل المجتمع الليبي إلى حالة الأمان والاستقرار والتداول السلمي للسلطة هى مجرد حلم لا يمكنه إدارة دولة بلا ضوابط.
ولا يمكن تخيل نجاح هذه الانتخابات تحت ظروف ومعطيات الواقع الليبي المعاش، فلقد أصبحت هذه الانتخابات وكأنها حلم خيالي وغير واقعي لأن البلاد قد وقعت تحت تجاذبات سياسية واقتصادية وحتى اجتماعية كانت آثارها شديدة الخطورة وقد أوضحت الانقسامات على كل المستويات السيوسياسية والاجتماعية والاقتصادية وحالة غير مسبوقة من الفوضى وعدم الانضباط وغياب سلطة موحدة حقيقية وفي ظل قانون انتخاب لا مثيل له في العالم.
يتستَّر هذا القانون المعيب خلف حجج مختلفة ليُخفي وضعاً معقداً وشائك من التناقضات لا يجرؤ أحد على معالجته بهذه السرعة والعُجالة وتحت ضغوط وتدخلات إقليمية وأجنبية ووجود مرتزقة أجانب وعصابات ومليشيات مسلحة تتنوع في ولاءاتها للأشخاص أكثر من ولائها لخدمة الوطن والشعبز
إن الخطير في هذا الأمر هو أن هذه الانتخابات :
أولاً – تجري من دون قيم ومبادئ وفي غياب ضوابط دستورية وقانونية وإجراءات واعراف متعارف عليها في كل الدول الديمقراطية تتعلق بمجريات العملية الانتخابية من حيث انضاج البيئة الداخلية لكافة شرائح وفئات وافراد المجتمع للمشاركة فى الانتخابات بنزاهة وصدق بدلاً من عمليات بيع وشراء البطاقات الانتخابية ومساومة بعض المليشيات العسكرية شرقاً وغرباً أتباعها لصالح البعض من أجل عدم اختيار أو ترشيح الشخص المناسب والأفضل والاجدر والأكفأ لخدمة مصلحةالوطن والشعب .
ثانياً – تعدد التبدلات في وجهات واتجاهات “المتحالفين” ضمنيا أو بشكل معلن في عملية لخلط وإعادة توزيع لأوراق اللّعب، في لعبة سياسية بلا ضوابط دستورية ولا أخلاقيات، ما عدا ضوابط المصلحة وتحصيل المناصب السياسية وما وراءها من مكاسب مادية .
ثالثاً – من حق الشعب الليبى أن يتساءل عن كثرة الطعون مما يشكك في سير العملية الانتخابية فضلاً عن الإجراءات التي سيتم إتباعها أثناء سير دعوى الطعون، هل هي إجراءات عادية أو استثنائية أم أن الطبيعة الخاصة لهذه الطعون تحتاج إلى إجراءات من نوع خاص.
رابعاً – في الحقيقة نحن اليوم في ليبيا أمام تجربة جديدة من أجل العملية الانتخابية وكيفية التعامل معها، فليس هنالك من سوابق انتخابية في هذا المجال على إمتداد نصف قرن تقريبا حتى يمكن الرجوع والركون إليها والقياس عليها، وليس هنالك أحكاماً تشريعية خاصة بهذا النوع من الطعون مما سيضطر البعض إلى تطبيق المبادئ العامة التي قد لا تتناسب مع طبيعة هذا النوع من الطعون
ربما هناك فرصة سانحة في ظل تفكك وتجاذبات الأطراف السياسية، ووسط الفضائح والصفقات التي تظهر إلى السطح و تحيط بها كل يوم يمر، لايقاف مهزلة الانتخابات الليبية مرحلياً، وللخروج من هذا النفق المظلم إلى فسحة من الأمل التي اشتاق إليها كل الأحرار والكثير من أبناء شعبنا المغلوب على أمره.
إنها مناسبة لتوحيد جهود المجتمع الليبي وعدم الاستكانة للوضع الحالي تعبيراً عن وجع مئات الآلاف من الليبيين الصابرين الصامدين وسخطهم وصرخة مدوِّية تقول كفى استخفافاً بمشاعر الناس وعقولهم، وتاكيداً على أن الليبيين يستطيعون أخذ موقف صارم من الانتخابات و أن يحدثوا التغيير المنشود الذي تستحقه ليبيا بعد انضاج الظروف الموضوعية للانتخابات الرئاسية والنيابية .